كيف دخل ومن هم أصدقاؤه "المحليون"؟.. يهودي "إسرائيلي" متشدد يتجول في بغداد وبابل 3 مرات خلال 13 عاماً آخرها في 2023.. تساؤلات حول دور القوات الأمنية وجهاز المخابرات من هذا الاختراق الأمني الكبير
انفوبلس..
تداولت العديد من صفحات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشاب يهودي إسرائيلي متشدد وهو يتجول في عدة مناطق من العاصمة بغداد ومحافظة بابل وغيرها، ما أثار التساؤلات حول هويته وكيفية دخوله إلى البلاد والسبب وراء غياب دور الأجهزة الأمنية وعلى رأسها جهاز المخابرات من السيطرة على اختراقات كهذه.
فريق شبكة "انفوبلس" أجرى جولةَ تقصٍّ حول الموضوع، ليتضح أن مقطع الفيديو المتداول قديم ويعود لوقت سابق من العام الماضي، وهو لشخص يدعى "آفي غولشتاين"، وهو يهودي متشدد زار العراق عدة مرات، وكشف لوسائل إعلام عبرية عن التجارب المخيفة التي مرَّ بها في بلد معادٍ لكيانه المحتل.
وسائل إعلام العدو الصهيوني نشرت الحادثة بوصفها قصة بطولية لشاب يهودي، لكن المعلقين انتقدوا تصرفه كونه مخالفاً للقانون ومن المفترض أن يتم سجنه عند عودته إلى الكيان الإسرائيلي بسبب وجود قانون يحظر السفر إلى عدة بلدان من ضمنها العراق.
القصة الكاملة
ويقول غولشتاين في حديثه مع الصحافة، إنه لم يكن خائفا عندما سافر إلى العراق، بل وصل إلى حدود إيران وزار سلسلة من الدول "المعادية" الأخرى، ويضيف: "لم أكن خائفًا أبدًا من التعرض للاختطاف، أولاً وقبل كل شيء لأنني أسافر دائمًا مع أصدقاء محليين، ولديّ بالفعل خبرة كبيرة في السفر إلى بلدان معادية".
مراقبون انتقدوا غياب دور القوات الأمنية وجهاز المخابرات بسبب الاختراق الأمني الكبير لدخول غولشتاين البلاد، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة البحث والتقصي والتحقيق مع "أصدقائه المحللين" داخل العراق.
ويوضح آفي غولدشتاين "بالإضافة إلى ذلك، يمكنني أيضًا اكتشاف الخطر من مسافة بعيدة. "لأن لدي حس إدراك الخطر والابتعاد عنه - أسمح لنفسي بالسفر في مثل هذه البلدان".
وعلى الرغم من الخطر، فإنه يدّعي بأنه لا يخفي هويته اليهودية، ويقول: "عندما سافرت في العراق، إلى المنطقة الكردية في شمال البلاد، كنت أتجول بقبعة وشعر مستعار (الشكل التقليدي لليهود المتدينين)، ولكن عندما كنت في العاصمة بغداد، قمت بإخفاء شعري المستعار لأنني لم أرغب في جذب الكثير من الاهتمام، ولكن حتى هناك - عندما التقيت بأشخاص محليين كنت أعبث معهم، مثل سائقي سيارات الأجرة، أو عندما يسأل الناس عن شعري، كنت أجيب دائمًا أنني يهودي من إسرائيل، وكان ذلك جيدًا تمامًا".
آفي غودلشتاين يروي تجربة وصفها بـ"المخيفة" خلال رحلته إلى العراق: "لقد مررت عبر حواجز داعش، لكن في العراق لم يحدث لي شيء ومرّت بشكل طبيعي".
وعند سؤاله عن سبب سفره أصلاً إلى دول معادية، حيث يوجد تحذير من السفر، قال آفي: "لعدة أسباب: أولا وقبل كل شيء، أريد أن أسافر إلى جميع دول العالم، وبعضها معادية، لكنني لن أتخلى عنها. على وجه التحديد، العراق من بين الدول الخمس التي أحبها أكثر في العالم، من بين 119 دولة سافرت إليها، لذلك لقد زرته بالفعل 3 مرات واستمتعت به حقًا".
وعن سبب عدم خوفه من أن يقوم السكان المحليون الذين يسافر معهم باختطافه أو إبلاغ القوات الأمنية عنه: قال غولشتاين: "لا، أنا من ذوي الخبرة في هذا المجال، وأقوم بذلك منذ 13 عامًا. أنا أتبع مشاعري الداخلية، ولم أكن مخطئًا أبدًا بشأن ذلك، وكنت أعرف دائمًا أياً منهم يمكنني الوثوق به".
ويتحدث آفي غولدشتاين عن زيارة قام بها إلى مدينة بغداد القديمة، المنطقة التي عاش فيها اليهود في الماضي، وسأل الناس أين يقع شارع "التوراة"، ويقول: "عندما سألت بعض الناس تبين أن هناك شائعة في المدينة القديمة بأن هناك سائحَين اثنَين، أنا وصديقي، نبحث عن هذا الشارع، كما أنه ليس سياحيًا، ولا يوجد سبب لأي شخص ليس يهودياً للذهاب إلى هناك. على الفور خرجت الحشود من منازلهم وهم يهتفون ويهتفون، ورافقونا إلى الشارع، لكن بسبب خوفي من الزحام، قمت بتصوير فيديو واحد هناك وهربت من المكان. كانت التجربة مخيفة، على الرغم من أنهم كانوا لطيفين جدًا معنا، لكنني كنت خائفًا جدًا".
وأضاف: "لقد أخذونا لرؤية نقوش باللغة العبرية لا تزال موجودة في المكان، لكن القلب شدد ذات مرة خلال هذا الوقت، خوفا من أن تنتشر الإشاعة بسرعة كبيرة في جميع أنحاء البلاد حول وصول السياح اليهود من إسرائيل".
وتابع غولدشتاين: "في رحلتي الأخيرة إلى العراق، ذهبت إلى بابل لزيارة قبر حزقيال النبي (ذا الكفل عليه السلام)، وفي رحلة سابقة كنت عند قبر ناحوم النبي (العزير عليه السلام)، ولذلك كان علينا المرور عبر حواجز داعش، فكان علي أن أرتدي ملابس عربي مسيحي مع قبعة وما إلى ذلك، لأنه مدفون في بلدة مسيحية، مررنا بحواجز داعش، ووصلنا إلى القبر الذي كان مسدودا بالسياج، واقتحمناه وصلينا فيه بسرعة".
وبيّن، إن "قبر النبي حزقيال (ذا الكفل عليه السلام) موجود داخل مجمع مقدس لدى الشيعة، ولا يسمحون بدخول المكان لغير الشيعة، وتعاون صديقي العراقي المحلي، وقال للحراس المسلحين إنني أبكم، وهكذا تمكنا من الدخول والصلاة هناك".
وأضاف: "داخل مجمع المقابر، هناك نقوش باللغة العبرية، بأسماء العديد من اليهود المتوفين. ولم أتمكن من تصوير النقوش باللغة العبرية، حتى لا يلاحظ رجال الأمن أنني كنت أصور النقوش باللغة العبرية، دون أن يلاحظوا أنني يهودي".
دور الموساد في العراق
أعادت قصة الاختراق الأمني بدخول شخص إسرائيلي يهودي متشدد إلى الأراضي العراقية ونشره لـ"مغامراته" على وسائل التواصل الاجتماعي، الحديث عن دور جهاز الموساد الإسرائيلي في العراق خلال العقود الأخيرة، خصوصاً أن وجوده تزامن مع وجود الباحثة الإسرائيلية المعتقلة "اليزابيت تسوركوف" التي طالبت بها “إسرائيل” بوصفها مواطنة اسرائيلية، وقالت إنها اختفت في العراق منذ آذار/مارس2023 ، حيث دخلت من مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق لتستقر في حي الكرادة في بغداد حاملة معها ادعاء” أنها طالبة دكتوراه في قسم السياسة بجامعة برنستون وهي جامعة خاصة بحثية متعددة الاختصاصات تقع في بلدة برنستون بولاية نيوجيرسي، في الولايات المتحدة الأمريكية” وجاءت لتجمع معلومات ووثائق عن أطروحتها، وقد ساعدها الموساد الإسرائيلي ورتب لها التسلل الى العراق بعد عدة عمليات سرية قامت بها محطته الاستخبارية في شمال العراق بجواز سفر روسي باعتبارها “مواطنة روسية” وليست ”مواطنة اسرائيلية”.
وجدير بالذكر أن “تسوركوف” التقت في الشمال السوري بعناصر من الفصائل المسلحة السورية، لكن المثير في الأمر إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” عن "خطف" المواطنة الاسرائيلية محملا الحكومة العراقية مسؤولية أمنها، وسلامتها.
هذا الاعتراف الاسرائيلي الصريح كشف وبصورة لا تقبل الشك عن فشل الموساد الاسرائيلي في عملية زرع أحد عناصره الذي يرمز لها بـ”الغراب” داخل العاصمة العراقية بغداد، وبدأت وسائل الاعلام الاسرائيلية الحديث عن "الأسيرة الإسرائيلية"، خاصة بعد أن أصدر مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية بيان قال فيه “أن تسوركوف على قيد الحياة وهي بصحة جيدة”، السؤال المحير بعد أن تضاربت المعلومات المسربة حول العملية الاستخبارية للموساد الاسرائيلي في بغداد هل تسوركوف مواطنة روسية أم مواطنة أسرائيلية؟ جاءت الاجابة سريعا على لسان “المجلس الاقليمي الاستيطاني في الضفة الغربية” المعروف بـ”غوش عتصيون” قال فيه ”أن تسوركوف المحتجزة في العراق تعيش منذ فترة طويلة في مستوطنة الداد ضمن التجمع الاستيطاني غوش عتصيون قرب بيت لحم”، والاكثر من هذا أن “تسوركوف هي مستوطنة اسرائيلية خدمت في جيش الاحتلال الاسرائيلي، وعند اندلاع الاحداث في سوريا عام 2011 تحول مهماتها نحو التركيز على القضية السورية وزارت عدة دول ومناطق للقيام بمهام تجسسية وأقامت علاقات مع شخصيات سياسية وقادة مجموعات عسكرية سورية معارضة في تركيا والشمال السوري والأردن”.
والذي يزيد من الشكوك حولها وحول مهامها التجسسية لصالح الموساد الإسرائيلي أن "القانون الاسرائيلي يمنع الاسرائيليين من دخولهم الدول التي تعتبرها اسرائيل معادية لها ومنها العراق وسوريا، وحتى ولو كان الاسرائيلي أو الاسرائيلية يحملون جنسيات اخرى” والسؤال المهم كيف تمكنت عنصر الموساد الإسرائيلي ”تسوركوف”من دخول العراق عدة مرات والعودة “لاسرائيل”، وكيف دخلت سوريا عدة مرات من دون أن يحاسبها القانون الاسرائيلي نفسه؟
مع المعروف أن القانون العراقي يحظر دخول الاسرائيليين الى اراضيه حيث أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في المادة 201 يشير بشكل صريح إلى تجريم كل أشكال التعاون مع هذا الكيان والتعامل معه والترويج له وتحبيب مبادئه ومنع أي تعامل أدبي أو علمي أو غيره.
وتنص المادة 201 ما يلي ”يُعاقب بالإعدام كل من روّج لـمبادئ الصهيونية، بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها، أو ساعدها ماديًا أو أدبيًا، أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها”.
أما قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم (1) لسنة 2022، فتنص المادة 7 منه ما يلي ”يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من طبع، أو تخابر مع الكيان الصهيوني، أو روج له، أو لأية أفكار، أو مبادئ، أو ايديولوجيات، أو سلوكيات صهيونية، أو ماسونية بأية وسيلة كانت علنية أو سرية بما في ذلك المؤتمرات، أو التجمعات، أو المؤلفات، أو المطبوعات، أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى”.
مجموعة من صور آفي غولشتاين عند جولاته في بغداد وبابل: