مدافع هاوتزر الأمريكية في أربيل.. جدل تسليح البيشمركة بين مخاوف أمنية واستغلال لأغراض سياسية.. تعرف على التطورات
انفوبلس..
وسط صمت حكومي مريب، سلّحت الولايات المتحدة الأمريكية، قوات البيمشركة الكردية بعشرات المدافع الثقيلة، في خطوة من شأنها أن تُربك المشهد بشكل واسع بين بغداد وأربيل، كما يعتبر هذا الملف وسيلة سياسية تحاول بعض الجهات استغلالها لصالحها كموقف رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، فما هي المخاوف؟ وما هي المواقف السياسية؟
تغريدة الحلبوسي
وأثارت مدافع "هاوتزر"، التي منحتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى قوات البيشمركة الكردية، جدلاً واسعاً في العراق خلال اليومين الأخيرين، رغم أنها وصلت إلى أربيل، قبل نحو 40 يوماً. بيد أن تدوينة بشأنها لرئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، أشعلت نيران الجدل والنقاشات من جديد.
وقال الحلبوسي، في تدوينته السبت الماضي: "نرفض رفضاً قاطعاً تسليح قوات محلية (البيشمركة) واجبها الدستوري يقتصر على حفظ أمن داخلي ضمن حدود مسؤوليتها (بمدفعية ثقيلة متطورة)". وأضاف أن "هذا الإجراء المرفوض قد يكون سبباً في ضرب الأمن المجتمعي الوطني بشكل عام وفي محافظتي نينوى وكركوك على وجه الخصوص إذا ما تمت الإساءة باستخدام تلك الأسلحة (لا سمح الله) في نزاعات عرقية أو حزبية مستقبلاً".
وتابع، إن "هذا النوع من الأسلحة يجب أن يكون حكراً بيد الجيش العراقي الذي ندعو باستمرار إلى تعزيز قدراته وإمكاناته".
الرد الكردي
وكان وزير شؤون البيشمركة، شورش إسماعيل، قد أعلن في السادس من أغسطس/آب الماضي، أن وزارة الدفاع الأميركية زودت قوات البيشمركة بمجموعة من المدافع الثقيلة بموافقة الحكومة الاتحادية العراقية، وذلك خلال حفل تسليم قوات البيشمركة 24 مدفعاً من النوع الثقيل من قبل القوات الأميركية.
وجرت مراسيم التسليم داخل مبنى وزارة شؤون البيشمركة في مدينة أربيل. والمدافع المشار إليها من نوع «هاوتزر» أميركية من عيار 105 ملم من طراز "إم 119". ويصل مداها إلى 30 – 40 كيلومتراً، وهي أسلحة دفاعية وليست هجومية، بحسب بعض الخبراء العسكريين.
إلى ذلك قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، في تدوينة عبر «إكس»، إن "موقف الحلبوسي رئيس البرلمان السابق والمحروم قضائياً من ولاية جديدة من تسلم قوات بيشمركة الإقليم جزءاً بسيطاً من أسلحة دفاعية من التحالف الدولي يعكس البهلوانية الشعبوية الرخيصة وعقلية مريضة لصعود سياسي الصدفة! وإلا لماذا لا تستخدم هذه الأسلحة ضد أعداء العراق فقط؟".
وفي تغريدة مماثلة، قال عضو البرلمان الاتحادي عن الحزب الديمقراطي ماجد شنكالي، إن "أحدهم (في إشارة إلى الحلبوسي) اغترَّ كثيراً وتجاوز الحدود وأراد أن يلعب وحده دون الأخذ بتعليمات وتوجيهات الطرف الإقليمي الداعم والراعي للنظام السياسي القائم فتم طرده وحرمانه من اللعب لمدة غير محدودة".
وأضاف: "الآن بدأ بمغازلة ذلك الطرف الإقليمي والمقربين منه بصفقة ديالى مروراً بكركوك، وأخيراً وليس آخراً رفضه تجهيز قوات البيشمركة بالمدافع والأسلحة بحجة الدفاع عن المكوّن"، في إشارة إلى المشاكل التي حدثت في مجلس محافظتي ديالى وكركوك، حيث فضّل حزب الحلبوسي "تقدم" الاصطفاف مع التحالف الذي حرم الحزب الديمقراطي من تسلم مناصب مهمة في المجلسين.
وتعليقاً على الضجة المثارة حول مدافع البيشمركة، قال كفاح محمود، الباحث والمستشار السياسي لزعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، إن "التوقيت مثير للشبهات، خصوصاً أن هذه المدافع تم الاتفاق على تسليمها لقوات البيشمركة التي تُعد جزءاً مهماً من المنظومة العسكرية العراقية، قبل عدة أشهر وتم تسليمها قبل أكثر من 40 يوماً".
وأضاف، إن "إثارة الموضوع من الحلبوسي أو غيره توضع عليه علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أننا حيال تيارين؛ أحدهما يعمل على حل وتصفير المشاكل بين أربيل وبغداد وآخر يعمل على تعطيل تلك التوجهات".
وتابع، إن "التيار المعطل يسعى جاهداً وبتوجيه من جماعات محددة داخل الإطار (التنسيقي) إلى تعكير الأجواء وعدم نجاح مساعي التهدئة والحل بين بغداد وكردستان".
ويعتقد محمود أن "مساعي التعطيل لن تنجح، خصوصاً أن المجتمع السني من أقصى الأنبار إلى أقصى نينوى يكن احتراماً كبيراً لإقليم كردستان ولقوات البيشمركة وللزعيم بارزاني. مواقف البيشمركة معروفة للعراقيين وقد قدمت تضحيات جسيمة في الحرب ضد داعش وهي جزء من منظومة الدفاع العراقية".
قلق نيابي
وعبَّر النائب عبد الرحيم الشمري عن قلقه من تأثير تسليح البيشمركة على محافظة نينوى، حيث تعاني المحافظة من توترات عرقية بسبب رفض البيشمركة عودة سكان القرى العربية إلى منازلهم وأراضيهم، رغم قرارات الحكومة العراقية، ودعا الشمري إلى ضرورة تعزيز القوات النظامية العراقية التي تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، معتبرًا أن تسليح البيشمركة قد يخلق حالة من الفوضى في المنطقة.
كما طالب عضو مجلس النواب محمد فرمان الشاهر، الحكومة بتنفيذ أمرين بشأن قضية مدافع الإقليم، الأول "استرجاع المدافع التي تم تسليمها للإقليم" والثاني "تجهيز شرطة نينوى وكركوك من العرب بمدافع متطورة ذكية نوع (هاوتزر) عدد 36 مدفعا".
أما عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي البنداوي، فاعتبر تزويد إقليم كردستان بالأسلحة الأمريكية يشكل «تهديداً للأمن المجتمعي» في العراق ويزيد من حدة التوتر.
وأوضح في تصريحات صحافية، إن "هناك مخاوف من استخدام هذه الأسلحة في النزاعات الحزبية، مما يفاقم حساسية الوضع الحالي" لافتاً إلى أن "الرفض لتسليح البيشمركة يجب أن يكون مصحوباً بإجراء واضح وحاسم من الحكومة العراقية، لأنه يمثل تهديداً لأمن البلاد".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة سهلت عملية تسليح البيشمركة نتيجة للمصالح والمكاسب السياسية الكبيرة المشتركة بين الطرفين" مؤكداً أن "هذه المنظومة من الأسلحة ستساهم في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة".
إلى ذلك، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر وتوت، رفضه تسليح قوات البيشمركة بالأسلحة الثقيلة، مؤكداً أن الأولوية يجب أن تكون للقوات المسلحة العراقية التي لم تُنفذ الكثير من الاتفاقيات المتعلقة بتسليحها.
وأوضح وتوت أن “لجنة الأمن والدفاع لم تكن على علم بهذا القرار، وأنه بعد الاستفسار والتدقيق، تبيّن أن الموافقة المبدئية على تسليح البيشمركة كانت قد حصلت في حكومة العبادي السابقة، وتمت الموافقة عليها الآن بشكل رسمي من قبل حكومة السوداني”.
وأضاف أن هناك رفضاً نيابياً وسياسياً لهذه الخطوة، مشيراً إلى أن “القوات المسلحة العراقية هي التي تستحق الأولوية في التسليح، لأنها تمثل العراق بأكمله وليس جهة معينة”.
كما اعتبرت النائبة وحدة الجميلي، قرار تسليح البيشمركة بمدافع أمريكية ثقيلة "سابقة خطيرة" لرئيس الوزراء، وقالت في تغريدة لها" "لسنا ضد نهج رئاسة الإقليم لكن سابقة خطيرة لرئيس الوزراء بتسليح الإقليم بالمدافع الحديثة وهي دعوة للكونفيدرالية والانفصال"، مشيرة الى ان "الاجدر هو تقوية الجيش العراقي بتسليحه والحفاظ عليه من التشظي".
وختمت: "يعارضون إقامة الأقاليم اذا ما طالبنا بها وبازدواجية مقيتة يسلحون الإقليم".
خطأ كبير
الى ذلك رفض العميد المتقاعد والخبير الامني عدنان الكناني تسليح قوات البيشمركة بالأسلحة الثقيلة مشيرا الى أن الأولوية يجب أن تكون للقوات الامنية العراقية.
وقال الكناني، إن "صفقة المدافع أُبرمت خلال السنوات القليلة الماضية وسُلّمت الى الإقليم قبل أيام قليلة" لافتا الى أن "البيشمركة مستقلة عن الجيش العراقي ولهذا صفقة المدافع خطأ كبير جدا".
وأكمل: "نستغرب تسليم المدافع الأميركية الى الإقليم بمعزل عن بغداد ونطالب باتخاذ خطوات قانونية لمنع مثل تلك الصفقات وتقديم مذكرة اعتراض للإدارة الأمريكية بعدم تسليم أي أسلحة ثقيلة لأي جهة دون موافقة المركز".
وبين، إن "هناك رفض نيابي وسياسي لهذه الخطوة". مضيفا، إن "القوات الامنية هي التي تستحق الأولوية في التسليح لأنها تمثل العراق بأكمله وليس جهة معينة".
كما اعتبر الخبير الامني هيثم الخزعلي، أن تسليم قوات البيشمركة بمدافع هاوتزر الاميركية أمر خاطئ كونه إجراء يهدد أمن البلاد، وقال الخزعلي إن "تزويد الإقليم بالأسلحة الأميركية يزيد من حساسية الموقف والتوتر بين الأطراف الكردية وبين حكومة بغداد ايضا" مبينا ان " تسليح البيشمركة يجب أن يتم بموافقة الحكومة المركزية".
وأضاف، إن "تزويد الإقليم بالأسلحة الأميركية مرفوض ويجب اتخاذ إجراء واضح تجاه هذا الامر كونه يهدد امن البلاد" لافتا الى ان "الحكومة المركزية لم تصدر توضيحا بشأن حقيقة تسليح البيشمركة أكان بموافقتها أم لا؟".
وبين، إن "امريكا سهلت عملية امتلاك هذه الاسلحة الى البيشمركة لما بينهم من مصالح ومكتسبات سياسية كبيرة" موضحا ان "هذه المنظومة ستعمل على حماية المصالح الامريكية هناك".
تقرير أمريكي
في منتصف آب الماضي، ذكر موقع مجلة "فوربس" الامريكية أن إقليم كردستان بالرغم من تلقيه قطع مدفعية من الولايات المتحدة مؤخرا، بما يعزز قوته النارية المحدودة، إلا أن قوات البيشمركة، لا تزال تفتقر الى امتلاك القدرات الدفاعية المهمة وذلك لأسباب من بينها بالدرجة الاولى أن الحكومة الاتحادية في بغداد ترفض السماح بعمليات نقل الاسلحة الاساسية الى الاقليم.
ولفت التقرير الأمريكي، الى أن وزارة شؤون البيشمركة كانت قد أعلنت مؤخرا عن تسلم مدافع "هاوتزر" امريكية من عيار 105 ملم من طراز"ام 119"، في 6 آب/أغسطس، مشيرا إلى أن القنصل العام الأمريكي مارك ستروه وصف خلال حفل تسليم هذه المدافع، بأنها "علامة فارقة في بناء قدرات قوات البيشمركة".
وأشار إلى أن واشنطن كانت وافقت على تسليم 36 قطعة مدفعية من طراز "ام 119" لتجهيز كتيبتين من المدفعية الكردية في العام 2017.
وفي حين قال التقرير إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والمشكل في العام 2014 بعد إعلان ما يسمى "الخلافة" لعصابات داعش، يقوم احيانا كثيرة بتسليم مركبات عسكرية الى البيشمركة، بما في ذلك مركبات "هامفي" والشاحنات والعربات المدرعة المقاومة للألغام، الا انه اعتبر ان تسليم قطع المدفعية هذه، يشكل مثالا نادرا على قيام التحالف بتأمين الاسلحة الثقيلة وتعزيز القوة النارية للبيشمركة بالإضافة الى الدعم في المجال اللوجستي.
وتابع التقرير، إنه حتى عندما كانت البيشمركة تواجه وحدها بصمود أمام داعش على الأرض في الشمال في الفترة بين عامي 2014 و2016، فان الحكومة العراقية كانت مصممة على ان تمر اي مركبات واسلحة مخصصة للبيشمركة من جانب قوات التحالف، عبر بغداد اولا.
وأضاف التقرير الأمريكي، إن قوات البيشمركة كثيرا ما اشتكت من تعرضها للتلاعب، وهو وضع يبدو أنه لم يتغير كثيرا الآن.
وبعدما ذكّر التقرير بتصريحات كردية مؤخرا بأن الحكومة الاتحادية تمنع تزود البيشمركة بطائرات مسيرة من قوات التحالف، قال إن طائرات كهذه غير مسلحة لكنها مزودة بكاميرات مراقبة عالية الدقة، من شأنها أن تحسن بدرجة كبيرة قدرات البيشمركة المحدودة في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
وأوضح التقرير، إنه بغض النظر عن بعض المروحيات الصغيرة التي تمتلكها البيشمركة، فان القوة الجوية لهذه القوات محدودة للغاية، ولا تمتلك طائرات مقاتلة من اي نوع، وتابع قائلا انه بإمكان طائرات المراقبة المسيرة ان تعوض جزئيا على الاقل عن هذا النقص في القوة الجوية.
وذكر التقرير انه عندما تعاون الكرد مع الولايات المتحدة للإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003، فإن واشنطن قالت لهم ان بإمكانهم ان يتوقعوا إمدادات كبيرة من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات "جافلين اف جي ام-148".
واضاف ان البيشمركة لم تتسلم أي صواريخ من هذا النوع، مشيرا الى ان الكرد اغتنموا الفرصة التي أتاحها الغزو، لكي يستولوا على العديد من دبابات "تي -52" العراقية وهو من طراز الحقبة السوفياتية.
واشار التقرير الى ان قوات البيشمركة ما تزال تشغل بعض هذه الدبابات الصدئة حتى الآن، حيث أنهم لم يتمكنوا من الحصول على المزيد من العربات المدرعة الحديثة.
وفي المقابل، قال التقرير الأمريكي، إن الجيش العراقي حصل على دبابات قتالية رئيسية امريكية من طراز "ابرامز ام 1 ايه 1" المتطورة، بالإضافة الى دبابات "تي-90" الروسية القتالية، الا ان بغداد لم تتقاسم أيا منها مع البيشمركة التي تعاني من نقص في التجهيزات العسكرية.
ويقول التقرير الامريكي ان اقليم كردستان يجد نفسه بمواجهة انواع جديدة من التهديدات التي تحتم القيام بتدابير مضادة أكثر تطورا، مذكرا في هذا الاطار بان المطار الرئيسي في الاقليم في اربيل والمدينة نفسها تعرضتا لهجمات متكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة.
واعتبر التقرير الامريكي انه بينما تمكنت القوات الامريكية من الدفاع عن نفسها بمواجهة الضربات بشكل مباشر في الاقليم، الا ان الكرد بحاجة الى قدرة دفاع جوي خاصة بهم بإمكانها اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة بشكل مستقل على الأقل، مذكرا بأن رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني كرر طرح هذا الطلب في مقابلة مع قناة "ان بي سي نيوز" الأمريكية في فبراير/شباط الماضي.
وبعدما لفت التقرير إلى أن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024 الذي اقره الكونغرس الامريكي، يتضمن بندا يتعلق بتجهيز الدفاعات الجوية للبيشمركة، إلا أن التقرير رأى أن بغداد قد تعمد الى منع أي مبادرة للقيام بذلك.
وختم التقرير الأمريكي بالقول إن تسليم مدافع "ام 119" يشكل "تطورا ايجابيا ومؤشرا آخر على الشراكة المستدامة بين الجيش الأمريكي والبيشمركة، إلا أنهم يحتاجون الى المزيد"، مضيفا انه "في ظل استمرار التهديد بعودة تنظيم داعش، ومواجهة المنطقة توترات متزايدة وخطر التصعيد وسط الحرب في غزة، فان الحليف الكردي القديم لأميركا، يحتاج الى امكانات دفاعية اضافية لحماية جيبه الضعيف من حريق إقليمي قد يكون مميتا".