قانون الميثاق الأمريكي كوميديا سوداء.. تعويضات لأمريكيين عن "حرق النفايات" وتجاهل للضحايا العراقيين
انفوبلس/..
أكثر من 150 موقعاً بأحجام مختلفة ومتفاوتة، استخدمته القوات الأمريكية في العراق لحرق نفاياتها،وقد أثّر ذلك بشكل كبير جداً على العراقيين القريبين من تلك المواقع وحتى البعيدين بنسبة قليلة عنها، ناهيك عن الضرر الكبير الذي أصاب القوات الأمريكية جراء هذه الخطوة.
وبناءً على ذلك، قررت الولايات المتحدة صرف تعويضات لجنود أمريكيين بسبب الأضرار الصحية التي تعرّضوا لها جرّاء حرق النفايات بطرق غير صحية في العراق، بينما لم تأبه واشنطن بالضرر الكبير الذي طال المواطنين العراقيين.
صحيفة "واشنطن بوست" نشرت تقريراً أعدّته لويزا لافلاك ومصطفى سالم، تحدّثا فيه عن مخلفات الحرب الأمريكية في العراق وتداعياتها الصحية على السكان الذين عاشوا قريبا منها، من انتشار أمراض السرطان وحالات ضيق التنفس بين مَن تعرّضوا للتلوث الذي أحدثه الأمريكيون أثناء احتلالهم للعراق.
*ضيق تنفس
وفي التقرير الذي أُعِدَ من قرية البوحشمة قرب بلد التي تبعد 50 ميلا شمالي العاصمة بغداد، قال سكان المنطقة إن الدخان قرب القاعدة العسكرية الأمريكية كان كثيفا ولم يعرفوا ما يقوم الأجانب بحرقه، قبل أن يشعروا بضيق في التنفس.
وكان المزارعون العائدون إلى بيوتهم يحملون آثار السُّخام على أذرعهم، ومن ثم بدأت القصص حول ما يرميه الجنود في مكبّ الحرق من البطاريات إلى البراز والبلاستيك وحصص الطعام وحتى الثلاجات.
*تسميم الهواء
تعلّق الصحيفة بأن آثار الاحتلال الأمريكي لا تزال واضحة على العراق بعد عشرين عاما، ويظهر على البنايات التي خرقها الرصاص والبيوت المهدّمة، وهناك إرث آخر، أكثر غدراً وديمومة من العنف حيث قام الجنود في القواعد العسكرية بحرق نفاياتهم في الأماكن المفتوحة بشكل سمَّم الهواء حولهم.
وبدأ الأطباء والعلماء الأمريكيون بالقلق على الجنود الذين تعرضوا للنفايات السامة، لكن العراقيين تعرضوا أيضا للسموم ومرضوا. وأشارت الصحيفة إلى أن جهوداً أمريكية لتعويض الجنود السابقين عن التعرض للتلوث لم تحدث مع العراقيين الذين تأثروا بنفس المستوى واستنشقوا الهواء المسموم.
*قانون الميثاق
وفي زيارة إلى بلد ومقابلة عدد من المواطنين هناك، قال معظمهم إنهم كانوا شبابا وفي صحة جيدة عندما عملوا في القواعد الأمريكية أو عاشوا قربها، وأن عائلاتهم ليس لديها تاريخ بالأمراض التي يعانون منها الآن. وأكد باحثون درسوا آثار محارق النفايات والأطباء المحليون على ظاهرة زيادة الأمراض التي جاءت نتاجاً للحرب وسنوات من التعرّض للتلوث بعد الغزو. وبعد عقدين على الحرب وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن العام الماضي على تشريع يعترف بالرابطة بين التعرض للسموم وظروف صحية تهدد حياة الجنود، ووسع المنافع والخدمات لأكثر من 200,000 جندي يُعتقد أنهم تعرضوا لضرر دائم من محارق النفايات المفتوحة في حروب ما بعد 9/11.
ويُعرف التشريع بـ"قانون الميثاق" ويعتبر تحولاً في الطريقة التي باتت فيها الولايات المتحدة تتعامل فيها مع ضحايا التعرض للمحارق الذين لا تظهر الأعراض عليهم إلا بعد عدة سنوات.
*أسوء موقع
وترى الصحيفة أن الموضوع هذا يعتبر شخصياً للرئيس بايدن الذي طالما اعتقد أن محارق النفايات المفتوحة كانت سبباً في سرطان الدماغ الذي قتل ابنه بيو والذي أُرسل للقتال في العراق ضمن فرقة الحرس الوطني من ديلاوير. وتضيف الصحيفة أن محرقة النفايات في قاعدة بلد المشتركة كانت الأكبر وامتدت على مساحة 10 فدادين. وبحلول 2008 كان يُحرق فيها يوميا حوالي 150 طنا من النفايات، بحسب "ميليتري تايمز".
وظلت محرقة النفايات مشتعلة ليلاً ونهاراً دون أي معالجة للنفايات الصلبة، ووكّل الجيش أمرها لمتعهدين أمريكيين ومحليين قاموا بحفر الحفرة ورموا النفايات وصبّوا زيت الطائرات وأشعلوا فيها النيران.
وفي مذكرة لزملائه في 2006 وصف الجنرال دارين أل كيرتس، المهندس في مجال البيئة الحيوية محرقةَ النفايات بأنها "أسوأ المواقع البيئية". وأضاف الجنرال جيمس إليوت تعليقا على المذكرة محذرا من أن "المواد المسبِّبة للسرطان وضيق التنفس التي تنبعث في الجو تعتبر خطرا على جنودنا والسكان المحليين".
*700 مليار لم تمسّ العراقيين!
في آب 2022، أكد تقرير لموقع كومون دريم الأمريكي، أن مبلغ 700 مليار دولار التي خصصها قانون مساعدة ضحايا حفر حرق النفايات من الجيش الامريكي للعشر سنوات المقبلة والذي استفادت منه شركة هالبيرتون الامريكية كارباح لن ينال منه الشعب العراقي شيئاً ولن يقدم لهم أي مساعدة رغم أنهم المتضررين الأكبر منها.
وتابع التقرير،أن "المستفيد الأكبر من تلك الحفر القذرة والملوثة للبيئة هي شركة كيلوج وكي بي آر وهي شركات فرعية تابعة للشركة الرئيسية هالبيرتون التي كان يترأسها نائب الرئيس الامريكي آنذاك ديك تشيني والتي جنت مليارات الدولارات من الأرباح من تلك العقود القذرة".
من جانبها، قالت أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة بوردو كالي روباي في برنامج الديمقراطية الآن، إن "حفر حرق النفايات كانت عبارة عن حقول حرق ضخمة، في بعض الأحيان بحجم ملاعب كرة القدم، ولكن كان هناك العديد من الحقول الأصغر في جميع أنحاء العراق وأفغانستان أيضاً والتي تتسبب بعدد كبير من أمراض السرطان إلى جانب مشاكل الجلد والربو والتهاب الشُّعب الهوائية ومشاكل الجهاز التنفسي والرئة والقلب والأوعية الدموية والصداع النصفي وغيرها من الحالات العصبية".
وبينت،إن "حُفر الحرق تمثل أكبر مشكلة بيئية وصحية للعراقيين إلى جانب آثار الاحتلال العسكري والتفجيرات وإطلاق النار والتهجير وطبقات من التوغل العسكري من قبل قوات الاحتلال المختلفة منذ الغزو الأمريكي". مشيرة إلى، أن "كل هذه الأشياء أدّت إلى الانهيار في البنية التحتية العامة التي من شأنها أن تُستخدم لمواجهة الآثار الصحية لحُفر حرق النفايات وسوء الصحة العامة، والظروف المعقدة للزراعة".
وأشار التقرير إلى، أن "ندوب الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان عميقة، تمتد لعقود ولن يُعرف أبداً عدد الملايين الذين قُتِلوا أو جرحوا،وتتحمل الولايات المتحدة المسؤولية، وتدين بتعويضات الناجين، بما لا يقل عن التعهدات التي تم التعهد بها، مؤخراً، لقدامى المحاربين الأمريكيين".
*أمراض كانت نادرة
ويقول الأطباء المحليون إن معدلات سرطان الدماغ والرئة والرقبة والانسداد الرئوي المزمن كانت نادرة قبل الغزو، لكنها بدأت تظهر بين الشباب وبشكل مفاجئ.
وتقول الصحيفة، إن القوات الأمريكية لم تخطط للبقاء طويلاً في العراق، وافترضت أن أهله سيرحَّب بهم كمحررين، ومع تصاعد المقاومة في بلد وحولها، فإنه لم يعد هناك اهتمام بكيفية التخلص من النفايات.
ومع انسحاب الأمريكيين من العراق في 2011 فإنهم استخدموا 150 موقعاً لحرق النفايات وبأحجام متفاوتة، وكلما اقتربتَ من المحرقة كانت فرص الإصابة أكبر كما يقول أنطوني سزيما، مدير مركز نورث ويل الصحي الدولي.
وبحسب وزارة الصحة العراقية فإنه لا توجد سجلات صحية في السنوات الأولى للغزو وتم حرق ما كان موجوداً منها بعد سيطرة تنظيم داعش على المنطقة. ويقول الخبراء إن الربط القاطع بين محارق النفايات والأمراض في العراق يحتاج لمشاركة المراكز الصحية المرموقة، وما هو مؤكد في بلد وبحسب الأطباء وقادة المجتمع والسكان فإن من عاشوا في اتجاه الريح القادم من محرقة النفايات تعرضوا للدخان ولحوالي 8 أعوام.