بعقيدة الانضباط وتحت سيف الإهمال.. طالب يُسقطه حر الشمس في الكلية العسكرية و8 يصارعون الجفاف!

انفوبلس/..
في واحدة من أبشع صور الإهمال والانفصال عن الواقع، شهدت الكلية العسكرية العراقية مأساة مدوية، فقد توفي طالب في الكلية العسكرية نتيجة تعرضه المباشر لأشعة الشمس، فيما أُصيب ثمانية آخرون بحالات جفاف متفاوتة الخطورة، بسبب تدريب ميداني تم تنفيذه تحت لهيب الشمس القاتلة وفي ظروف مناخية لم تعد طبيعية.
هذه الحادثة قد تكون الأكثر دلالة على ما آل إليه حال المؤسسة العسكرية، من تردٍّ في معايير السلامة، إلى تخبط في القرارات، إلى جهل تام بالمخاطر الصحية الناجمة عن التغير المناخي. في بلد تصل درجات الحرارة فيه إلى ما فوق 50 درجة مئوية، ما زالت العقلية العسكرية الكلاسيكية تسير وفق قوالب الستينيات، وكأن التحديات الصحية والإنسانية لا تعني شيئًا.
*التفاصيل
كشفت وزارة الدفاع، اليوم الأربعاء، عن تفاصيل وفاة أحد طلبة الكلية العسكرية الدورة (٨٩) في محافظة ذي قار.
وذكرت الوزارة في بيان، أنه "بعد التحاق طلاب الدورة (٨٩) وأثناء عملية الاستقبال وتدقيق أسماء الطلاب المتقدمين وتوزيعهم على السرايا والفصائل ظهرت بعض علامات الإعياء والتعب على عدد من الطلبة والبالغ عددهم (٩) طلاب نتيجة تعرضهم إلى أشعة الشمس مما تسبب بإصابتهم بالجفاف".
وتابعت، أنه "تم نقلهم عن طريق طبابة الكلية العسكرية إلى مستشفى الناصرية، وبعد تلقيهم الإسعافات الأولية من قبل الكادر الطبي في المستشفى تم اكتساب (٦) من الطلاب الشفاء التام وسيغادرون المستشفى".
وأضافت، أن " ٢ من الطلاب الآخرين حالتهم الصحية مستقرة وتحت المراقبة، فيما توفي أحد الطلاب نتيجة المضاعفات الصحية التي ألمّت به".
*إقالة عميد الكلية العسكرية الرابعة
دفعت هذه الحادثة وزير الدفاع، ثابت العباسي، إلى التوجه نحو إقالة عميد الكلية العسكرية الرابعة.
وقال مدير الإعلام والتوجيه المعنوي في الوزارة، اللواء الطيار تحسين الخفاجي في بيان تابعته شبكة انفوبلس: إن "وزير الدفاع، ثابت محمد سعيد العباسي، أمر بإقالة عميد الكلية العسكرية الرابعة وآمر الفوج المختص من مناصبهما".
وأضاف، إن "ذلك جاء لتقصيرهما وإهمالها مما تسبب في إصابة (9) من طلاب الدورة الـ (89) بوعكة صحية نُقلوا على إثرها إلى مستشفى الناصرية".
ووجه الوزير "بتشكيل مجلس تحقيقي في الكلية العسكرية الرابعة لمعرفة ملابسات الحادث".
*إهمال لا يمكن السكوت عنه
الطالب المتوفى – والذي لم تُكشف هويته رسميًا حتى الآن – كان يؤدي تدريبًا عسكريًا مع رفاقه ضمن برنامج تدريبي روتيني، لكنه كان يُنفَّذ في وقت الذروة وتحت أشعة الشمس الحارقة، دون تهيئة بيئية ملائمة، أو وجود إسعافات أولية فاعلة، أو حتى مظلات بسيطة تحمي الجنود الشباب من الاحتراق البطيء.
بحسب مصادر خاصة من داخل الكلية، لم يتم اتخاذ أي إجراء استباقي لتحذير أو تعديل جدول التدريبات وفقًا لموجة الحر الشديدة التي تضرب البلاد منذ أيام. لم يُوقف التدريب، ولم تُخصص فترات راحة كافية، بل استمر الضغط النفسي والبدني على الطلبة كما لو أنهم آلات لا تتأثر بحرارة أو عطش أو إرهاق.
هذه الحادثة لا يجب اختزالها فقط في ضحية واحدة. الحقيقة الأكبر أن النظام الإداري والعسكري الذي لا يزال يفتقر إلى أدنى معايير المرونة والتحديث هو الضحية الأعمق. الطالب الذي فقد حياته هو واحد من آلاف الطلبة الذين يُزج بهم في معسكرات التدريب دون النظر لحجم التحديات البيئية والصحية.
عقلية التحمّل التقليدية التي تقول "الجندي لا يتذمّر" أصبحت وصفة للموت، لا للانضباط. ومفهوم "الالتزام بالتعليمات" لا ينبغي أن يتفوّق على مفهوم الحفاظ على الحياة، خاصة وأن العراق اليوم من بين أكثر الدول تعرضًا لأضرار التغير المناخي، بحسب تقارير دولية رسمية. فصول الصيف باتت جحيمًا حقيقيًا، ولا يُعقل الاستمرار بتطبيق سياسات تدريب أو تعليم أو عمل وكأن شيئًا لم يتغير.