ارتفاع في سعر السمك.. غلق البحيرات غير المجازة أحد الأسباب فماذا عن الأخرى؟
انفوبلس/..
لم يعد إقبال الزبائن على أسواق الأسماك مثلما كان في السابق، فغلاء الأسعار حدَّ من وصول المواطنين إليها، وذلك بعد أن وصلت إلى الضعف تقريباً، وهو ما منح ميزان البيع إجازة مفتوحة؛ نتيجة أسباب متراكمة ليست أولها غلق البحيرات غير المجازة ولا آخرها غلاء الأعلاف وشح المياه المتكرر.
فرضَ قرار صادر عن وزارة الموارد المائية، إزالة جميع أحواض تربية الأسماك المنشأة على الأنهار في مدن وسط وجنوب العراق، حيث ترى الوزارة في تلك الأحواض ضرراً للثروة المائية بالبلاد في وقت تعاني فيه من أزمة مائية شبه حادة.
وتأتي إجراءات وزارة الموارد المائية على خلفية انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، وعدم وصول الكميات المطلوبة من المياه لمدن وسط وجنوب البلاد بسبب تغذيتها لأحواض الأسماك.
*الشواكة تعاني
واختفت عربات بيع الأسماك في منطقة الشوّاكة وسط بغداد، مع اقتصار البيع والشواء على المحال الدائمة للسمّاكين في السوق الأشهر لبيع السمك في بغداد مع ارتفاع درجات الحرارة وشح السمك الواصل إلى الأسواق في بغداد.
ويقول عدد من باعة الأسماك في السوق إن ارتفاع درجات الحرارة في عموم مناطق البلاد انعكس على كمية الأسماك التي تصل إلى السوق مع عزوف بعض باعة المفرد عن شراء الأسماك لارتفاع أسعارها من المصدر.
وقال عدي العزاوي، وهو بائع سمك في الشوّاكة: إن "هناك ارتفاعاً طفيفاً في أسعار أغلب أنواع الأسماك لأسباب عديدة تتمثل بارتفاع درجات الحرارة وتراجع كميات مياه الأنهار والبحيرات السمكية وشح الأسماك بصورة عامة في الفاو والبصرة والعمارة وصعوبة نقلها في هذا الجو الحار".
وأضاف: "من يشتري كميات كبيرة يستطيع تحمّل تكاليف النقل وارتفاع أسعار السمك لكن التجّار الصغار لا يستطيعون شراء كميات كبيرة بأسعار مرتفعة وبالتالي لا يوجد أحد منهم اليوم في السوق".
*الناصرية نحو الفيتنامي
وفي الناصرية يُقبل الأهالي على السمك البحري الفيتنامي المجمّد، كحل مناسب مع ارتفاع أسعار الزبيدي الطازج القادم من مرسى النقعة في البصرة أو "البنّي" و"الكطّان" من الأنهار والأهوار. إذ يبلغ سعر الكيلو 3500 دينار، أما الزبيدي الطازج فيصل إلى 18000 دينار وأكثر.
*كربلاء على خط المعاناة
توقعت مديرية الزراعة في كربلاء، تراجع الثروة السمكية وارتفاع أسعارها في الأسواق، بعد تنفيذ قرار ردم البحيرات وتقليل الحصة المائية للمحافظة.
وتعتمد كربلاء على مياه نهر الفرات والجداول المتفرعة منه لسد حاجتها في الشرب والزراعة، لكن موجة الجفاف الأخيرة تسببت بانخفاض المياه في جدول الحسينية وبني حسن، إذ وصلت نسبة الإطلاقات في كل جدول إلى نحو 7 أمتار مكعبة في الثانية بعد أن كانت 20 في العام الماضي.
ويقول مدير زراعة كربلاء، محمد الطيار، إن وزارة الموارد المائية شرعت مؤخراً بردم كل بحيرات الأسماك ورفع الأقفاص من الأنهر، لافتاً إلى أن الحملة هدفها تسهيل انسيابية المياه وايصال الحصص إلى أبعد نقطة، إلا أن هذا قد أثّر بشكل سلبي على إنتاج الأسماك، معتبراً هذا الإجراء قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسماك في ظل انخفاض تكثيرها، مردفاً: لا يمكننا حتى الآن تحديد المستوى المتوقع لانخفاض الثروة السمكية، إذ يعود ذلك لبرنامج وزارة الموارد المائية، ونسب المياه الواردة.
*في البصرة.. وفرة بشكل مختلف
في مرسى النقعه أقصى جنوب البصرة، شهد وفرة في السمك بأنواعه كافة ولكن بشكل مختلف عن السنوات السابقة في وقت المزاد. إذ يقول رئيس جمعية الصيادين بدران التميمي، "كنا في العام الماضي نصدّر السمك إلى جميع محافظات العراق بكميات تتراوح ما بين 3 إلى 5 أطنان في اليوم الواحد، في حين الآن نصدّر بحدود 1.5 طن يومياً. كانت فترة المزاد من الساعة 3 فجرا إلى الساعة الـ11 ظهراً، ومن الساعة الثالثة عصراً إلى وقت الغروب. أما المزاد اليوم مدته فقط ساعتان ويعود هذا السبب إلى مضايقة دول الجوار على الصياد العراقي الذي مصدر قوته هو البحر"، مضيفاً: "ناشدنا الحكومة المحلية والمركزية إلى وضع حل لما يتعرّض له الصياد العراقي من تضييق في المياه الإقليمية".
وتمارس الكويت تضييقاً ممنهجاً على الصيادين العراقيين، وصل في الأحيان إلى الاستهداف المباشر وبالرصاص الحي ما أوقع ضحايا عدة.
*أسعار السمك
حتى يوم الجمعة الماضي، كانت أسعار السمك في السوق العراقية وفق الآتي:
صبور وسط (الزوج) 15 ألف د. ع
صبور كوتره 25 قطعة 10 آلاف د. ع
الزبيدي الوسط (الكيلو) 14 ألف د. ع
الزبيدي الخشن (الكيلو) 25 ألف د. ع
الزبيدي الگراشي (الكيلو) 10 آلاف د. ع
الروبيان المزلبگ (الكيلو) 10 آلاف د. ع
الروبيان الشحيمي (الكيلو) 3500 د. ع
الروبيان المنظف (الكيلو) 8 آلاف د. ع
المزلگ الكيلو 9 آلاف د. ع
الحاسون الكيلو 7 آلاف د. ع
البياح الميد الكيلو 8 آلاف د. ع
البرطام (الكيلو) 7500 آلاف د. ع
الوحر (الكيلو) 5 آلاف د. ع
الضلعه (الكيلو) 3 آلاف د. ع
*أسباب
وبالإضافة إلى الأسباب التي ذُكرت آنفاً في هذا التقرير وأسهمت سواء بشكل مباشر أو غير مباشر برفع أسعار الأسماك في العراق، يبقى السبب الأبرز هو قرار ردم البحيرات غير المجازة.
وفي أيار الماضي، وافق مجلس الوزراء، خلال جلسته الاعتيادية التي عُقدت في اليوم الثاني من الشهر المذكور، على ردم البحيرات غير المجازة بالتنسيق بين وزارتي الزراعة والموارد المائية، من أجل مواجهة الشحة المائية في العراق.
وذكر بيان لرئاسة الوزراء،: "لمواجهة الشحة المائية في العراق وتأثيراتها في الزراعة، والشروع بإدارة أمثل للمياه، فقد وافق مجلس الوزراء على التنسيق بين وزارتي الزراعة والموارد المائية، من أجل ردم البحيرات غير المجازة".
*الموارد تستجيب
وفي منتصف يونيو/ حزيران، حصرت وزارة الموارد المائية تربية الأسماك في العراق، بالأقفاص العائمة ضمن مجاري الأنهر وبموافقات مسبقة من وزارة الزراعة، فيما أمهلت أصحاب البحيرات الموجودة حالياً، أسبوعين لتسويق الأسماك، قبل البدء بتجفيف بحيراتهم وإزالتها نهائياً.
وقال وزير الموارد عون ذياب، للصحيفة الرسمية، إن "حملة إزالة التجاوزات على مجاري الأنهر والقنوات إضافة إلى بحيرات الأسماك، مستمرة ولم تتوقف منذ انطلاقها، إذ تتسبب تلك التجاوزات في هدر الحصص المائية الشحيحة أصلاً وعدم وصولها إلى مستحقيها في ذنائب الأنهر، لاسيما أن الواردات الحالية ضمن دجلة والفرات، قليلة ولا تكفي للاستهلاك الموجود على أحواضها".
وأوضح بشأن القرار الحكومي الخاص بردم بحيرات الأسماك نهائياً، أن "القرار مطلوب وضروري في ظل النقص الحاد بالحصص المائية في البلاد، لكونها تستهلك كميات كبيرة من المياه، كما أن درجة التبخر فيها عالية جداً خلال موسم الصيف مع امتلاكها سطحاً واسعاً، مقدراً كميات المياه المفقودة جراء التبخر منها، بثلاثة مليارات متر مكعب"، لكن مع ذلك وصف الوزير "الترويج بأن القرار سيرفع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية، بأنه غير صحيح إطلاقاً".
وبين في السياق ذاته، أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، منح مدة أسبوعين فقط لأصحاب بحيرات الأسماك في محافظات البلاد كافة، لغرض حصاد الأسماك وتسويقها قبل البدء بتجفيف بحيراتهم وردمها نهائياً وعدم السماح بإعادتها مستقبلاً"، كاشفاً عن "حصر تربيتها بالأقفاص العائمة ضمن مجاري الأنهر وبموافقات مسبقة من وزارة الزراعة".
*تبعات
وبحسب رئيس الجمعية العراقية لمربّي الأسماك، إياد الطالبي، فارتفاع أسعار السمك نتيجة للقرار أعلاه، متوقعاً وصول سعر الكيلوغرام الواحد من السمك الى 15 ألف دينار.
وقال الطالبي: "نتيجة لقرار صادر عن وزارة الموارد المائية بهدم أحواض تربية الاسماك المقامة على الانهار، ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من السمك الى 10 آلاف دينار، ونتوقع ارتفاع السعر الى 15 ألفاً مع حلول الموعد النهائي لهدم تلك الأحواض".
وأضاف، إن "نحو مليوني شخص يعتمدون على تربية الأسماك في تأمين قوتهم، بالتالي فإن القرار سيؤثر عليهم"، مضيفاً أنه "في السنوات السابقة كانت تصل كميات الإنتاج لنحو مليون طن سمك سنوياً، لكن نتيجة لإجراءات وزارة الموارد المائية انخفض الانتاج الآن الى 400 ألف طن".
*إحصاء
عام 2021، أجرى الجهاز المركزي للإحصاء، بحثاً عن عدد مزارع تربية الأسماك، شملت جميع المحافظات، باستثناء مناطق الإسكندرية، وجرف الصخر، في بابل، والمدائن في العاصمة بغداد، ولوحظ وجود 5259، مزرعة؛ منها 3794 حوضاً طينياً، و3212 قفصاً عائماً.
وخلال العام الماضي، بلغ إنتاج العراق من الأسماك زُهاء 800 ألف طن، منها 100 ألف طن من المزارع المجازة، و700 ألف طن من المزارع غير المجازة، وفق إحصاءات رسمية.
*الروزنامة.. هل يكمن فيها الحل؟
في تموز الماضي، أعلنت وزارة الزراعة، عن إجراءات لخفض أسعار الأسماك.
وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي،: إن "شحَّ المياه أدَّى إلى تقليص مساحة بحيرات تربية الأسماك، فضلاً عن قيام وزارة الموارد المائية بإزالة البحيرات غير المجازة، إضافة إلى توجيه أصحاب البحيرات المجازة بردم بحيراتهم للحفاظ على المياه".
وأوضح، أن "العراق يمرُّ اليوم بأزمة مياه، لذلك فأن إجراءات تقليص البحيرات المربية للأسماك، أدَّى إلى ارتفاع أسعار الأسماك في السوق".
وأشار إلى، أن "برنامج (الروزنامة) الزراعية سيتعامل مع ارتفاع أسعار الأسماك"، مبيناً "عند ارتفاع الأسعار عند مبالغ معينة، ستضطر وزارة الزراعة إلى فتح باب الاستيراد".