غياب التشريعات يُكبّل العمل.. جدل حول آليات عمل الشرطة المجتمعية.. دور كبير يرافقه قصور لافت
انفوبلس..
منذ تأسيسها عام 2008 وحتى الآن، يتذبذب دور الشرطة المجتمعية في البلاد بين الفعالية العالية في حين وانعدامها في أحيان أخرى، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود قوانين كافية وواضحة لمعالجة حالات العنف الأسري، ولعل أبرز فعاليات الشرطة المجتمعية المثيرة للاستفهام هي مسألة إرجاع المُعنَّفين إلى ذويهم بعد هروبهم من التعنيف والاكتفاء بأخذ التعهدات من عوائلهم.
إجراءات غير كافية
يكمن دور الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية في العراق، بحل المشكلات الاجتماعية ودعم الأسرة، وحماية حقوق الإنسان والشرائح الضعيفة والأقليات، وعُدَّت حين تأسيسها خطوةً على طريق دعم المرأة وحماية الطفل، وهو ما حصل في كثير من الحالات، إلا أن الواقع المعيشي يكشف بأن الكثير من النساء والأطفال ما زالوا يعشون ظروفاً مأساوية.
مسؤولة الرصد الإلكتروني في الشرطة المجتمعية في محافظة النجف، أسماء الطالقاني، قالت إن "دور الشرطة المجتمعية هو حل المشكلات بطريقة ودّية وتوعوية من دون الاضطرار إلى اللجوء إلى مراكز الشرطة أو القضاء، وذلك من أجل تخفيف الزخم الحاصل بسبب البلاغات التي تتسلمها الشرطة بشكل يومي ومستمر، ونتعامل مع المتقدم بالبلاغ بشكل مباشر فور تلقيها المعلومات اللازمة".
وتتحدث عن المعوقات التي تواجههم وتحدّ من عملهم، وأبرزها طبيعة المجتمع العراقي، العشائري، وعقلية الأهالي الصعبة، وهذا ما يتطلب منهم "التواصل معهم لأيام، فقط من أجل محاولة إقناعهم بالعزوف عن إيذاء أبنائهم او بناتهم".
وحصلت الكثير من الحالات التي قامت فيها الشرطة المجتمعية بإرجاع الفتيات إلى ذويهن كما حصل مع طيبة العلي، التي تواصلت الشرطة المجتمعية وشرطة الديوانية مع ذويها بشكل شخصي بعدما أبلغتهم الأخيرة بأنها ستُقتل على يد عائلتها، وقامت الجهات المعنية بإلزام العائلة بالتوقيع على تعهد بعدم التعرض لها. وقد تدخلت جهات عشائرية أيضاً في محاولة لتهدئة الوضع، ولكن انتهت القضية بمقتل طيبة خنقاً بعد ثلاثة أيام، في 2 شباط من العام الماضي.
وتضيف الطالقاني: "نحن لدينا صلاحيات محدودة وعندما نواجه حالات ترفض العودة، نقوم بتسليمها إلى القضاء وتحال بعدها إلى دور الإيواء الموجودة في المحافظة. أما أن نقوم نحن بأخذ فتيات معنّفات رغماً عن أهلنّ، فلا يمكننا ذلك لأنه لا يوجد لدينا في القانون ما يتوافق مع مثل هذه الخطوة".
وتضيف: "مهمتنا أن نحتوي القضية وأن نحول دون أن تتفاقم، وأن نقدّم إرشادات إلى الأهل حول الدعم النفسي وكيفية التعامل مع ضحايا العنف الأسري والابتزاز، بحدود الصلاحيات المتاحة لنا فقط، ثم نقوم بمتابعة الحالة بأساليبنا الخاصة ونحن جادّون في عملنا، لكن لا يوجد عمل لا يخلو من المشكلات والضغوط. وربما قد تحصل هناك إخفاقات صغيرة، إلا أنه لا يجب على النساء أن يمتنعن عن التقدم بالبلاغ أو الاتصال بنا".
توضيح للأدوار
المدير السابق للشرطة المجتمعية العميد غالب عطية كشف في مقابلة صحفية بوقت سابق من العام قبل الماضي، إن "هنالك زيادة في عدد حالات الانتحار خلال السنوات الاخيرة وتُعزى الى مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية ومنها البطالة والفقر فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي وحالات العنف الاسري والابتزاز الالكتروني"، مضيفاً أن "معدل حالات الانتحار في عموم العراق يبلغ اثنتين يوميا واكثرها يسجل في محافظات ذي قار وديالى وكركوك".
وأوضح عطية، أن "عدم إقرار قانون مكافحة الجرائم الالكترونية من الأسباب التي سمحت بزيادة حالات الابتزاز وفي حال اقراره سيحد بشكل كبير من تلك الحالات لأنه سيكون رادعا كبيرا للمبتز"، مشيرا الى أن "مخرجات الابتزاز الالكتروني تسببت بالعديد من حالات الطلاق والقتل وغسل العار والانتحار".
وأكد أنه "بفضل الدور البناء والمهني لأبطال الشرطة المجتمعية تمت إعادة 128 فتاة هاربة من ذويها بسبب الابتزاز فضلا عن منع 37 حالة انتحار ومعالجة 1950 حالة ابتزاز إلكتروني خلال عام 2021".
وأضاف، إن "الشرطة المجتمعية تعاملت مع العديد من الحالات الحساسة التي تخص الابتزاز الالكتروني وخصوصا للفتيات بإجراءات معينة تغنيهن عن الخروج ومراجعة المحاكم والدوائر"، داعيا في الوقت ذاته التوجه الى مراكز الشرطة والمحاكم في حال التعرض لمثل تلك الحالات لتتم ملاحقة المبتز قضائيا واتخاذ الاجراءات اللازمة بحقه".
وتابع، إن "ما بات يُعرف بجرائم الظل المرتبطة بالابتزاز وحالات أخرى جاءت نتيجة التطور التقني والانفتاح التكنولوجي والثقافي وتخطي الحدود بين الدول من خلال التواصل الاجتماعي وهذه كلها ساهمت بزيادة تلك الجرائم وبالمقابل الشرطة المجتمعية والمؤسسات الامنية الاخرى تعاملت معها وحدت منها وأوصلتها الى الحدود الدُنيا".
وبيّن، إن "الكثير من تهم الابتزاز الالكتروني تكون كيدية واستباقية وتتم من قبل النساء وبعد التحقق يتضح أن الموضوع معكوس"، موضحا أن "الشرطة المجتمعية تقوم بتدقيق الحالات بشكل كبير قبل اتخاذ أي إجراء".
وبشأن طبيعة عمل الشرطة المجتمعية ميدانياً أوضح العميد غالب عطية أنه "عناصرنا متواجدة في الجامعات والمدارس والدوائر الحكومية وتقوم بشكل مستمر بتقديم الندوات التوعوية والتثقيفية فضلا عن تواجدهم في الشوارع والمولات والاسواق والمناطق النائية".
وبالحديث عن الكادر النسوي قالت المنتسبة في الشرطة المجتمعية رؤى محمد نجيب إن "هنالك عقبات تواجه عمل النساء في هذا السلك اهمها العدد غير الكافي للكوادر، خصوصا وأن اغلب الحالات التي ترد الى الشرطة المجتمعية تحتاج الى تواجد نساء، لأنه في حالة تعرض فتاة الى اعتداء او ابتزاز تكون الكوادر النسوية اقرب بالحصول على المعلومة"، مشيرة إلى أن "دور النساء في الشرطة المجتمعية مساند قوي للرجل".
وأضافت نجيب، أن "دور المرأة في الشرطة المجتمعية مهم جدا فبعض الحالات تحتاج الى كادر نسوي لاستقبالها وخصوصا النساء اللاتي يتعرضن للعنف الجسدي والابتزاز المرتبط بالأمور غير الأخلاقية وقد تكون هنالك صور وفيديوهات خاصة لا تستطيع الضحية اطلاع الرجال عليها"، مبينة أن "هنالك مكالمات ترد الى الخط الساخن 497 تطالب بإرسال كادر نسوي للتدخل في الموضوع وحله".
آخر الإحصائيات
في مطلع العام الجاري، أعلنت وزارة الداخلية تقديم الشرطة المجتمعية، أكثر من 9 آلاف حالة دعم مجتمعي لضحايا الابتزاز والعنف.
وقال مدير دائرة العلاقات والإعلام في الوزارة اللواء خالد المحنا، في بيان إن "مفارز الشرطة المجتمعية قدمت دعماً نفسياً ومعنوياً ل (9384) ضحية من ضحايا الابتزاز الإلكتروني والعنف الأسري والهروب".
واكد اللواء المحنا أن "مفارز الشرطة المجتمعية في دائرة العلاقات والإعلام وضمن مبدأ الرعاية اللاحقة الذي تعمل عليه لمتابعة أحوال الضحايا، قد قدمت رعايتها ودعمها المجتمعي ل (1455) ضحية من ضحايا الابتزاز الالكتروني و(7362) ضحية عنف أسري، و(567) هارب وهاربة تم ارجاعهم لذويهم خلال عام 2023".
وأشار اللواء المحنا الى "حرص واهتمام كبير من قبل الوزارة لتوفير مناخات العيش السليم والآمن لجميع أفراد المجتمع وبما ينسجم وتوجيهات ووصايا، وزير الداخلية عبد الأمير الشمري في الحفاظ على السلم الأهلي والأمن المجتمعي والتواجد والتواصل مع مختلف شرائح المجتمع ، والاسهام في حل المشكلات الاجتماعية السلبية من خلال التعاون الفاعل والبناء مع الجميع".
وتشكلت الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، بعد اجتياز منتسبيها لدورة التدريب الاساس وتم ربطها بمديرية شرطة بغداد في عام 2016، وتم تحويلها إلى قسم يرتبط مباشرة بوكالة الوزارة لشؤون الشرطة فــي عــام 2019 ثم ربطهـا بمكتـب الوزيــر – دائـرة العلاقـات والاعـلام، وتهتم بمشاكل المجتمع العراقي، ولاسيما قضايا العنف الاسري والابتزاز الالكتروني.
وفي نيسان الماضي، اعلنت الشرطة المجتمعية، إيقاف 76 حالة ابتزاز الكتروني وعنف أسري وإعادة 6 فتيات هاربات الى ذويهن خلال أسبوع.
وذكرت المجتمعية، في بيان أن "مفارزها تمكنت خلال الأسبوع الأول من شهر نيسان من إيقاف (32) حالة ابتزاز الكتروني و (44) حالة عنف أسري، وأعادت (6) فتيات هاربات الى ذويهن".
واوضحت، ان "عمليات الايقاف والإعادة من قبل شعب ومفارز الشرطة المجتمعية المنتشرة في عموم محافظات البلاد، جاءت على خلفية المناشدات التي وردت الى الشرطة المجتمعية عبر خطها المجاني الساخن (497)، حيث تمكنت تلك المفارز بعد عمليات البحث والتحري من اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المبتزين والمعنفين، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للضحايا".
وحقّقت وزارة الداخلية العراقية إنجازًا كبيرًا في مكافحة الابتزاز الإلكتروني خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث تمكنت من معالجة وإيقاف 247 حالة ابتزاز.
وقال المتحدث الإعلامي للوزارة العميد مقداد ميري، إنّ هذا الإنجاز يأتي نتيجة الدور المهم الذي تقوم به مديرية الشرطة المجتمعية في توفير السلم المجتمعي والحد من الظواهر السلبية، خاصةً استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض الابتزاز الإلكتروني.
وأوضح ميري، أنّ مديرية الشرطة المجتمعية تمكنت من إيقاف 247 حالة ابتزاز إلكتروني خلال الثلاثة الأشهر الماضية، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والمعنوي للضحايا.
وتابع ميري، أنّ مفارز الشرطة المجتمعية تمكنت أيضًا من إعادة 33 فتاة هاربة، وإيقاف 69 حالة عنف بحق أطفال، و73 حالة عنف ضد النساء.
وأشار ميري إلى، أنّ مفارز الشرطة المجتمعية تعمل على توفير الرعاية اللاحقة للضحايا، والتي تتضمن متابعة أحوالهم وتقديم الدعم المجتمعي لهم.
ولفت ميري إلى، أنّ الوزارة تعمل على تصعيد إجراءاتها للحد من ارتفاع معدلات الجرائم الإلكترونية، خاصةً الابتزاز الإلكتروني، وذلك من خلال توعية المواطنين بمخاطر هذه الجرائم وكيفية الوقاية منها.