البرلمان يضع شركة مدار دجلة تحت الميكروسكوب.. تُهيمن على دوائر المرور فتضاعف الجباية وتعطّل العمل وتخلق بيئة خصبة للفساد
انفوبلس..
تُعد مراجعة المواطن العراقي لدوائر المرور من أشد لحظات حياته تعاسةً وإزعاجاً، حيث تتميز العديد من تلك الدوائر بالطوابير الطويلة والبيئة الخصبة للواسطة والرشوة والمحسوبية والأنظمة المتلكئة والتأخير لساعات طويلة والتأجيل مرات متعددة، فتفاقم الأمر حتى أصبح أزمة عامة في كل العراق وفي الآونة الأخيرة ظهرت بعض خيوط المشكلة الرئيسية التي تجعل تلك الدوائر بهذه الصورة وهي شركة مدار دجلة.
الشركة المهيمنة
عضو لجنة النزاهة النيابية، عالية نصيف كشفت، أمس الاربعاء، أن شركات جباية المرور فرضت غرامات على المواطنين تفوق ما نصَّ عليه الدستور.
وذكرت نصيف أن لجنة النزاهة برئاسة رئيس مجلس النواب ناقشت موضوع الجباية التي تُفرض من الشركات التي تتعاقد مع وزارة الداخلية، ومن ضمنها مدار دجلة في موضوع الجباية المرورية.
وأضافت، أن بعض العقود التي تُبرم تفرض فيها ضرائب على المواطن خارج السياقات القانونية، حيث أكد الدستور في المادة ٢٨ فقرة ثانيا بأنه لا يجوز فرض أي ضريبة إلا بقانون، وبالتالي نرى وضع جباية في هذه التعاقدات تفوق ما نص عليه القانون.
وأشارت نصيف إلى، أن هذه مدعاة للتحقيق فيها ولجنة النزاهة شكلت لجنة بهذا الموضوع، إضافة الى اللجنة التحقيقية التي تم تشكيلها من مجلس النواب.
وشركة مدار دجلة هي الشركة المهيمنة والمحتكرة للمرور في العراق لمدة 10 سنوات لغاية الآن وتمتلك 10 سنوات أخرى في عقدها مع وزارة الداخلية، حيث تتولى إدارة ملف العقود الالكترونية وبطاقات القيادة وتسجيل مركبات المرور.
تم التعاقد مع الشركة عام 2013 لمدة عامين وبجباية بلغت 7.500 دينار آنذاك، وفي عام 2014 تم إصدار ملحق للعقد رفع أجور الجباية إلى 9.500 دينار، وتم إصدار ملحق آخر عام 2015 رفع أجور الجباية إلى 12.500 دينار.
كما تم تمديد عقود الشركة لـ3 أعوام متوالية ابتداءً من عام 2016، وفي عام 2019 تم تمديد العقد لمدة 10 سنوات ورُفعت أجور الجباية إلى 30 ألف دينار، وتم تجديد عقد الشركة مرة أخرى بعدها بعام واحد، وبلغت مرات تجديد العقد 11 مرة.
ويرى خبراء بأن الشركة غير مختصة في مجال المرور واتَّسمت سنوات إدارتها بالفشل والإخفاق، فبلغ مجمل ما تم إنفاقه على تطوير قطاع المرور وخدماته نحو 450 مليون دولار ولكن دون جدوى.
الخبراء أكدوا أن أرباح الشركة تجاوزت الـ7 مليارات دينار خلال فترة هيمنتها على المرور، وأن العديد من مرات تجديد عقود الشركة تمت بطرق غير قانونية خصوصاً في مسألة مضاعفة الأجور عبر إصدار ملحق للعقد الأصلي.
وبينوا أن مدار دجلة استولت على نظام الشركة الألمانية التي كانت تصدّر لوحات المرور، وأنها تقوم بإدخال مهندسين أجانب (أون لاين) إلى قواعد البيانات التي تحتوي على معلومات ملايين العراقيين.
شكاوى المواطنين
إلى ذلك، اشتكى العديد من المواطنين، من التعقيدات في إجراءات مديرية المرور العامة، فيما أكدوا أن فساد شركة مدار دجلة هو السبب الرئيسي في معاناتهم بدوائر المرور.
وقال مصدر مطلع على دوائر المرور إن المواطنين يتهمون شركة مدار دجلة بالفساد والتسبب بمعاناة كبيرة في دائرة المرور، مبيناً أن شكاوى كثيرة من المواطنين وامتعاض كبير من إجراءات مديريات المرور بدأت تتفاقم في الآونة الأخيرة.
وأضاف، إن مشكلات عديدة في نظام المرور تضطر المواطن إلى الانتظار أياما طويلة، حيث إن المشكلة الحقيقية في أخطاء النظام تتعلق بشركة مدار دجلة، مشيراً إلى أن نظام المرور يتسبب بمعاناة كبيرة للمواطنين بسبب هذه الشركة المشغلة وفشلها، بالإضافة إلى وجود إفشال متعمد في اختبارات القيادة الأمر الذي أصبح بوابة للفساد ودفع الرشوة.
كما اشتكى المواطنون من رشاوى ووساطات تُهيمن على إجراءات العقود المرورية في موقع الرستمية، مبينين أن شركة مدار دجلة قامت بفرض مبالغ مالية إضافية في معاملات المرور.
توجيهات الداخلية
وتستمر تلك التعقيدات رغم توجيه وزير الداخلية لدوائر المرور بتجاوز حلقات الروتين وتبسيط الإجراءات، مشيراً إلى أن مقدار تطور الدول يُقاس بما يتم إنجازه من تقدُّم في عملهم ودوائرهم وليس بالعمل الروتيني اليومي.
وشدد، على توفير الأجواء المناسبة لجميع المراجعين لدوائر المرور، مؤكداً على محاربة الفساد الإداري، والابتعاد عن كل ما يُسيء إلى عمل المؤسسة الأمنية.
النزاهة تراقب
وفي مطلع شهر آب الماضي، ذكرت دائرة الوقاية في هيئة النزاهة، في بيان حول نتائج متابعة تقرير تقصي أداء دوائر المرور في بغداد، أن "وكالة وزارة الداخليَّة لشؤون الشرطة أوعزت إلى مديريَّة المرور العامَّة بالتنسيق مع لجنة مديريَّة المتابعة واللجان في الوكالة بخصوص مقترح تأليف لجنةٍ من ضبَّاط الحسابات والتدقيق والقانونيَّة في مواقع المرور، لتدقيق وصولات المحاسبة والغرامات والصكوك"، مُنوِّهة بأنَّ "الوصولات تُصادَقُ يومياً من قبل مدير الموقع وتُرسَلُ إلى مقر المديريَّة، لتصويرها وأرشفتها بحاسبةٍ خاصَّةٍ للتدقيق والمتابعة اليوميَّة".
وأضافت الدائرة، أنه "تمَّ نقل جميع المُتَّهمين الموقوفين خارج مواقع التسجيل بعد كشف تلاعبٍ واختلاس حوالي (70,000,000) دينارٍ في وصولات المُحاسبة الخاصَّة بالجباية من قبل أمين صندوق الحسابات.
فضلاً عن إحالتهم على محكمة قوى الأمن الداخلي - المنطقة الثالثة، استناداً لأحكام المادة (316) من قانون العقوبات وبدلالة المواد (289 -298) منه، وإيداعهم التوقيف لحين إصدار الحكم".
وأوضحت، أنه "تمَّ إصدار أوامر إداريَّةٍ وبشكلٍ دوريٍّ لأمناء الصندوق"، لافتةً إلى "تحويل أغلبهم من الملاك العسكري إلى الملاك المدنيِّ، بعد أن أشار تقرير الهيئة الصادر في 26-9-2021 إلى مطالبتها بوضع شروطٍ وضوابط مُناسبةٍ لاختيار أمناء الصندوق في المواقع المُروريَّة ممَّن يتَّصفون بالنزاهة وحسن السيرة والسلوك، ويكونون مُكفَّلين مالياً ويجري تقييمهم بشكلٍ دوريٍّ".
وأكَّدت الدائرة، أن "مُديريَّة المرور العامَّة تدرس إمكانيَّة إضافة أرقام الصكوك ضمن محطة الإدخال وتدقيقها ضمن محطة الدفع و (البيمنت)، مُبيّنةً أنها "تقوم حالياً بإدراج رقم "شاصي" المركبة الحديثة المُسجَّلة على ظهر الصك وأرشفته مع المُعاملة، على أن يكون إدخال البيانات من قبل ضابطٍ مُختصٍّ حصراً".
وفي أواخر عام 2021، كشفت هيئة النزاهة الاتحادية، عن نتائج تحليل الاستبانة التي تجريها؛ لقياس مدركات الرشوة في دوائر مديرية المرور العامة، مفصحة عن الدوائر الأكثر تعاطيا للرشوة بحسب آراء مراجعيها الذين شملتهم الاستبانة.
وأظهرت نتائج الاستبانة التي أجراها الفريق المركزي للهيئة، والفرق الساندة له والفرق المؤلفة في مديريات ومكاتب التحقيق في بغداد والمحافظات، يوم (13 تشرين الثاني 2021) أن مستوى تعاطي الرشوة (إدراك) "الذين صرحوا بوجود تعاطي للرشوة" في عموم العراق بلغ (12%)، فيما بلغ مستوى دفع الرشوة (قياس) "الذين صرحوا بقيامهم بدفع الرشوة" بلغ (3,40%).
وأفادت أن دائرة مرور التاجيات سجلت أعلى نسبة تعاطي الرشوة (إدراك) في دوائر مرور بغداد وبلغت (14,21%) تلتها الحسينية بنسبة (12,84%) ثم الغزالية (12,55%)، أما أقل نسبة فقد سجلت في دائرة مرور الطوبجي، وبلغت (9,33%)، أما أعلى نسبة في دفع الرشوة (قياس) فتم تسجيلها في دائرة مرور الحسينية، وبلغت (5,94%)، تليها الغزالية والطوبجي بنسبة (4,98%) و(4,89%) على التوالي.
وأضافت إن نتائج تحليل الاستبانة سجلت أعلى نسبة تعاطي الرشوة (إدراك) في المحافظات في دائرة مرور نينوى وبنسبة كبيرة وصلت إلى (39,75%) تليها دائرة مرور الأنبار بنسبة (25,40%) ثم البصرة – المقر (20,40%)، في حين إن النسب الأقل في محافظة واسط وبلغت (1,40%) ثم كل من النجف وكربلاء – المقر و(1,90%) و(3,20%) على التوالي.
وبينت أن دائرة مرور الأنبار سجلت أعلى نسبة في دفع الرشوة (قياس) وبلغت (11,30%) تلتها دائرة مرور البصرة (4,60%) ثم صلاح الدين (4%)، أما أقل النسب فسجلت في دائرتي مرور النجف وذي قار بنسبة (0,5%) وكربلاء (1%).
وخلصت نتائج تحليل الاستبانة، التي أرسلت نسخة منها للأمانة العامة لمجلس الوزراء، إلى أن إدارة المرور العامة اتخذت في الآونة الأخيرة جملة من الإجراءات أسهمت بشكل واضح في التقليل من مدة إنجاز المعاملات وتقليص الازدحامات التي نشأت نتيجة توقف الدوام لفترات مختلفة؛ بسبب تفشي جائحة كورونا، رغم استمرار بعض الحالات التي شخصتها الاستبانة من قبيل تعاطي الرشى وانتشار المعقبين والوسطاء في مختلف المواقع وبنسب مختلفة؛ الأمر الذي يتطلب وضع حلول جذرية وسريعة لمشكلة ضعف الإنترنيت وتوقفه أحيانا؛ وصولا إلى مرحلة الاعتماد الكلي على المكننة الحديثة لجميع مراحل إنجاز المعاملة وبذل جهود مضاعفة؛ بغية تحسين رؤية المراجع وتصوراته السلبية عن مستوى الخدمات والأداء المقدم من قبل دوائر المرور، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات حازمة من خلال تأليف فرق من وزارة الداخلية تتولى مهمة إبعاد المعقبين وتوعية المراجعين بإمكانية استكمال معاملاتهم بدون وسيط.
وكانت الهيئة قد أفصحت في الثامن من تشرين الثاني من ذلك العام عن نتائج استبانتها؛ لقياس مدركات الرشوة في دوائر المرور في بغداد والمحافظات، مشخصة أن مراجعي دوائر المرور عدوا الروتين السبب الرئيس في تأخير معاملاتهم، فيما اقترحت إمكانية الاستعاضة عن العقد المروري بعقد عادي؛ لتوثيق عملية بيع وشراء المركبات.