تحت أنظار المتطرفين.. الحدود العراقية-السورية مجدداً في مرمى الخطر والعراق بحاجة لاستراتيجية خماسية لمواجهته

انفوبلس..
مع تصاعد التوتر في السويداء السورية وحدوث اشتباكات دامية بين المكونات المحلية وقوات الجولاني، باتت الحدود العراقية-السورية مهددة بإحياء نشاط التنظيمات المتطرفة. ويؤكد مراقبون أمنيون ضرورة تعزيز الرقابة التقنية والعسكرية واستراتيجيةً متكاملةً للتصدي للتهديدات المستجدة على امتداد أكثر من 600 كلم، تفادياً لانزلاق المنطقة نحو توترات أعمق.
وصعّدت الأحداث الأخيرة في سوريا، من مستوى التحذيرات الأمنية على العراق الذي يمتلك حدودا واسعة مع الجارة العربية، حيث من شأن ذلك إنعاش “الجماعات المتطرفة”، وعلى رأسها تنظيم داعش، كما رأى مراقبون أمنيون، شددوا أيضا على ضرورة مراقبة الحدود تقنياً وعسكرياً، مشيرين إلى أن معارك السويداء تجري بين دول وقوى طامحة، أبرزها إسرائيل التي تحاول تنفيذ مشروعها “الإبراهيمي”.
وعاشت محافظة السويداء، الواقعة في جنوب سوريا، على صفيح ساخن، بعد أحداث دامية شهدتها في الأيام الماضية واشتباكات بين مكوناتها المحلية وقوات الجولاني، ولم تكن هذه الأحداث بمعزل عن التحولات العميقة التي يشهدها المشهد السوري كله، إذ ألقت بظلالها على مستقبل التعايش والسلم الأهلي في منطقة غنية بتنوعها الثقافي والاجتماعي والديني.
ويقول الباحث في الشأن السياسي والأمني حسن العامري، إن “ما جرى في سوريا من توتر متصاعد، لا سيما في الجنوب ومناطق التماس في الشمال، يحمل بالفعل مؤشرات خطيرة على احتمال انزلاق البلاد نحو حرب أهلية جديدة، وربما أكثر تعقيدا من السابق بسبب الانقسام الطائفي والعرقي المتراكم”.
ويوضح العامري، أن “تراجع دور الدولة المركزية، سيؤدي لعودة النشاط المكثف للجماعات المسلحة، وخاصة خلايا داعش، ومن هذا المنطلق، فإن العراق معنيّ بهذا الملف استراتيجيا وأمنيا”، مشيرا إلى أن “من الضروري مراقبة الحدود المشتركة الطويلة والرخوة مع سوريا (أكثر من 600 كلم)، والتي كانت في السنوات الماضية منفذا لاختراق الجماعات الإرهابية”.
ويشدد الخبير الأمني على ضرورة “مراقبة البيئة الاجتماعية المتشابهة في بعض المناطق الحدودية، كالموصل والأنبار ودير الزور والحسكة، والتي قد تُستغل للتجنيد أو التسلل”، داعيا إلى “التحرك ضمن استراتيجية متكاملة تشمل خمسة محاور، منها المحور الأمني، الذي يشمل تعزيز التحصين الحدودي، ونصب منظومات مراقبة حرارية وطائرات مسيرة، وزيادة انتشار قوات حرس الحدود والفرقة 20 وقيادة عمليات الجزيرة”.
ويجد أن على القوات الأمنية “تنفيذ ضربات استباقية دقيقة بالتعاون مع التحالف الدولي والاستخبارات الجوية العراقية، وتنشيط الجهد الاستخباري بالتنسيق مع العشائر المتعاونة غرب العراق”، متابعا أنه “في ما يخص المحور السياسي والدبلوماسي، فيجب تفعيل الحوار الإقليمي مع كل من سوريا، إيران، الأردن، وتركيا لتجنب تحول سوريا إلى ساحة صراع إقليمي جديد، ودعم جهود الحل السياسي في سوريا لتجنيب المنطقة حربا أهلية جديدة تنعكس على الجميع”.
وفي المحور المجتمعي والإعلامي، يرى “ضرورة رفع الوعي المجتمعي في المحافظات الغربية، ودعم برامج المصالحة الوطنية في المناطق المحررة داخل العراق، خصوصا مع مخاطر عودة الإرهاب، لمنع الاستقطاب الطائفي الذي قد تعززه الأزمة السورية”.
وفي ما يخص المحور الاقتصادي واللوجستي فالأفضل، كما يشير “تأمين الطرق الدولية الرابطة مع سوريا، خصوصا معبر القائم- البوكمال، لما له من أهمية اقتصادية وأمنية، وفي المحور الاستخباري الإقليمي، فيجب إنشاء غرفة تنسيق أمنية مشتركة بين العراق وسوريا وإيران وتركيا وروسيا، على غرار غرفة بغداد الرباعية لمتابعة تحركات داعش والجماعات المتطرفة في سوريا”.
وأسفرت المواجهات الدامية بين الدروز والبدو في السويداء السورية عن تدخل عسكري واسع للقوات الحكومية، وسط تقارير عن انتهاكات ومطالب بحل الفصائل المحلية، بينما صعدت إسرائيل تحذيراتها وتدخلت بالقصف على دمشق ومناطق أخرى مع تفاقم التوتر بجنوب سوريا.
من جانب آخر، يؤكد رئيس مركز الرفد للدراسات والتحليلات عباس الجبوري، أن “الوضع في سوريا ما يزال غامضا، ورغم التواصل بين الحكومة العراقية والإدارة الجديدة في دمشق، لكن بوادر الحرب الأهلية قد تحدث في أي لحظة”.
ويشير الجبوري، إلى أن “العراق لا يستطيع التدخل بما يجري في سوريا، وفي الوقت نفسه لا يستطيع الوقوف متفرجا، والبلد بالأساس مخترق، والأهم لنا في هذه المرحلة المحافظة على الحدود، وعدم السماح بدخول التنظيمات الإرهابية، واتخاذ أقصى درجات الحذر، ومنع ظهور أي جماعة مسلحة، ومراقبة الأحداث بشكل دقيق”.
ويضيف أن “المعركة داخل سوريا هي بين دول كبرى، صراع بين تركيا وأمريكيا وإسرائيل، وبعض الدول الخليجية، وما يجري حاليا في السويداء والقنيطرة وجبل الشيخ، هو واقع جديد في سوريا، تفرضه إسرائيل بالقوة، وهي تريد التقسيم، والعراق يجب أن ينأى بنفسه عن هذه الحرب، ويحافظ على حدوده فقط”.
وكانت وزارة الخارجية العراقية قد عبّرت عن قلقها إزاء ما يجري من أحداث متصاعدة في سوريا، كما أدانت الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المدن السورية.
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، أن “ما يجري في سوريا حاليا، هو مقدمة لحرب أهلية ما بين جميع القوى المتناحرة، وهي فرصة، لإنعاش الجماعات المتطرفة، فسوريا كانت ممرا لتدفق السلاح إلى حزب الله، وكانت الحلقة الذهبية لإيران، وخرجت من المعادلة، وما يجري اليوم هو مساع لتغيير الخارطة السياسية في المنطقة، والذهاب بمشروع الإبراهيمية”.
ويوضح الحكيم، أن “وضع العراق حرج جدا، وينبغي على قواه السياسية أن تتكاتف، بسبب المخاوف مما يجري في سوريا، فالهدف بعد سوريا قد يكون العراق، لغرض تحييد حلفاء إيران”.
بدوره، يشير الخبير في الشأن العسكري اللواء طارق العسل، إلى أن “ما جرى في سوريا خطير جدا، وهو فرصة ذهبية لإنعاش الجماعات المتطرفة، التي ما تزال تتواجد في الصحراء، ووادي حوران، لذا يجب تفعيل منظومة المراقبة الجوية، ودور الاستخبارات، وتعزيز الوجود على الشريط الحدودي، وعدم الانتظار، لما سيحصل في الأيام المقبلة، وعدم تكرار تجربة عام 2014، حيث كنا نأخذ الأمور بتصريحات وتطمينات، بالاعتماد على تقارير خاطئة، حتى حدث ما حدث”.
ويضيف العسل، أنه “يجب أخذ الأمور على محمل الجد، فإذا تطور الصراع في سوريا، قد نشهد هجمات على السجون التي يتواجد بها عناصر داعش، كما هي فرصة لعناصر التنظيم التي تتواجد في مناطق حمرين، والصحراء المشتركة مع العراق، للظهور مجددا، ودخول الأراضي العراقية بقوة”.
استراتيجيات المواجهة
1. المحور الأمني
تشير التقديرات إلى أن طول الحدود المشتركة (أكثر من 600 كلم) يشكل منصّة انطلاق مثالية لخلايا التنظيمات المتطرفة. لذا يوصي الخبراء بنشر منظومات مراقبة حرارية متطورة وطائرات مسيّرة قادرة على التتبع الليلي اليومي، إضافة إلى تعزيز انتشار قوات حرس الحدود والفرقة 20 وقيادة عمليات الجزيرة. ويؤكد اللواء طارق العسل على ضرورة ضرب الاستباقية، عبر هجمات دقيقة بالتنسيق مع التحالف الدولي والاستخبارات الجوية العراقية، لمنع إعادة تجمّع خلايا داعش في مناطق الصحراء المشتركة وحمرين.
2. المحور السياسي والدبلوماسي
لا يمكن للأمن وحده أن يحصن العراق من تبعات الأزمة السورية. ولذا يرى المحللون ضرورة تفعيل قنوات الحوار الإقليمي مع دمشق وطهران وعمان وأنقرة، من خلال اجتماعات رباعية دورية تستنسخ نموذج “غرفة بغداد” لمتابعة تهديدات الجماعات المتطرفة. كما يجب دعم مبادرات الحل السياسي في سوريا لمنع تحول الجنوب السوري إلى ساحة صراع ذي أبعاد طائفية توسّع أمده وتتعدى حدوده.
3. المحور المجتمعي والإعلامي
تلعب البيئة الاجتماعية في محافظات الأنبار ونينوى والدور المجتمعي في دير الزور والحسكة دوراً محورياً في خطط استقطاب العناصر الإرهابية للتجنيد. ومن هنا تنطلق أهمية حملات توعية مدعومة إعلامياً لرفع مستوى الانضباط المدني والتصدي للدعايات المتطرفة. ويشير حسن العامري إلى ضرورة دعم برامج المصالحة الوطنية في المناطق المحررة، وفتح قنوات اتصال مع شيوخ العشائر لضمان تنسيق استخباري فاعل وتمتين الجبهة الداخلية ضد محاولات الاختراق.
4. المحور الاقتصادي واللوجستي
لا ينفصل الأمن عن الاقتصاد، فمعبر القائم–البوكمال يشكّل شرياناً تجارياً حيوياً. ويؤكد المختصون على ضرورة تأمين هذا المسار الدولي عبر نقاط تفتيش متقدمة وتطوير البنى التحتية للطرق والمرافئ الحدودية لتلافي تعطّل حركة الشاحنات وتأمين تدفق البضائع الأساسية. كما يوصون بإقامة مناطق اقتصادية خاصة لمحاربة الفقر وخلق بدائل لقوى الشباب في المناطق الحدودية، مما يقلص فرص استقطابهم من قبل الجماعات المتطرفة.
5. المحور الاستخباري الإقليمي
يمثل إنشاء “غرفة تنسيق أمنية” مشتركة بين العراق وروسيا وإيران وتركيا وسوريا خطوة نوعية في تعقب تحركات الجماعات العابرة للحدود. وتُتيح هذه الغرفة تبادل المعلومات لحظياً، وتنظيم عمليات مشتركة تستهدف الشبكات اللوجستية لداعش. كما تقترح الخطة إشراك العشائر المتعاونة غرب العراق في جهود الاستخبارات الميدانية، ما يعزز دقة المسح الأمني ويخفض نسبة الاعتماد على المصادر الخارجية وحدها.
إن انزلاق المشهد السوري نحو حرب أهلية جديدة من شأنه زيادة مخاطر ترسيخ التنظيمات المتطرفة وعزل العراق عن محيطه. ولتجنب تكرار تجربة 2014، يجب العمل على خمسة محاور متوازية: أمني متشدد، وسياسي دبلوماسي، ومجتمعي إعلامي، واقتصادي لوجستي، واستخباري إقليمي. وهذه الاستراتيجية المتكاملة تشكّل الإطار الوحيد القادر على حماية العراق من تداعيات الأزمة السورية وتأمين استقراره على المدى البعيد.