رد سريع ونفي قاطع.. دخان بدون نار أم استباق لكوارث أمنية مقبلة؟.. هل يُهرّب السلاح من سوريا إلى العراق؟

انفوبلس..
في ظل تصاعد الحديث الإعلامي عن تهريب أسلحة من سوريا إلى نينوى والأنبار، سارعت وزارتا الداخلية والدفاع إلى نفي تلك المزاعم، مؤكدتين أن الحدود العراقية ممسوكة بالكامل وتُدار بتنسيق محكم وتقنيات مراقبة متطورة، وسط دعوات لتكثيف الزيارات الميدانية الإعلامية لفضح المعلومات "المغرضة".
وفي أعقاب تقارير إعلامية تحدثت عن تهريب أسلحة عبر الحدود السورية إلى محافظتي نينوى والأنبار، سارعت الجهات الأمنية العراقية، ممثلةً بوزارتي الداخلية والدفاع، إلى نفي هذه التقارير بشكل قاطع، مؤكدة أن الحدود ممسوكة بإحكام وتخضع لتحصينات ومراقبة متقدمة.
كما كشفت مصادر أمنية مطلعة أسماء التشكيلات التابعة للقوات المسلحة الماسكة لجميع المحاور الحدودية، سواء في النخيب أو الوليد أو سنجار، مشيرة إلى أنها مؤمنة وتدار بتنسيق عالٍ بين مختلف الأجهزة.
المصادر الأمنية نفت صحة المعلومات التي تم تداولها إعلاميا مؤخرا، بالقول: “ما تم تداوله من قبل قناة تلفزيونية عراقية حول وجود عمليات تهريب للأسلحة من الأراضي السورية عبر معابر غير رسمية، ومن ثم إدخالها إلى محافظتي نينوى والأنبار، يفتقد إلى الحقيقة والمصداقية، حيث لا توجد صحة لمثل تلك المعلومات”، مبينة الأسباب بأن “المحور الأول في منطقة النخيب هو تابع إداريا إلى محافظة الأنبار، وأمنيا خاضع لقيادة عمليات كربلاء، وممسوك من قبل فرقة العباس القتالية، واللواء 41 قيادة عمليات كربلاء”.
وأضافت المصادر “أما المحور الثاني، والمقصود به منفذ الوليد الحدودي، فهو مغلق منذ زمن طويل، والشريط الحدودي من مسؤولية قيادة قوات حرس الحدود، المنطقة الثانية، الخط الأول، ثم بعدها بمسافة (5 كلم) ممسوك من قبل وحدات المقر المسيطر، وشمال منفذ الوليد تتوزع مسؤوليته على الجيش لغاية وادي الولج، ثم يتولى المسؤولية الحشد الشعبي، إضافة إلى توزيع الكاميرات الحرارية لحرس الحدود وحدات المقر المسيطر”.
وتابعت المصادر الرفيعة حديثها، بالقول: “أما المحور الثالث، وهو خط سريع ٤٧ سنجار، فهو خارج قاطع المسؤولية”، مؤكدة على وجود “تنسيق عال بين مختلف الأجهزة الأمنية (جيش، حدود، حشد شعبي، دوائر أمنية أخرى) لتبادل المعلومات الاستخبارية بشكل يومي وفعال”.
من جهتها، قالت وزارة الداخلية، في بيان إنها “تابعت ما طُرح مؤخرا من مزاعم باطلة في أحد البرامج التلفزيونية على إحدى القنوات الفضائية، بشأن وجود عمليات تهريب سلاح عبر الحدود العراقية السورية، إذ تنفي الوزارة، جملة وتفصيلا، هذه الادعاءات التي لا تستند إلى أي دليل واقعي”، فإنها تؤكد أن “الحدود العراقية السورية مؤمّنة بقطعات قوية ومتكاملة، وسلسلة تحصينات رصينة، ومنظومة مراقبة ذكية، وتدار بجهد ميداني واستخباري عالي التنسيق من قبل قيادة قوات الحدود، يضمن السيطرة الكاملة على الشريط الحدودي، ويحول دون أي خرق أمني أو تهديد لسيادة البلاد”.
وأكدت الداخلية، أن “الجهات الأمنية المختصة لم تؤشّر في هذا الشأن أي حالة تسلّل أو تهريب من الحدود السورية طيلة الفترة الماضية”.
ودعت “جميع وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية إلى التنسيق المسبق لتنظيم زيارات ميدانية إلى أي من القواطع الحدودية، للاطلاع عن كثب على مستوى الجاهزية الأمنية والاستقرار الذي تحقق بفضل تضحيات وجهود قوات الحدود”.
وكان مقدم البرامج الإعلامي حسام الحاج، قد تناول في برنامج على قناة السومرية الفضائية، معلومات عن دخول أسلحة إلى المناطق الغربية، وتحديدا عبر محافظتي نينوى والأنبار، عبر ثلاثة محاور، ومنذ خمسة أشهر، وقد نقل عن مصادر، أن السلاح يُهرب من محورين، كما أن نوعية السلاح المهرب هو رشاش متوسط، وعتاد، وأن المهربين يستغلون طرق نيسمية غير مسيطر عليها، ملمحاً إلى أن هناك بعض القيادات الأمنية تتعامل بشكل فردي مع مهربين متمرسين منذ سنوات.
بدورها، نفت وزارة الدفاع، حصول عمليات تسلل أو تهريب عبر الحدود العراقية مع دول الجوار، حيث ذكرت في بيان إن “القوات الأمنية البطلة، بجميع تشكيلاتها، تبذل جهودا كبيرة لكي تكون حدودنا مؤمّنة بالكامل، وقد وُضعت التحصينات الكبيرة على جميع الشريط الحدودي، بالإضافة إلى سلسلة من الإجراءات الفنية والتقنية للمراقبة، والتواجد المنسّق لمقاتلي وزارتي الدفاع والداخلية والحشد الشعبي، التي كوَّنت خط صدٍّ لم تشهده الحدود العراقية من قبل”.
وأضافت “قد تابعت وزارة الدفاع ما تم تداوله من ادعاءات باطلة ومزاعم مغرضة تتعلّق بحصول عمليات تسلل أو تهريب عبر الحدود العراقية مع دول الجوار”.
وأردفت الوزارة في بيانها، أن “الحدود العراقية، بدءا من قاطع ربيعة شمالا وحتى الحدود العراقية–السورية–الأردنية جنوبا، ممسوكة بإحكام وبقوة لا تقبل الشك من قبل أبطال قوات الحدود في وزارة الداخلية، وبدعم مباشر وميداني من قبل قطعات الجيش العراقي الباسل، وإسناد من أبطال هيئة الحشد الشعبي، في إطار خطة محكمة لتأمين حدود بلادنا”.
وأكدت وزارة الدفاع، أن “المنافذ الحدودية تخضع لإشراف كامل من الجهات الحكومية المختصة، وتُدار من قِبل أجهزة الدولة بجميع صنوفها، ضمن إجراءات دقيقة ومتابعة مستمرة”.
وبينت، أن “هناك جولات مستمرة من قبل القادة الأمنيين والجهات الإعلامية، من بينها جولة قبل أيام قليلة في منفذ القائم الحدودي، من قِبل إعلام وزارة الدفاع، برفقة عدد من القنوات الفضائية العراقية والعربية، تم خلالها الاطلاع على سير الإجراءات الأمنية والانضباط العالي في تأمين المنفذ، مما يدحض كل المزاعم التي تم ترويجها”.
وبحسب تقديرات عدد من المختصين في الشأن الأمني، فإن المنطقة الغربية شهدت خلال السنوات الأخيرة تحسنا واضحا في الأداء الأمني، نتيجة العمليات المتكررة التي تنفذها القوات العراقية في الصحارى والمناطق الحدودية، فضلا عن تحسن التنسيق الاستخباري وانتشار مفارز الرقابة التقنية، بما يُصعّب عمليا أي محاولة تهريب ممنهجة أو حركة سلاح غير مرصودة.
وصعّدت الأحداث الأخيرة في سوريا، من مستوى التحذيرات الأمنية على العراق الذي يمتلك حدودا مشتركة معها، لاسيما فيما يتعلق بتنظيم داعش.
يأتي الجدل الأخير حول مزاعم تهريب السلاح من الأراضي السورية إلى العراق في سياق بالغ الحساسية، تزامناً مع التصعيد العسكري في سوريا، وتنامي المخاوف من إعادة تنشيط خلايا تنظيم داعش في المناطق الحدودية. فمجرد الإشارة إلى وجود تهريب عبر الحدود يعيد إلى الأذهان سنوات الانفلات الأمني، ويثير مخاوف جدية من تكرار سيناريوهات سابقة.
الرد الرسمي السريع من وزارتي الداخلية والدفاع، وما تضمنه من تفاصيل دقيقة حول تمركز القوات وامتداد المسؤوليات على مختلف المحاور الحدودية، يعكس إصرار الدولة على تبديد أي انطباع بوجود فراغ أمني أو تساهل في حماية السيادة. فقد حرصت الوزارتان على الإشارة لا فقط إلى وجود وحدات عسكرية ممسكة لكل محور، بل أيضاً إلى وجود تحصينات ومراقبة حرارية ونشاط استخباري يومي.
ومن اللافت في السياق الأمني أن القوات الماسكة للحدود تنتمي إلى أطياف مختلفة من الأجهزة: من الجيش العراقي، إلى حرس الحدود، إلى فصائل الحشد الشعبي، مما يدل على وجود شبكة تنسيق مركبة ومتعددة المستويات. هذا التنسيق، بحسب الرواية الرسمية، يجعل من الصعب – إن لم يكن مستحيلاً – تنفيذ عمليات تهريب على النحو الذي تحدث عنه الإعلامي في البرنامج التلفزيوني.
لكن هذه الرواية الحكومية، على قوتها من الناحية الشكلية، لا تمنع وجود تساؤلات جوهرية تتعلق بإمكانية وجود ثغرات غير منظورة، خاصة في ظل الطبيعة الجغرافية الوعرة للمناطق الغربية، وصعوبة السيطرة المطلقة على الطرق النيسمية التي قد يستغلها المهربون. كما أن الإشارة إلى وجود ضباط أو عناصر أمنية "تتعامل بشكل فردي مع المهربين"، كما ورد في البرنامج، تفتح باباً للتساؤل حول احتمالية وجود فساد أو تراخٍ داخل بعض الصفوف الأمنية.
المؤسسات الأمنية، في ردها، لم تكتف بالنفي بل استخدمت لهجة هجومية، ووصفت ما طُرح بأنه "مزاعم باطلة" و"ادعاءات مغرضة". كما دعت وسائل الإعلام إلى التنسيق المسبق وتنظيم زيارات ميدانية إلى القواطع الحدودية، في محاولة لتكذيب المزاعم على أرض الواقع. هذه الدعوة قد تُفهم على أنها رغبة في استباق أي تصعيد إعلامي، لكنها في الوقت نفسه تعكس ثقة نسبية في جاهزية القوات على الأرض.
وفي هذا السياق، يبرز دور الإعلام الأمني الرسمي بوصفه أداة للدفاع الميداني عن صورة الدولة، عبر بثّ صور وجولات ميدانية لقادة عسكريين في المنافذ الحدودية. لكن هذه الصورة، رغم وضوحها، تصطدم أحياناً بانعدام الثقة الشعبي حيال المؤسسات، وهو ما يجعل أي إشاعة أو مزاعم قابلة للتصديق، خاصة في المناطق التي عانت من الإهمال أو التهميش سابقاً.
التحليل الأعمق لهذا الحدث يتجاوز مجرد السجال الإعلامي بين قناة ومسؤولين، ليكشف عن تحدٍ أمني دائم يواجه الدولة العراقية في مناطق التماس الحدودي: موازنة الرواية الأمنية الرسمية بضمان الشفافية، دون فتح الباب للتأويلات أو التهويل الإعلامي. كما يبرز ضرورة تطوير الأداء الاستخباري، ليس فقط بالمراقبة التقنية، بل بالاختراقات البشرية الفاعلة داخل شبكات التهريب إن وجدت.
وفي ظل التوتر الإقليمي، لا سيما في الجبهة السورية، فإن التحذيرات من تسلل عناصر داعش أو دخول أسلحة غير مشروعة، تظل قائمة حتى في ظل الحماية المشددة. لكن ما لا يُغتفر في هذا السياق، هو غياب التواصل الاستباقي من الجهات الأمنية مع الإعلام، ما يترك المجال للتكهنات أن تنتشر قبل أن تُدحض.
في المحصلة، تبقى الحدود الغربية تحدياً أمنياً مفتوحاً، يتطلب أكثر من مجرد التصريحات النافية. فالميدان هو الحكم، والإعلام الحر، إذا ما أُحسن توجيهه، قد يتحول إلى شريك فاعل في كشف الحقيقة، لا خصماً في معركة الروايات.