قاعدة القيارة لبريطانيا والرادارات لفرنسا.. هل استبدل العراق ضجيج الأمريكان بـ"هدوء" الإنكليز؟

انفوبلس/ تقارير
بعد الزيارة الأخيرة للسوداني إلى لندن، تكشفت المخرجات شيئا فشيئا، ثمة مذكرة "ضخمة" نجمت عنها صفقات "أضخم"، بنود وتواقيع بين البلدين أبرزها ظفر المملكة المتحدة بقاعدة القيارة في الموصل بمبلغ "كبير جدا" لكن التساؤل.. ما علاقة بريطانيا بهذه القاعدة؟
بعد ذلك، صفّت فرنسا على الدور، لقد حصلت باريس على منظومة الدفاع الجوي العراقي! يتساءل الجميع عن سبب ذلك.. فماذا يعني؟ هل تم تقسيم تَرِكة ما يسمى بالتحالف الدولي على الأعضاء؟ أم إن العراق سعى لاستبدال ضجيج الأمريكان بـ"هدوء" الإنكليز؟ انفوبلس أجابت عن كل ذلك في سياق التقرير الآتي.
ماذا حدث؟
مؤخراً، بدأ العراق بتقسيم إرث ما يسمى بالتحالف الدولي على الأعضاء، أما الإنكليز فحصتهم قاعدة القيارة، ولفرنسا رعاية ملف الرادارات، مع بقاء ملف الغطاء الجوي بيد الأميركان، ومقاومة الطائرات (باتريوت) إلى كوريا الجنوبية”.
حصل كل هذا خلال مذكرة التفاهم والتعاون التي وقعها السوداني مع ملك بريطانيا خلال زيارته الأخيرة إلى لندن، وهو ما أثار العديد من التساؤلات: هل هذا هو التفسير الدقيق للصفقة العراقية البريطانية بقيمة نصف مليار باوند؟ أم إن العراق يُجري نقلة استراتيجية على الرقعة، ويستبدل ضجيج الأميركان بهدوء الإنكليز؟
هدوء الإنكليز مقابل ضجيج الأمريكان
بحسب مصدر حكومي عراقي، فإن قاعدة القيارة الجوية أصبحت خالية من القوات الأمريكية منذ وقت مبكر، فيما يشير إلى أن بريطانيا تُعدّ خياراً أكثر قبولاً لدى العراق من الناحية السياسية والأمنية.
ويصف المصدر الوجود البريطاني بأنه “أقل استفزازاً للجوار”، في إشارة إلى الحساسية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة، مقارنة بمرونة التعامل مع بريطانيا، التي لا تزال تحافظ على علاقات دبلوماسية مع طهران.
موقع استراتيجي وأبعاد إقليمية
إلى ذلك، فإن طياراً عراقياً حلّق كثيراً من القيارة يذهب بعيداً في التحليل نحو أجواء الحرب الباردة، ويقول إن حصول الإنكليز على موطئ قدم عسكرية في نقطة حساسة وذهبية مثل القيارة، يحقق منافع عديدة على رأسها البقاء قريباً من تحركات حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” القريب في كركوك، والذي مازالت تعتبره لندن حزباً “شيوعياً”، وتبعد القاعدة أقل من 100 كم عن كل من الموصل وأربيل وكركوك وسهل نينوى التجمع الأبرز للأقليات العراقية.
وأضاف، أن قاعدة القيارة على عكس “كي وان” منشأة ضخمة وقابلة للتطوير والتوسع، وهي تضاهي قاعدة “بلد” وإمكانياتها أقل بقليل من “عين الأسد”.
ويشير الطيار أحمد الشريفي إلى علاقة التموضع الإنكليزي الجديد بخط نفط كركوك – حيفا الذي توقف إبّان احتلال فلسطين، وإمكانية تفعيله وإن كان بوجهة جديدة وبحماية “القيارة”.
كما يؤكد أن الأميركان يفضلون ملء فراغهم في العراق بالإنكليز بدل الفرنسيين وغيرهم، ويلفت المسؤول الحكومي إلى تفضيل الحكومة للوجود البريطاني على الأمريكي لأنه “صمام أمان بالنسبة للعراق”، إلى جانب “العلاقة التاريخية واتجاه العراقيين العاطفي نحو الإنكليز فهم عرابو تأسيس الدولة العراقية” بحسب قوله.
ماذا ستفعل بريطانيا في القيارة؟
في الرابع عشر من كانون الثاني الماضي، وقع رئيس وزراء المملكة المتحدة، كير ستارمر، ورئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، اتفاقية شراكة وتعاون واسعة النطاق بشأن التجارة والتعاون الاقتصادي والاستراتيجي.
وأوضح مجلس الوزراء آنذاك في بيان ورد لشبكة انفوبلس، أنه تم الاتفاق بين الجانبين على حزمة تجارية بقيمة 12.3 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار)، والتي تعادل أكثر من 10 أضعاف إجمالي التجارة الثنائية في العام الماضي، وستكون مدعومة بسلسلة من اتفاقيات ضمان الصادرات، لتعزيز العلاقة التجارية المتنامية بين البلدين.
وضمت المشاريع المشتركة مشروع إزالة الألغام حيث تم تعيين شركات بريطانية لإزالة حقول الألغام القديمة في جميع أنحاء العراق، بعقد قيمته 330 مليون جنيه استرليني.
كما تم الاتفاق على إعادة تأهيل قاعدة القيارة الجوية العراقية، حيث سيقوم خبراء من القطاع الخاص البريطاني بإعادة تأهيل قاعدة القيارة الجوية العراقية بقيمة 500 مليون جنيه استرليني، بما يوفر للعراق تغطية دفاعية جوية.
بريطانيا.. "صمام أمان للعراق"؟!
في السياق ذاته، يشير مسؤول حكومي عراقي إلى أن بغداد تفضّل التعاون مع بريطانيا بدلاً من الولايات المتحدة، واصفاً الوجود البريطاني بأنه “صمام أمان” للعراق نظراً للعلاقة التاريخية بين البلدين، حيث لعبت بريطانيا دوراً محورياً في تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
أما الخبير العسكري عدنان الكناني، فيؤكد أن التجربة العراقية مع البريطانيين كانت “أقل وطأة” من التجربة الأمريكية، معتبراً أن الإنكليز كانوا نبلاء مع العراقيين، على عكس الأمريكان.
ما علاقة الفرنسيين بمنظومة الدفاع الجوي؟
لفهم علاقة فرنسا بمنظومة الدفاع الجوي العراقية، لابد من ذكر قرار مجلس الوزراء في عام 2023 ، إذ أعلن المجلس آنذاك، تعاقُد وزارة الدفاع مع شركة تاليس الفرنسية لشراء الرادارات، وذلك استثناءً من أساليب التعاقد المنصوص عليها في المادة (3) من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية (3 لسنة 2014).
وأشار المجلس حينها الى أن موافقته على الصفقة "تهدف لتعزيز المنظومات الدفاعية وتأمين أجواء العراق وتحقيق السيادة الجوية في جميع أنحاء البلاد وتقديم الإسناد للقوات المسلحة في قواطع المسؤولية".
بعد ذلك، كشفت خلية الخبراء التكتيكية (tactical cell)، عن تفاصيل ونوعية الرادارات الفرنسية التي تستعد الحكومة العراقية للتعاقد بشأنها.
وأشارت الخلية في منشور على صفحتها في الفيسيوك تابعته شبكة انفوبلس، الى "موافقة مجلس الوزراء العراقي على تمويل أكبر صفقة رادارات للعراق منذ عقود سيتم توقيعها مع شركة (تاليس) الفرنسية بغية تعزيز قدرات المنظومة الدفاعية العراقية".
وبينت، إن "الرادارات من طراز (Ground master GM 400 Radar 3D) وهي ذاتها الرادارات الحديثة التي كان العراق قد تعاقد عليها قبل عام".
ونوهت الخلية الى، أن "الصفقة تضمنت في مرحلتها الأولى شراء أربعة رادارات لكن عراقيل أوقفت إتمام المرحلة الثانية من الصفقة التي تتضمن شراء 14 راداراً آخر".
وأوضحت، إن "الرادار (غراوند ماستر 400gm) من أحدث الرادارات في العالم، وهو رادار ثلاثي الأبعاد، بعيد المدى مخصص لكشف الأهداف الجوية المتوسطة والعالية الارتفاع، يُستخدم للدفاع الجوي ويمكن أن يكون ثابتا أو متحركا كما تعاقد عليه العراق سابقا ويكون محمولا على شاحنات ألمانية طراز MAN ويصل مداه إلى 470 كم على نطاق تردد S-Band كاشفا الطائرات والصواريخ الكروز الجوالة والصواريخ الباليستية التكتيكية".
بداية لمرحلة جديدة؟
مع هذه التغيرات، يبدو أن العراق يتجه نحو إعادة صياغة تحالفاته العسكرية، مستفيداً من التوازنات الإقليمية والدولية، بحسب مراقبين.
فبينما يفضّل الأمريكيون أن يكون البريطانيون هم البديل في بعض المواقع العسكرية يراهن العراق على شريك أقل صخباً، وأكثر تماشياً مع مصالحه السياسية والاقتصادية، وفق المراقبين.
ويتساءل هؤلاء: هل يمهّد هذا التحول لبداية مرحلة جديدة من النفوذ البريطاني في العراق، أم إنه مجرد إعادة توزيع للأدوار داخل ما يسمى بالتحالف الدولي؟