نهاية غير مشرّفة لـ"أبو رغيف".. الإطاحة بعصابة تعذيب وابتزاز نشطت في حقبة الكاظمي
انفوبلس/..
فساد وابتزاز ومساومات، اعتقالات يرافقها عمليات تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان من أجل انتزاع اعترافات بالقوة، كلها أساليب مارستها لجنة الأمر الديواني (29) التي شكلها رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وترأسها مدير وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية سابقاً أحمد أبو رغيف، لكن قراراً صدر مؤخراً عن جهاز الأمن الوطني أطاح بالأخير وعصابته.
*توصيات
أصدر جهاز الأمن الوطني، توصيات بحق الوكيل السابق لشؤون الاستخبارات والتحقيقات في وزارة الداخلية، الفريق الأول (أحمد أبو رغيف) وآخرين بينها الإحالة إلى التقاعد.
ووفق كتاب (سرّي وعاجل) للجهاز حصلت (شبكة انفو بلس) على نسخة منه فإن التوصيات شملت:
1-المتابعة مع القضاء بخصوص الأوراق التحقيقية لثبوت تقصير الموقوفين والمكلّفين والهاربين وكل من ورد اسمه في التحقيق.
2-الموافقة على عدم تسلّم الضباط والموظفين وبينهم (الفريق أول أحمد أبو رغيف) أي منصب لغاية إحالتهم إلى التقاعد.
3-الإيعاز إلى وزارة الداخلية - مكتب الوزير، الأخذ بالإجراءات القانونية اللازمة بحق الضباط والمراتب وإحالتهم إلى التقاعد.
4-الإيعاز إلى جهاز المخابرات الوطني لأخذ الإجراءات الإدارية والقانونية بحق منتسبيه وإحالتهم لارتكابهم أفعالاً تشكل جريمة نشأت عن وظيفتهم وبصفتهم الرسمية وتعتبر أفعالاً خطيرة تجعل بقاءهم في الخدمة مُضرّاً بالمصلحة العامة.
5-إعفاء الموظف (ضياء مهدي صالح) من منصبه الحالي (مدير عام) في (مجلس الخدمة الاتحادي) المنسوب سابقاً إلى هيئة النزاهة الاتحادية، والإيعاز إلى مجلس الخدمة الاتحادي لأخذ الإجراءات الإدارية والقانونية بحقه وإحالته إلى التقاعد، لارتكابه أفعالاً تشكل جريمة نشأت عن وظيفته وارتكابها بصفة الرسمية، وتعتبر أفعالاً خطيرة تجعل بقاءه في الخدمة مُضرّاً بالمصلحة العامة.
وأضاف الجهاز، أنه "سيوعز إلى هيئة النزاهة بمتابعة أموال أبو رغيف والضباط الآخرين معه في حال وجود تضخم للأموال والأملاك الخاصة والإيعاز إلى وزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وفقا لأحكام المادة (36) من قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي".
*القائد العام يصادق
بدوره، صادق رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، على توصيات اللجنة التحقيقية المُشكّلة في 27 كانون الأول 2022، للنظر في الشكاوى المقدَّمة من المواطنين الذين تعرّضوا إلى انتهاكات حقوق الإنسان، ضد رئيس لجنة الأمر الديواني (29) المُلغاة، الفريق أحمد طه هاشم أبو رغيف وجميع أعضاء اللجنة والضباط والمنتسبين المرتبطين بها، وفق بيان رسمي.
وذكر بيان عن المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، ورد لشبكة انفوبلس، أنه "قد أوصت اللجنة التحقيقية بإحالة الملف والأوراق التحقيقية الكاملة إلى القضاء؛ لثبوت تقصير الموقوفين والمكفلّين والهاربين وكلّ مَن ورد اسمه في التحقيق القضائي، لينالَ الجزاء العادل وفق القانون، وإحالة الأفراد، الذين أسهموا بتلك الانتهاكات، إلى التقاعد".
وأوصت اللجنة أيضاً "بعدم تسلّم الضباط والمنتسبين المشاركين في تلك الانتهاكات أي منصب في الخدمة العامة مستقبلاً، ومتابعة هيئة النزاهة حالات تضخم الأموال للمتهمين المنسوبين إلى اللجنة (29) المُلغاة أو الأفراد المتعلقين بهم وكل من نُسبت إليه تلك الانتهاكات، كذلك أوصت اللجنة بتوجيه العقوبة الإدارية إلى العناصر والأفراد الذين امتنعوا عن إبلاغ مراجعهم بارتكاب منسوبي اللجنة آنفاً الإساءات والانتهاكات لحقوق الإنسان".
وفي ضوء هذه التوصيات ووفقاً للإجراءات القانونية الأصولية المتمثلة بمحضر لجنة تعليمات رقم (۱) لسنة ٢٠١٢ واستناداً لأحكام المادة (٣٦/ أولاً/ د) من قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي رقم (۱۸) لسنة ٢٠١١، صادق وزير الداخلية على لجنة التحقيق الإداري، المتضمنة إحالة الفريق أحمد أبو رغيف وثمانية ضباط ومنتسب واحد إلى التقاعد، وذلك لمخالفتهم أحكام القانون.
وأكد البيان، "لأبناء شعبنا العراقي الكريم أن اللجنة التحقيقية اتخذت جميع إجراءاتها تحت إشراف القضاء ومتابعته، والتزمت خلال التحقيق بالمسارات الدستورية القانونية، سواء مع المتهمين أو في تدوين إفادات المشتكين والشهود، بعيداً عن أي انتقام أو تعامل غير إنساني، وهذا تأكيد على انتهاج روح القانون ونصوصه، وتدعيم لمهنية الجهازين الحكومي والقضائي".
وقد استغرق العمل، بحسب البيان الحكومي، "شهوراً من الجهد، التزاماً أمام الشعب العراقي بإظهار الحقائق بأنصع صورة شفافة وقانونية، وبما يحفظ لأجهزتنا الأمنية سُمعتها وأداءها المهني وواجبها المقدّس في حماية المواطنين وأموالهم، وردّاً لأي إساءة تُلصق بها نتيجة ارتكاب بعض النفر الموهوم والضّال أفعالاً وانتهاكات مُشينة تجاه أي مواطن عراقي، وستستمر أجهزتنا الأمنية بملاحقة مَن هربَ منهم".
وأتمّ العوادي بيانه: "إن حرص حكومتنا على إنجاز هذا العمل وتقصّي الحقيقة يستهدف أولاً ضمان الالتزام بالمادة 37/ أولاً/ ج من الدستور العراقي، التي تحظر التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، وانتزاع الاعتراف بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، كما أننا بهذا الجهد نؤسّس لعدم الإفلات من العقاب، مهما كان منصب مرتكب الجريمة أو صلاحياته، وأن المعتدي سينال جزاءه العادل، طالما كان بيننا رجال يضعون الوطن والقانون نصب أعينهم".
*تعذيب واغتصاب
كشفت صحيفة الواشنطن بوست في تحقيق مطوّل نشرته نهاية عام 2022، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بالتحقيقات التي قامت بها اللجنة المعروفة باسم لجنة 29 والمعروفة محليا بـ"لجنة أبو رغيف".
الواشنطن ومن خلال تحقيق صحفي، أكدت أن لجنة أبو رغيف استخدمت "التعذيب والتحرش الجنسي للمعتقلين المتهمين من قبلها للحصول اعترافات مُعَدَّة مسبقاً بالإكراه". مبينة، أنه "على الرغم من كشف البرلمان العراقي عن الجرائم التي ارتُكِبت من قبل لجنة أبو رغيف وتناولها من قبل الإعلام بشكل مُشتَّت، إلا أن الجهات الدولية لم تفعل شيئاً".
تحقيق الواشنطن بوست أكد أيضاً، أن "الكاظمي حليف الولايات المتحدة الأمريكية والشخصية التي تعهدت بمكافحة الفساد، استخدمت لجنة أبو رغيف والنفوذ الواسع التي منحته إياه، لمطاردة الخصوم السياسيين وزجّهم في السجون وتعذيبهم تحت تُهم فساد".
المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع ضحايا اللجنة وعوائلهم، أكدت أن أبو رغيف استخدم "التعذيب من خلال الجلد، الصعق الكهربائي، التعليق من السقف، التحرش الجنسي من خلال نزع ملابس الضحايا وتصويرهم بالإضافة إلى ممارسة أفعال جنسية بحقهم بهدف ابتزازهم". معلنةً بأن الأمر لم يتوقف عند ذلك بل تعداه إلى مقتل أحد الضحايا خلال التحقيق معه والذي عرّفته على أنه قاسم محمود منصور، حيث كشفت تحقيقات الصحيفة عن تعرضه لضرب مبرح أدى إلى وفاته"، على حد تعبيرها.
*اعتقال أبو رغيف
وقبل نحو شهر، اعتُقِل الوكيل السابق لوكالة الاستخبارات أحمد "أبو رغيف" بتوجيه من وزير الداخلية عبد الأمير الشمري. وبحسب مصادر مطلعة، فإن المادة التي أُوقِف عليها أبو رغيف هي (331) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، موضحا أن هذه المادة تنص على: (يُعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة)".
*مخالفة الدستور
وفي آذار من العام المنصرم، قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، إلغاء اللجنة المختصة في قضايا الفساد والجرائم المهمة المعروفة باسم "لجنة أبو رغيف".
وقالت المحكمة في بيان، إنها أصدرت قراراً يقضي "بعدم صحة الأمر الديواني رقم 29 لسنة 2020 المتضمن تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة وإلغاءه اعتباراً من تاريخ صدور الحكم".
وأضاف البيان، إن قرار إلغاء اللجنة جاء نتيجة "مخالفتها أحكام الدستور الذي تضمن حماية حرية الإنسان وكرامته ولمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء".
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد أعلن في أغسطس 2020 تشكيل لجنة تحقيق عليا بملفات الفساد الكبرى والجرائم الجنائية برئاسة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق أول أحمد أبو رغيف.