وضع بغداد العسكري قبل الفتوى.. الانهيار كان وشيكاً و"داعش" يبعد أميالاً.. كيف تغيرت معادلة الحرب؟
انفوبلس/ تقارير
في عام 2014 وقبل إعلان فتوى الجهاد الكفائي، كانت عصابات داعش تتوسع في كل الجهات على الأرض، حيث بسطت سيطرتها بالكامل على الموصل واحتلت كل الانبار تقريبا، حتى وصلت إلى أطراف العاصمة بغداد وانتشرت في مناطق إبراهيم بن علي وجرف الصخر والمرادية، زحف كان مقلقا جدا وفاقم مخاوف سكان العاصمة من احتمالية اجتياح التنظيم لمناطقهم، حتى تغيرت المعادلة ببيان واحد رسّخ مفهوم الوحدة الوطنية وطهّر جميع البلاد من دنس العصابات وأزاح مخاوف أهالي العاصمة من احتلال مناطقهم. انفوبلس وفي تقرير مفصّل ستستعرض الوضع العسكري في العاصمة قبل إعلان الفتوى المباركة مع بيان أعداد داعش الإرهابي التي كانت على مشارفها.
*10 آلاف مقاتل على مشارف بغداد
في 12 أكتوبر من عام 2014، نقلت جريدة "صنداي تلغراف" البريطانية، عن مسؤول عراقي كبير قوله "إن عشرة آلاف مقاتل "داعشي" أصبحوا على أبواب بغداد استعداداً لاقتحام المدينة، مشيراً إلى أنهم على بعد ثمانية أميال فقط (13 كيلومتراً) عن العاصمة العراقية".
وكشفت الجريدة البريطانية، إن مسؤولين عراقيين بعثوا بنداءات استغاثة للولايات المتحدة حتى تبعث بقوات برّية للانتشار في محيط بغداد من أجل حمايتها من السقوط في أيدي "داعش". إلا أن "صنداي تلغراف" وصفت النداء الحكومي العراقي بأنه "يائس"، في إشارة إلى أن واشنطن لن تستجيب لذلك على الأغلب.
وجاء التحذير من سقوط العاصمة العراقية بغداد على لسان رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت، في الوقت الذي أصبحت فيه غالبية المناطق التابعة للأنبار تحت سيطرة تنظيم "داعش".
*الوضع العسكري في بغداد قبل إعلان الفتوى
في عام 2014، بدء الحديث عن إمكانية تعرّض بغداد لخطر الاجتياح من عصابات داعش وإسقاطها على غرار المناطق العراقية الـ11 التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي في شمالي البلاد وغربيها في الأنبار وصلاح الدين ونينوى والفلوجة، ليتمكن "التنظيم" من توسيع رقعته الجغرافية في البلاد، ليُصبح على مسافة 20 كيلومتراً فقط من بغداد.
دفع تقدُّم "داعش" أوساطا حكومية وسياسية وبرلمانية عراقية، إلى إطلاق تحذيرات من مغبّة سقوط العاصمة في يد "التنظيم"، وضرورة الدفع بآلاف المقاتلين إلى الأنبار لإشغاله، ومنع تحقيق هدفه، خصوصاً مع ظهور زعيم "داعش" مرتين، في أسبوع واحد، مردداً مرات عدة عبارتَي "معركتنا المقبلة في بغداد وكربلاء"، و"لقاؤنا في بغداد وكربلاء".
عسكرياً.. تظهر مواقع أو نقاط تواجد "داعش" حول بغداد بشكل واضح في الطارمية وأبو غريب، ويتواجد التنظيم في منطقة سبع البور، التي تبعد 18 كيلومتراً، شمال غرب بغداد. بالإضافة إلى منطقة الشط (25 كيلومتراً)، ومنطقة سيد عبدالله، التي تبعد 27 كيلومتراً عن مطار بغداد الدولي.
ويفرض التنظيم سيطرته بشكل مُحكم على تلك المناطق، وأتبعها إدارياً بشكل مؤقت لما تُعرف بـ"ولاية الفلوجة". كما يملك خلايا مسلحة في مناطق متقدّمة وصولاً إلى أول أحياء العاصمة السكنية. وتربك تلك الخلايا قوات الجيش بين الحين والآخر، بهجمات انتحارية على مواقعهم وثكناتهم، بشكل دفع تلك القوات إلى إعلان حظر التجوال اليومي.
لا يمكن التعويل على تلك القوة المسلّحة لـ"داعش" في التقدّم أكثر، وعلى ما يبدو فإن مهمة التنظيم الثابتة أو المرسومة مسبقاً، تكمن في الحفاظ على موطئ قدم حول العاصمة، كما أن مقاتلي التنظيم المتواجدين قرب بغداد لا يتجاوز عددهم الألف مقاتل في أفضل الأحوال، وهو رقم قليل جداً مقارنة بما يحتاجه دخول مدينة بحجم بغداد وتعقيداتها الجغرافية والديموغرافية. غير أن الآلاف من مقاتلي التنظيم، تحديداً غير العراقيين منهم، لم يتبقّ لديهم أي عمل أو مهمة، بعد إسقاطهم محافظة الأنبار، وتسليم شؤون المدن الجديدة إلى ما يُعرف بـ"ديواني الحسبة والأمن الداخلي" في التنظيم. بالتالي فقد بات أكثر من 7 آلاف مقاتل من "داعش" متفرّغين، ما دفع بمسؤولين عراقيين إلى إطلاق تحذيرات من هجوم وشيك على بغداد.
*ماذا كان سيحدث لو اقتحم "داعش" بغداد
وإذا استطاع التنظيم اجتياح بغداد آنذاك، فسيحتاج إلى استخدام ما لا يقلّ عن 20 ألف مقاتل، مع تنفيذ عشرات العمليات الانتحارية، التي لن تُسعفه سوى في دخول العاصمة، للانتقال بعدها إلى مرحلة "حرب الشوارع" وقضم مناطق العاصمة، وتحويلها إلى قطاعات. وهو الأمر الذي فعله في الرمادي، عاصمة الأنبار، التي أسقطها حيّاً تلو الآخر ومنطقة بعد الأخرى، بعد استنزاف خصومه، لينتهي الأمر بدخول القصر الرئاسي في المدينة، الذي يمثل مقرّ قيادة المحافظة. ويعني ذلك أن التنظيم قد يهاجم العاصمة تدريجياً، ضمن خطته التي استخدمها مسبقاً، والمعروفة باسم "بقعة زيت".
وفي ذلك الوقت، رأى مراقبون، أنه في حال اقتحم التنظيم بغداد، فقد ينجح في السيطرة على الأجزاء ذات الغالبية السُنية منها، كأحياء العامرية والغزالية والبكرية، وسيدفع بخلايا مسلّحة إلى باقي الأحياء القريبة من جهة الكرخ، لكنه لن يتمكن من العبور إلى الجانب الثاني، نحو منطقة الرصافة، بسبب التواجد الديموغرافي الشيعي فيها، حيث كانوا يرون أن اقتحام أجزاء من بغداد وارد جداً، وتحديداً من الأحياء الغربية، من جانب الكرخ، كالعامرية والغزالية والمنطقة الخضراء والجامعة والمنصور والجهاد والسيدية.
*خارطة انتشار فصائل المقاومة قبيل الفتوى
لم تكن فصائل المقاومة الإسلامية بمعزل عن الأحداث قبيل فتوى الجهاد، فقد انتشرت في جميع مناطق حزام بغداد لغرض تأمينها بعد اشتداد المعارك في المحافظات مع عصابات داعش، فدخلت كتائب حزب الله بكامل عدّتها قاطع الرضوانية والذي يشمل مناطق الهياكل والرفوش والزيدان ودويليبة، وكان ذلك في الشهر الثاني من عام 2014.
ثم وفي الشهر الرابع من العام ذاته، دخلت كتائب حزب الله إلى جرف الصخر وسطّرت أروع ملاحم البطولة والفداء حتى تعاظم دورها إبّان إعلان الفتوى وتشكيل الحشد الشعبي لتعلن النصر الكامل على الجرف بتاريخ 24 / 10/ 2014.
أما منطقة إبراهيم بن علي فقد دخلتها عصائب أهل الحق في الشهر الرابع من عام 2014، ونجحت في تنفيذ العديد من العمليات البطولية وتحجيم دور العصابات الإرهابية التي كان دورها يتزايد مع مرور الوقت.
أما حركة النجباء ومنظمة بدر، فقد انتشرا آنذاك في منطقة النباعي والكسارات، وكان ذلك في الشهر الرابع أيضا من العام 2014.
قوات بدر دخلت أيضا الصقلاوية في العام نفسه وبعض من مناطق الكَرمة وسطّرت فيها ملاحم وبطولات تُرجِمت بهزيمة ساحقة للعصابات الإرهابية في ذلك الوقت.
أما قاعدة سبايكر فقد كانت قوات جند الإمام هي المنتشرة فيها بيوم محاصرة طلابها وارتكاب المجزرة الدموية بحق أكثر من 2000 طالب.
*فتوى الجهاد ونقطة التحول
لم يخطر ببال تلك العصابات، ولم يكن في حساباتها، أن يستنهض جبل العراق، همّة العراقيين، ويقودهم بفتوى عظيمة نحو الانتصار الناجز، فالجميع ظن أن كل شيء انتهى، وأفضل التقديرات العسكرية لمراكز عالمية توقعت بقاء داعش لعقود من الزمن، وبعضها عدّ عملية محاربة هذه العصابات بالمستحيلة في ظل سيطرتها على مناطق شاسعة يوجد فيها الملايين من المدنيين، إلا أن جميع تلك التقديرات سقطت أمام صوت المرجعية العليا، وهي تخاطب أبناء الوطن وتحرّك فيهم روح الشجاعة المعهودة، لتضع بفتواها العظيمة بوصلة توجه الجماهير لحمل السلاح ومساندة الأجهزة الأمنية من أجل خوض معركة المصير، ولتبدأ معها عمليات التحرير التي انتهت بشكل كامل بعد ثلاث سنوات على سقوط المدن العراقية، فتوى أعادت المسار وأسّست لمنظومة أمنية رصينة مثلما أسّست لتعزيز اللُّحمة الوطنية وأكدت ثبات الحرص الوطني لدى جميع العراقيين وهم يتشاركون كسرة خبز خلف ساتر واحد.
*الفتوى ومعادلة الحرب
نائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول الركن عبد الأمير الشمري (وزير الداخلية الحالي)، تحدث عن معادلة الحرب آنذاك وكيف كانت القطعات العسكرية في حالة دفاع ثم تحولت إلى حالة هجوم بعد صدور فتوى الجهاد الكفائي.
الشمري، قال: إن "فتوى الجهاد الكفائي نقلت الحالة المعنوية لكل قطعات الجيش العراقي والقوات الأمنية نقلة إيجابية ودفعتهم في عملية نفسية مؤثرة ومهمة ورفعت المعنويات".
وأضاف، إن "مئات الآلاف من المتطوعين انخرطوا في صفوف القوات المسلحة في الأيام الأولى تلبيةً لنداء المرجعية العليا"، مردفاً بالقول: "كنا في غرفة عمليات بغداد آنذاك وكان يومياً لا يقل عن 5 آلاف متطوع يتم استقبالهم فقط في مدرسة قتال قيادة عمليات بغداد".
*أثر الفتوى على ميدان الحرب
أما الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، فيقول إن "البلد كان منهاراً وعصابات داعش الإرهابية وصلت إلى حدود العاصمة بغداد وكانت تهدد أمنها، إضافة إلى أن القيادة العسكرية العراقية كانت لا تمتلك القوات الاحتياطية، وبالتالي تم اللجوء إلى إيقاف الخرق واحتواء الصدمة وبدأت القوات المسلحة بالدفاع عن مدينة بغداد".
وتابع اللواء رسول: "بعد صدور فتوى الجهاد الكفائي للسيد على الحسيني السيستاني، كانت ردة الفعل قوية جداً وإيجابية فضلاً عن رفع معنويات المقاتلين لاسيما بعد مشاهدة كل أبناء الشعب العراقي من كل القوميات والديانات والمذاهب وهم يلبّون هذا النداء بحملهم السلاح والقتال مع القوات المسلحة، وبعد ذلك انبثق الحشد الشعبي الذي أصبح من ضمن المنظومة العسكرية العراقية بعد أن تم التصويت على ذلك مجلس النواب".
وأكمل حديثه: "قاتلنا وأعطينا الدماء واستطعنا تحرير الأراضي العراقية بوقت قياسي بعد أن كانت 40% من مساحة العراق التي تضم ثلاث محافظات ومدن كبيرة مغتصبة من قبل داعش، لكن فتوى الجهاد الكفائي أسهمت بشكل كبير برفع الروح المعنوية وإحداث تغيير كبير في موضوع القتال والدفاع عن العراق".
الخبير الأمني والسياسي، العميد عدنان الكناني، قال إن "العراق شهد عام 2014، سقوط ثلاث محافظات في وقت كانت معنويات الجيش العراقي منهارة تماماً، ما مكَّن عصابات داعش الإرهابية من اقتحام مدينة الموصل بثلاثة آلاف مقاتل في وقت كان تسليحها بسيطاً إذ لا تمتلك سوى البندقية والقناص وبعض الأسلحة الخفيفة والمتوسطة".
وتابع، إن "فتوى المرجعية استجاب لها بحدود 3 ملايين عراقي من طفل عمره 14 سنة إلى شيبة عمرها 60 سنة، وبالتالي أعادت هذه الفتوى نشاط القوات المسلحة العراقية وامتزجت الدماء بين المقاتلين وتحقق النصر بفضل القيادة الدينية العقائدية ودور الأبطال العسكريين وما تحقق من أُلفة بين المكونات العراقية".