ما فحوى وثيقة "العهد العشائري"؟ وهل هي الأولى من نوعها في العراق؟.. انفوبلس تفصل ذلك
انفوبلس/ تقرير
للحد من النزاعات العشائرية التي تُسجل في محافظات العراق كلها، خصوصاً في الجنوب والوسطى، والتي توقع ضحايا وتؤثّر على السلم المجتمعي، أطلقت وزارة الداخلية، وثيقة "العهد العشائري" المتضمّنة 7 بنود مهمة، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على أسرار وفحوى هذه الوثيقة وردود الفعل.
يُعد ملف النزاعات العشائرية، من أبرز القضايا التي لم تجد لها الحكومات المتعاقبة حلولاً جذرية، حيث يستمر تسجيل ضحايا ومصابين في المحافظات الجنوبية والوسطى، والتي تستدعي في بعضها تدخل قوات أمنية لفضّها.
*وثيقة "العهد العشائري"
يفيد مدير شؤون العشائر لدى وزارة الداخلية سلمان عبد الله الحسناوي، بأنّ "النزاعات العشائرية المسلحة لها تأثير كبير في الأمن المجتمعي، ولا سيّما أنّ لها أبعاداً كثيرة"، من بينها "إثارة الرعب، فضلاً عمّا يقع من ضحايا". وأضاف في تصريح تابعته شبكة انفوبلس، أمس الاثنين، أنّ "المديرية قطعت أشواطاً مهمة في الحدّ من تلك النزاعات، بعدما كانت لها لقاءات مباشرة مع شيوخ العشائر" شرحت في خلالها أهمية الحدّ من تلك النزاعات.
ويتابع الحسناوي، أنّ "اللجوء إلى القانون، كونه يمثّل الحكم الفصل في محاسبة المتجاوزين أو المعتدين، حدَّ من تلك النزاعات". وأكّد أنّ ثمّة "انخفاضاً كبيراً في مستوى النزاعات مقارنة بالأعوام الماضية"، مشيراً إلى "وثيقة العهد العشائري" التي أُصدرت والتي تتضمّن سبعة بنود مهمّة.
*سبعة بنود مهمة
وعدّد الحسناوي البنود وهي "الاحترام والالتزام بالثوابت الشرعية والتأكيد على تطبيقها في المحافل العشائرية، واحترام مبادئ حقوق الإنسان بما لا يخالف تعاليم الدين، وفرض سلطة القانون وهيبة الدولة على الجميع عن طريق دعم الأجهزة الأمنية الرسمية بكلّ صنوفها ومساندتها من أجل تطبيق القانون".
ومن البنود كذلك بحسب مدير شؤون العشائر لدى وزارة الداخلية "ضرورة الالتزام بالعادات والتقاليد الأصيلة بما لا يخالف تعاليم الدين الإسلامي، ومنع ظاهرة الابتزاز الإلكتروني بكلّ أشكاله، ودعم جهود الحكومة لمنع الاتجار بالمخدرات وتعاطيها والتبليغ عنها، ومنع التهجير القسري والوقوف في وجه كلّ من يقوم بذلك أو يروّج له".
ويدعو إلى "مواصلة تعزيز السلم الأهلي وتجاوز الخلافات"، مشدّداً على "ضرورة الالتزام ببنود وثيقة العهد العشائري".
يُذكر أنّ وثيقة "العهد العشائري" ليست الأولى من نوعها، بل سبق أن رعت وزارة الداخلية مؤتمرات عشائرية خرجت بوثائق مماثلة من ضمن مساعيها إلى تحجيم النزاعات العشائرية والقضاء عليها.
*ردود الفعل
في السياق نفسه، يؤكد غانم المسعودي أحد وجهاء محافظة ميسان، أنّ "متابعة وزارة الداخلية والعقوبات القانونية أسهمت في تراجع النزاعات العشائرية بصورة نسبية"، لكنّه أشار إلى أنّ "التراجع ليس بمستوى الطموح".
ويضيف المسعودي، أنّ "الملف يحتاج إلى متابعة مستمرّة ومعالجات بالتعاون مع العشائر والتنسيق معها". وأوضح المسعودي أنّ "ملف النزاعات العشائرية يرتبط بملفات أخرى، من بينها انتشار السلاح خارج إطار الدولة. وقد لاحظنا أخيراً خطوات من قبل الوزارة للحدّ منه، إلا أنّ ثمّة حاجة إلى خطوات سريعة في إطار حصر السلاح وفرض عقوبات على المخالفين في هذا الشأن، بالإضافة إلى فرض عقوبات مشدّدة على مثيري النزاعات العشائرية".
ويشدّد المسعودي على أنّ "وجهاء العشائر يؤدّون دوراً مهماً في وأد الفتن بين العشائر، ويفعّلون مجالس الصلح العشائري لإنهاء الخلافات، علماً أنّ ذلك يجري بالتعاون مع الجهات الأمنية في المحافظات العراقية كلها".
وتجدر الإشارة إلى أنّ ملف النزاعات العشائرية في العراق، خصوصاً في جنوب البلاد، يتصدّر اهتمامات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مع استمرار وقوع الضحايا من القتلى والجرحى في المحافظات الجنوبية والوسطى نتيجة النزاعات العشائرية المسلّحة، وهذا أمر يستدعي في بعض النزاعات تدخّلاً من الجيش لفضّها، يُستخدم فيه أحياناً سلاح متوسّط وقذائف هاون وأخرى صاروخية تُحمَل على الكتف.
وفي هذا الشأن، يعتقد الخبير الأمني عماد علو، أن هذه الوثيقة لا جدوى منها ولا تؤدي إلى غرض حقيقي، مشدداً على ضرورة انتقال الاجهزة الأمنية من مرحلة السيطرة على السلاح إلى مرحلة نزع السلاح وبمختلف الوسائل.
ويذكر علو، أن "هذه الوثيقة، وبحسب المؤشرات لا يمكن أن يكون لها أي تأثير بالحد من النزاعات العشائرية، على اعتبار أن كثافة الاسلحة بأنواعها المتوسطة والثقيلة وانتشارها وغياب الوعي وكذلك ضعف الاجراءات الحكومية التي لا يمكن ان تعالج المشكلة طالما هي اجراءات شكلية"، لافتاً الى ان “هذه الوثيقة، هي ليست المرة الاولى التي ترعاها وزارة الداخلية على مدى الفترة الماضية وتشكر عليها، إلا أن فقدان الوعي وغياب الإدراك والمصلحة العامة لدى الكثير من افراد المجتمع، تسبب باستمرار النزاعات بل وتصاعدت خلال الفترة القليلة الماضية وانتقلت من الريف الى مراكز المدن والمحافظات".
ويضيف، أن "الواقع يدل على عدم وجود ضمانات من قبل الموقعين على مثل هكذا وثائق او عقود تخص الحد من النزاعات العشائرية، خصوصاً وان السلاح يتواجد لدى الكثير من العشائر من دون اجراءات فعالة وليست شكلية ومن بينها التعقيد الكبير الذي يلازم الاستمارة الالكترونية التي اعلنت عنها وزارة الداخلية لتسليم وشراء السلاح من المواطنين".
ويتابع علو، أن "أغلب الاجراءات التي تتخذها الحكومة لمواجهة السلاح المنفلت ومن بينها السلاح العشائري، هي اجراءات متشابهة طوال 15 عاماً الماضية وهي مقتصرة بالدعوات للسيطرة على السلاح او عقد المؤتمرات او توقيع العهود". مشيراً الى "اهمية ان ينتقل خطاب وفعل الجهات الحكومية من مرحلة السيطرة على السلاح الى مرحلة نزع السلاح وردع المخالفين، فضلاً عن ضرورة الاستفادة من تجارب الدول المجاورة او الاقليمية في كيفية تخلصها من السلاح المنفلت".
و"الدكّة العشائرية" هي قيام مسلّحين ينتمون إلى قبيلة معيّنة بتهديد أسرة تنتمي إلى قبيلة ثانية في بيتها عبر إطلاق نار بمختلف الأسلحة، وإلقاء قنابل يدوية أحياناً، كتحذير شديد اللهجة بهدف دفعها إلى التفاوض لتسوية خلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدَف، فإنّ الأمور تتفاقم إلى وقوع ضحايا من الطرفَين.
ووفقاً لإحصاء لدائرة الطب العدلي اطلعت عليه "انفوبلس"، فقد تسببت النزاعات العشائرية بقتل وإصابة 3000 شخص من مختلف المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، خلال النصف الأول فقط من عام 2023، بينهم 120 امرأة.
وكانت السلطات الأمنية قد عدَّت، في وقت سابق، "الدكّات العشائرية" بأنها من الجرائم الإرهابية، مشددة على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم، فيما يُعد السلاح المنفلت في العراق واحداً من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. ومنذ عام 2005 وحتى اليوم، رفعت الحكومات العراقية شعار "حصر السلاح بيد الدولة"، فيما لا يبدو أن هناك خطوات فعّالة لتنفيذه.
وينبّه الناشط المدني علي العبودي إلى أن حياة المواطنين أصبحت مهدّدة في محافظات جنوبي العراق بسبب النزاعات العشائرية المستمرة، مشددًا على ضرورة الحد منها.
ويوضح أن عوامل عدة أدَّت إلى هذه الظاهرة، كقلة الوعي، والجهل السائد عند بعض الأشخاص، إضافة إلى الأنانية، وشعور بعض الشيوخ بالكبرياء خاصة ممن يظنون أن رفع السلاح بوجه الآخرين مصدر قوة وبقاء على عرش المشيخة. وفق قوله.
بدوره، يقول الحقوقي حازم البدري "إن القرار الوحيد الذي يُمكّن البلاد من التخلّص من النزاعات العشائرية هو سحب السلاح من يد العشائر، وحصره بيد الدولة"، مؤكدًا "أن وجود السلاح المتوسط والثقيل بيد المدنيين يهدّد أمن البلاد والسلم المجتمعي".
ويعتقد خبراء أمنيون، أن "المواطن لا يلجأ لمراكز الشرطة لكونه يعلم أنه سوف يخسر أكثر مما يربح وستطول جداً فترة حسم القضية وتطول قائمة الطلبات والمتطلبات والكثير من الأمور تدفع المواطن لعدم اختيار مركز الشرطة لأخذ حقه بل يتوجه لشيخ العشيرة، ونحن نتأمل من وزير الداخلية معالجة هذه المسألة والتي سوف تحد كثيراً من النزاعات العشائرية".
كما لا يوجد إحصاء دقيق يحصي عدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن وفق آخر إحصائية عن أعداد قطع السلاح المنتشرة في الدول العربية، حلّ العراق في المرتبة الثانية بعد اليمن وتشير التقديرات عن أرقام متفاوتة ما بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف.
خطة لنزع السلاح
في بداية عام 2024، أطلقت الحكومة العراقية مشروعاً لشراء الأسلحة من المواطنين في محاولة منها لحصر السلاح، إلا أن الحملة قوبلت بتجاوب ضعيف من المواطنين لتقرر الحكومة على إثرها زيادة المبالغ المالية المقدمة للمواطنين مقابل تسليم أسلحتهم.
وقال المتحدث باسم اللجنة الوطنية المكلفة بالحملة الحكومية زياد القيسي، إن "الحكومة رفعت قيمة أسعار السلاح الثقيل والمتوسط مقابل تسليمه"، مبيناً أنها "وصلت إلى أكثر من 6 ملايين دينار مقابل السلاح الواحد المتوسط والثقيل من مدافع الهاون".