انفوبلس تتقصى عن المعسكر التركي الجديد على قمة جبل كيستة شمالي العراق.. الأهالي "غاضبون" ومتخوفون
داخل العمق العراقي بنحو 10 كيلومترات
انفوبلس تتقصى عن المعسكر التركي الجديد على قمة جبل كيستة شمالي العراق.. الأهالي "غاضبون" ومتخوفون
انفوبلس/ تقرير
يواصل جيش الاحتلال التركي منذ أيام، العمل لإنشاء معسكر جديد له على قمة جبل كيستة، الواقع داخل العمق العراقي بنحو 10 كيلومترات عن الحدود العراقية التركية، وسط مخاوف من عملية نزوح جديدة لعدد من سكان القرى القريبة التي عبّرت عن غضبها بشكل "واضح" من ذلك.
وعلى الرغم من حديث تركيا عن أن غايتها ملاحقة حزب العمال الكردستاني، فإن خبراء وسياسيين يرون أن الغاية الأساسية تبتعد عن ذلك، وتمثل محاولة لإنشاء وجود دائم لأنقرة في العراق.
*تفاصيل المعسكر
كشف مسؤول عراقي كردي وشهود عيان في محافظة دهوك الحدودية مع تركيا، ضمن إقليم كردستان شمالي العراق، أن جيش الاحتلال التركي بدأ منذ أيام بإنشاء معسكر جديد له على قمة جبل كيستة، الواقع داخل العمق العراقي بنحو 10 كيلومترات عن الحدود العراقية التركية، بعد نجاح عملية عسكرية له الشهر الماضي في طرد مسلحي حزب العمال الكردستاني من الجبل والقرى المجاورة له.
ومنذ منتصف عام 2021، تستهدف العمليات العسكرية التركية البرية والجوية مناطق شمالي العراق بحجة محاربة مسلحي حزب العمال الكردستاني في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان، وتقع غالبيتها بمحاذاة الحدود مع تركيا، حيث تدعي تركيا أن الحزب يتخذ منها منطلقاً لشن اعتداءات مسلحة في الداخل التركي.
وبحسب الادعاءات التركية، فإن عمليات القوات التركية خلال الفترة الماضية أدت إلى مقتل المئات من مسلحي حزب العمال، وتدمير مقرات ومخازن سلاح ضخمة تابعة للحزب، كما أسهمت في انحسار واضح للمساحة التي كان الحزب ينتشر فيها على الحدود بين البلدين.
يوضح مسؤول عراقي كردي في محافظة دهوك، أن الجيش التركي بدأ بتشييد معسكر له على قمة جبل كيستة، التابع لقضاء العمادية شرقي محافظة دهوك، بعد معارك وسلسلة عمليات قصف بدأها في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وانتهت بالسيطرة على الجبل وسفحه. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الخطوة التركية بإنشاء معسكر جديد داخل الأراضي العراقي، يُفهم منها أنها ضمن خطة تركيّة في إنشاء المنطقة الآمنة أو العازلة لمنع تسلّل مسلّحي حزب العمال الى داخل تركيا"، معتبراً أن المعسكر في حال اكتماله سيكون الرابع الذي يقوم الأتراك بإنشائه منذ مطلع العام الماضي.
هذه المعلومات أكدها الخبير بالشأن الأمني الكردي والناشط في مدينة دهوك، علي رحماني، الذي أشار إلى أن السيطرة على قمة الجبل تجعل من مناطق واسعة في محافظة دهوك تحت رصد الجيش التركي. وأضاف رحماني، أن "الجيش التركي أوقع مسلحي حزب العمال في عملية استنزاف مستمرة، من خلال القصف الجوي أو العمليات البرية داخل العمق العراقي، وقد يكون هذا الأمر بديلاً عن عمليات ضخمة كما كانت تحدث بالسابق من قبل الجيش التركي، تكون تكلفتها عالية عسكرياً وبشرياً وحتى سياسياً، بالنسبة لرد الفعل العراقي". واعتبر أن الحزب خسر منذ مطلع العام الحالي، أكثر من 30 موقعاً مهماً، متراجعاً عن المنطقة الحدودية التي كان ينشط بها، بفعل العمليات التركية".
*مخاوف من عملية نزوح جديدة
إلى ذلك، اعتبر الناشط السياسي الكردي في دهوك شيركو جمجمالي، أن سيطرة الجيش التركي على جبل كيستة، يُعتبر تحولاً نوعياً في مجرى الصراع بالمنطقة الحدودية العراقية التركية، ويصبّ في مصلحة الأخيرة. وأضاف جمجمالي، أن منطقة جبل كيستة تطل على أكثر من 50 قرية ضمن مناطق كاني ماسي، وبامرني، وباطوفا، وهذه منطقة طالما مثلت نقطة ارتكاز لمسلحي حزب العمال الكردستاني الذي يبدو أنه ليس بأفضل أحواله حالياً"، مشيراً إلى أنه من الجانب الآخر، فقد تؤدي تلك التطورات إلى عملية نزوح جديدة لعدد من سكان القرى القريبة.
كما ان تركيا تتعرض لانتقادات "واسعة" من داخل العراق وخارجه بسبب التدخلات العسكرية واستهداف قرى في جبال دهوك والسليمانية، فضلا عن الانتهاكات الجسيمة.
وتتواصل الانتهاكات التركية لشمال العراق منذ نحو عشرين عاماً، وسط صمت من قبل حكومتي بغداد وأربيل، اللتين لم تتخذا إجراءات رادعة لإيقاف تلك العمليات، التي ألقت بظلالها على حياة المدنيين، وأدت لسقوط مئات الضحايا، فضلاً عن الخسائر المادية.
في السياق ذاته، نقل تقرير محلي، عن سكان محليين قولهم إن الجيش التركي يقوم ببناء قاعدة عسكرية جديدة في منطقة تل ردي، المطلة على قرية كيستة. وقال أحد الشهود، إن "الآليات العسكرية التركية تعمل ليل نهار في هذا الموقع منذ أسبوعين وتهبط طائرات الهليكوبتر بين الحين والآخر".
وأضاف، إن "أهالي القرية لا يتمكنون من مغادرتها ولا يستطيعون تربية مواشيهم أو الاعتناء بمزارعهم بسبب وجود الجيش التركي في نقاط قريبة من القرية"، وفقاً لإفادة الشاهد.
وتعتبر محافظة دهوك، التابعة لإقليم كردستان، أكثر المناطق التي تتعرّض بشكل شبه يومي للقصف التركي، كونها محافظة مجاورة للحدود التركية، فضلاً عن أن تركيا تعتبرها منطقة استراتيجية، للتمدد نحو محافظتي نينوى وكركوك.
وبحسب تقرير سابق نشرته محطة تلفزيون مقربة من الحكومة في إقليم كردستان العراق بأربيل، فإن القوات التركية لديها 36 نقطة عسكرية ثابتة داخل حدود إقليم كردستان العراق، وذلك بحجة مكافحة أنشطة حزب العمال الذي تقول انقرة عنه انه يتخذ من الأراضي العراقية منطلقاً لتنفيذ اعتداءات مسلحة وتفجيرات داخل تركيا.
وفي الثاني والعشرين من الشهر الماضي، وقّعت كل من بغداد وأنقرة على حزمة اتفاقيات أمنية واقتصادية ضخمة، خلال زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة بغداد، وسبقت الزيارة إعلان العراق حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة، وهو ما رحبت به أنقرة واعتبرته تطوراً مهماً في مكافحة المنظمة التي يصنفها القانون التركي "منظمة إرهابية".
*انفوبلس تفصّل تاريخ العدوان التركي على العراق
سجل العراق، أكثر من 22 ألف خرق أمني للجانب التركي تجاه الحدود العراقية، في الوقت الذي قدّم العراق أكثر من 16 ألف مذكرة احتجاج، وذلك وفقاً للجنة الأمن والدفاع النيابية في مجلس النواب العراقي.
وقالت اللجنة مؤخرا، إنها "استضافت وزير الدفاع، والعديد من القادة الأمنيين، بالإضافة الى وزير الخارجية لمناقشة ملف الاعتداءات التركية على شمال العراق". مؤكدة، إن "الخروقات التركية تمارَس على العراق منذ 1987 إلى يومنا الحالي".
واضافت، إن "عدد الخروقات التركية بلغت طيلة السنوات الماضية، أكثر من 22 ألف خرق أمني للجانب التركي تجاه الحدود العراقية، في الوقت الذي قدّم العراق أكثر من 16 ألف مذكرة احتجاج، إلا أن القوات التركية مستمرة بين فترة وأخرى بممارسة تلك الاعتداءات".
,أكدت اللجنة، "ضرورة وجود موقف عراقي صارم بحق تركيا، وحفظ الحدود المشتركة معها، باعتبار أن أغلب الحدود العراقية مع دول الجوار مؤمّنة بشكل تام".
ما كشفته لجنة الأمن والدفاع النيابية، تؤكده وزارة الخارجية العراقية، حيث بيّنت مؤخراً أنها، وثّقت أكثر من 22 ألفاً و740 خرقاً تركيّاً، مضيفة، "أحصَينا أعداد المذكرات والشكاوى التي قُدِّمت من الحكومة العراقية للجانب التركي والبالغ عددها 296 شكوى".
ويعتقد مراقبون أن رد فعل العراق لا يرتقي إلى المستوى الذي تجري فيه انتهاكات السيادة العراقية من قبل تركيا، ويقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي، إن رد الفعل الرسمي العراقي "لا يرتقي إلى حجم التدخلات التركية ولا يؤثر في مسار الأحداث".
ويضيف الشريفي، إن هذا التوغل العسكري على حساب الأراضي العراقية يمثل محاولة لـ"إعادة إحياء العمق الاستراتيجي التركي"، ويشير الشريفي إلى أن غاية استمرار التوغل ليست السيطرة على أنشطة حزب العمال الكردستاني، إنما "إعادة المطالبة بمحافظتي كركوك والموصل إلى ساحة الصراع الدولي". ويتابع، إن الأسلوب العسكري التركي المتَّبع في الداخل العراقي هو، "قبض الأرض والاندفاع باتجاه هدف رئيسي"، ولعلّ ما يؤكد ذلك، بحسب الشريفي، وجود "أكثر من 35 موقعاً عسكرياً بين قاعدة ونقاط تمركز تهدد سيادة العراق".
ويصف الشريفي، إن ما يجري من توغل تركي وإنشاء قواعد في الأراضي العراقية من دون اتفاقات بأنه "احتلال صريح"، معبّراً عن استيائه من عدم اتخاذ الحكومة العراقية "موقفاً أكثر صرامة".
وخلال الأعوام الأخيرة، تحولت تركيا إلى لاعب مؤثر داخل العملية السياسية العراقية، عبر فرض سطوتها على بعض الكتل السياسية السُنية وتحكمها بقرارهم السياسي، ما أدى إلى عرقلة أي خطوات عراقية حقيقية لوقف انتهاكات تركيا للأراضي العراقية.
وعلى الرغم من التنديد المستمر من قبل الحكومة العراقية بالهجمات التركية، فإن الأخيرة مستمرة في القيام بعمليات عسكرية واسعة ضد حزب العمال الكردستاني وإنشاء قواعد عسكرية ونقاط متحركة داخل الأراضي العراقية من دون أي تنسيق أو موافقة من الحكومة العراقية.
وبحسب خبراء، فإن القوات التركية تُضفي على هذا العدوان نوعاً من الشرعية الزائفة باستنادها على الاتفاقية العراقية – التركية المذلّة، التي منح بموجبها النظام السابق للقوات التركية "حق" التوغل حتى عمق 30 كيلومترا داخل الاراضي العراقية. كذلك استنادها الى قرار البرلمان التركي السماح لها بتنفيذ عمليات عسكرية خارج حدود تركيا، فضلاً عن ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.