بابل تُسدل الستار عن عصابة تُطوّق أرزاق البسطاء.. "طلبية وهمية" تنتهي بسرقة وتهديد

انفوبلس/ تقارير
في تطور لافت يعكس تحديات الأمن المحلي أمام أنماط الجريمة المستحدثة، أعلنت شرطة بابل عن تفكيك عصابة تورطت في استدراج عمّال التوصيل إلى مواقع نائية، قبل الاعتداء عليهم وسرقة الطلبيات تحت تهديد السلاح. الحادثة، التي جاءت بعد سلسلة من البلاغات، سلّطت الضوء على مخاطر تتعرض لها فئات مهنية ناشئة في العراق، في ظل تنامي خدمات التوصيل وضعف التدابير الوقائية في هذا القطاع، بينما تؤكد الأجهزة الأمنية قدرتها على الردع السريع عندما يتوفر التنسيق الاستخباري والميداني الفعّال.
تفاصيل العملية الأمنية
وجاء في بيان صادر عن قيادة شرطة بابل، ورد إلى شبكة انفوبلس، أن "عملية أمنية محكمة نفذتها الأجهزة المختصة، أسفرت عن الإطاحة بالعصابة، بعد جهد استخباري وميداني مشترك، شاركت فيه شعبة مكافحة الإجرام في ناحية أبي غرق وخلية الصقور الاستخبارية، بالتنسيق مع قيادة الشرطة".
وأشار البيان إلى أن المتهمين كانوا يستخدمون أرقام هواتف وهمية ويتواصلون مع العاملين في شركات التوصيل عبر تطبيقات المراسلة، مدّعين رغبتهم في استلام طلبيات إلى مواقع تم اختيارها مسبقًا بعناية، غالبًا ما تكون في مناطق شبه معزولة أو ذات حركة سكانية منخفضة. وهناك، يتم استدراج السائقين والاعتداء عليهم وسرقة ما بحوزتهم من طرود ومبالغ مالية.
وذكرت قيادة الشرطة أن "المتهمين أدلوا باعترافات تفصيلية حول عدد من العمليات التي نفذوها بطريقة منظمة، استهدفت فئة معينة من العاملين في القطاع الخاص، لا سيما أولئك الذين يفتقرون إلى حماية ميدانية أو دعم مؤسسي مباشر، وهو ما جعلهم فريسة سهلة للعصابات".
كما تم ضبط مجموعة من الأدلة، شملت المواد المسروقة، وأسلحة نارية كانت تُستخدم في التهديد، إلى جانب هواتف محمولة استخدمت في عمليات التنسيق والاستدراج.
رسالة تطمين من قيادة الشرطة
وفي تعليق له على نجاح العملية، قال قائد شرطة بابل إن "الأجهزة الأمنية لن تسمح لعصابات الإجرام بترهيب المواطنين أو التعدي على أرزاقهم"، مؤكدًا أن "الجهود المشتركة التي بُذلت بين التشكيلات الأمنية والاستخبارية ساهمت بسرعة التوصل إلى أفراد العصابة وإلقاء القبض عليهم".
وأضاف القائد أن “التحقيقات لا تزال جارية، ونُجدد التزامنا الكامل بحماية جميع فئات المجتمع، لا سيما العاملين في القطاعات الحيوية مثل التوصيل والنقل، الذين يقدمون خدمات يومية لملايين المواطنين”.
بابل.. محافظة تتعافى أمنيًا ولكن
رغم أن محافظة بابل تعد من المحافظات العراقية التي شهدت تحسنًا نسبيًا في الوضع الأمني خلال السنوات الأخيرة، إلا أن جرائم السطو والاحتيال والنشل، خاصة في المناطق الواقعة على أطراف المدن، لا تزال تشكل تحديًا مستمرًا للأجهزة الأمنية.
فقد أشارت تقارير محلية إلى أن "جرائم السرقة بمختلف أشكالها، بما في ذلك سرقة المنازل والدراجات والطرود التجارية، شهدت ارتفاعًا محدودًا خلال العامين الماضيين في محافظة بابل، نتيجة تنامي النشاط السكاني وتوسع الخدمات التجارية والرقمية، ما وفر فرصًا جديدة للعصابات".
كما بيّنت التقارير أن "أغلب العصابات التي تنشط في بابل تتسم بطابع محلي، وغالبًا ما تكون مكوّنة من شبان عاطلين عن العمل، يستخدمون وسائل بسيطة في تنفيذ جرائمهم، لكنهم في بعض الحالات يتعاونون مع عناصر لديهم خبرة سابقة في جرائم مماثلة أو ينتمون إلى شبكات أوسع".
تكرار استهداف عمّال التوصيل
حادثة بابل ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن شهدت محافظات مثل بغداد، والنجف، وكربلاء، وقائع مشابهة طالت سائقي التوصيل والعاملين في شركات التجارة الإلكترونية، الذين يعملون غالبًا بجهد فردي ويعتمدون على خرائط رقمية دون توفر حماية أو دعم لوجستي.
ويعد ضعف التنسيق بين الشركات والسلطات الأمنية، إضافة إلى قلة وعي العاملين بإجراءات السلامة الميدانية، من أبرز العوامل التي تجعلهم عرضة لمثل هذه الحوادث.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشأن الأمني محمد العبيدي إن "هناك ضرورة ملحة لإعادة هيكلة بيئة عمل شركات التوصيل في العراق، وتوفير خطوط طوارئ خاصة، وتدريب الموظفين على التعامل مع حالات الطوارئ، فضلاً عن التنسيق المباشر مع مراكز الشرطة في المناطق التي تنشط فيها الخدمة".
نحو تشديد العقوبات وتفعيل الردع
وعلى المستوى القانوني، أشار قضاة ومختصون إلى أن القانون العراقي يُصنّف الجرائم التي تقع تحت التهديد المسلح وسرقة الممتلكات ضمن فئة "الجرائم الجسيمة"، والتي قد تصل عقوبتها إلى السجن لسنوات طويلة، خاصة إذا كانت هناك نية مبيتة واستعمال أدوات ترهيب.
ووفقًا للمادة 442 من قانون العقوبات العراقي، فإن "كل من سرق مالاً منقولاً مملوكًا للغير في الطرق العامة أو بواسطة التهديد بالسلاح يُعاقب بالسجن المشدد"، وهو ما ينطبق على هذه العصابة التي اعتمدت التهديد كوسيلة للسيطرة على الضحايا.
لكن مع ذلك، يرى كثير من المتابعين أن الردع القانوني وحده لا يكفي، ما لم تُرافقه حملة توعوية ومجتمعية تشجع على الإبلاغ السريع عن الحالات المشبوهة، وتحفز المواطنين على التعاون مع الأجهزة الأمنية، خصوصًا في ظل انتشار التكنولوجيا وسهولة رصد التحركات.
دعوات لتعزيز التعاون المجتمعي
من جهته، دعا الخبير الأمني سيف حسن إلى "زيادة حملات التوعية بشأن مخاطر التوصيل في الأماكن غير الآمنة، وتوجيه العاملين في هذا القطاع لعدم الاستجابة لأي طلب لا يتضمن معلومات موثقة عن الهوية أو الموقع"، مؤكدًا أن "جزءًا كبيرًا من الحوادث يُمكن تفاديه بالتدقيق المسبق وعدم الاندفاع إلى أماكن غير مأهولة".
كما طالب حسن بفتح خطوط اتصال مباشر بين شركات التوصيل المحلية ومراكز الشرطة، لا سيما في المدن التي تتوسع فيها خدمات التجارة الإلكترونية بسرعة، معتبرًا أن "السلامة يجب أن تكون جزءًا من ثقافة العمل، لا مجرّد إجراء لاحق لما قد يقع".
نجاح أمني ورسائل مفتوحة
رغم أن الحادثة تمثل نموذجًا مزعجًا لما يمكن أن تفعله العصابات المحلية بأبسط أدوات الجريمة، إلا أن سرعة تحرك شرطة بابل ونجاحها في إلقاء القبض على أفراد العصابة يبعث برسالة طمأنينة للمواطنين، مفادها أن المنظومة الأمنية لا تزال قادرة على الاستجابة والمحاسبة.
غير أن هذا النجاح الأمني يجب أن يكون بداية لحملة شاملة لتأمين بيئة العمل في القطاعات الخدمية الحساسة، وتحصين المجتمع ضد أساليب الخداع والترهيب، في وقت أصبح فيه "الطلب والتوصيل" جزءًا من الحياة اليومية للعراقيين، ويستحق بدوره الحماية الكاملة.