لجنة أبو رغيف تعود للواجهة: حكم جديد على ضابطين بتهم تعذيب المعتقلين.. وانفوبلس تفصّل الحقائق

انفوبلس/ تقرير
في تطور قضائي جديد يُعيد ملف "لجنة أبو رغيف" المثيرة للجدل إلى واجهة النقاش العام، أصدرت محكمة جنايات الكرخ العليا في بغداد أحكاماً بالسجن بحق ضابطَين اثنين من اللجنة المنحلة بتهم تعذيب المعتقلين. هذا القرار يأتي في سياق حملة قضائية مستمرة لملاحقة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ومكافحة الفساد ضمن مؤسسات الدولة.
وثيقة قضائية
أصدرت محكمة جنايات الكرخ / هـ، برئاسة القاضي محمد سلمان محمد، حكماً بالحبس الشديد لمدة سنتين بحق المدان سالم صكبان جبار عناد. الحكم، الذي صدر بتاريخ 30 تموز/يوليو 2025، استند إلى أحكام المادة 332 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
وتعود تفاصيل هذه القضية إلى اعتداء المدان سالم صكبان على المدعي بالحق الشخصي، بهاء عبد الحسين عبد الهادي، الذي كان ضابطاً في وزارة الداخلية وقت وقوع الحادث عام 2020، بينما كان المشتكي موقوفاً على ذمة قضية تحقيقية في بغداد. ومن الجوانب اللافتة في القرار أن المحكمة لم تحتسب مدة موقوفية المدان ضمن فترة الحكم الصادر، وذلك لكون موقوفيته كانت "مكفلة وليست لديه موقوفية".
لم يقتصر الحكم على العقوبة الجنائية، بل منح القرار الحق للمشتكي بمراجعة المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به، بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية. كما نص على احتساب أتعاب محاماة للمحامي المنتدب بمبلغ خمسين ألف دينار عراقي تدفع من خزينة الدولة.
أحكام بالسجن بحق ضابطَي "لجنة أبو رغيف" بتهمة تعذيب المعتقلين
في تطور أكثر أهمية يرتبط بملف "لجنة أبو رغيف" نفسه، كشفت مصادر قضائية خاصة لشبكة "انفوبلس" عن إصدار محكمة جنايات الكرخ اليوم حكماً بالسجن عامين بحق ضابطين اثنين من اللجنة المنحلة، وهما: العميد سالم صكبان، والعميد عمار أحمد.
وتأتي هذه الأحكام بتهمة تعذيب المعتقلين، بعد ثبوت ارتكابهما "انتهاكات جسيمة بحق عدد من الموقوفين، ما يشكل خرقاً واضحاً لحقوق الإنسان والإجراءات القضائية"، وفقاً للمصادر.
خلفية "لجنة أبو رغيف" الجدلية
تم تشكيل لجنة "أبو رغيف" في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بهدف مكافحة الفساد والجريمة المنظمة في العراق. إلا أن عملها شابته العديد من الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان ومخالفة مبدأ الفصل بين السلطات. وفي أوائل شهر آذار 2022، قررت المحكمة الاتحادية العليا حل اللجنة بشكل نهائي، معتبرة إياها "غير دستورية" بسبب الاتهامات الموجهة لأعضائها بالضلوع في انتهاك كرامة الإنسان ومخالفة الصلاحيات.
توصيات حكومية وتأكيد على المحاسبة
في منتصف عام 2023، صادقت الحكومة العراقية الحالية، على توصيات اللجنة التحقيقية المشكلة بحق الرئيس السابق للجنة مكافحة الفساد، الفريق أحمد أبو رغيف، وجميع أعضاء اللجنة والضباط والمنتسبين المرتبطين بها.
وقد تضمنت أبرز توصيات اللجنة ما يلي:
*إحالة الملف والأوراق التحقيقية الكاملة إلى القضاء؛ لثبوت تقصير الموقوفين والمكفلين والهاربين وكلّ من ورد اسمه في التحقيق القضائي، لينال الجزاء العادل.
*إحالة الأفراد الذين أسهموا بتلك الانتهاكات إلى التقاعد.
*عدم تسلّم الضباط والمنتسبين المشاركين في تلك الانتهاكات أي منصب في الخدمة العامة مستقبلاً.
*متابعة هيئة النزاهة حالات تضخم الأموال للمتهمين المنسوبين إلى اللجنة (29) الملغاة.
*توجيه العقوبة الإدارية إلى العناصر والأفراد الذين امتنعوا عن إبلاغ مراجعهم بارتكاب منسوبي اللجنة الإساءات والانتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي ضوء هذه التوصيات، صادق وزير الداخلية على لجنة التحقيق الإداري المتضمنة إحالة الفريق أحمد أبو رغيف وثمانية ضباط ومنتسب واحد إلى التقاعد، لمخالفتهم أحكام القانون. وأكدت وزارة الداخلية أن اللجنة التحقيقية اتخذت جميع إجراءاتها تحت إشراف القضاء ومتابعته، والتزمت بالمسارات الدستورية والقانونية، وذلك لـ"إظهار الحقائق بأنصع صورة شفافة وقانونية" وحفظ سمعة الأجهزة الأمنية.
وفي السياق ذاته، كشف جهاز الأمن الوطني في نفس الوقت، عن إحالة الفريق أول أحمد أبو رغيف و13 ضابطاً آخر على التقاعد، ومنع تسلمهم أي منصب لثبوت تقصيرهم وفقاً للقضاء. كما دعا هيئة النزاهة لمتابعة "تضخم أموال أبو رغيف والضباط الآخرين" في حال ثبوت ذلك.
اتهامات دولية ودور القوات الأمريكية
يُشار إلى أن تقريراً لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية كان قد أكد أن عمليات التعذيب التي كانت تقوم بها لجنة (29) التابعة لأحمد أبو رغيف، بحجة مكافحة الفساد في حكومة الكاظمي، قد جرت بعلم القوات الأمريكية في مطار بغداد، مما يضيف بُعداً دولياً لهذه القضية المعقدة.
وفي تحقيق نشرته الصحيفة الأميركية بينت أن هذه الحملة قامت على سلسلة من المداهمات الليلية وحظيت بتغطية إعلامية واسعة في أواخر عام 2020 على منازل الشخصيات العامة المتهمة بالفساد، والتي أُجريت تحت سلطة اللجنة الدائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة، المعروفة باسم اللجنة 29؛ التي كان يرأسها الفريق أحمد طه هاشم (أبو رغيف)".
لكن ما حدث للموقوفين خلف الأبواب المغلقة كان أكثر قتامة بكثير، حيث استخدمت الأساليب البشعة لمؤسسة أمنية تعهد رئيس الوزراء حينها مصطفى الكاظمي بمعالجة انتهاكاتها.
واستسقت الصحيفة معلوماتها من أكثر من 20 مقابلة مع الموقوفين -الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم- تظهر صورة لعملية اتسمت بالإساءة والإذلال للحصول على توقيعاتهم على اعترافات مكتوبة مسبقا بدلا من المساءلة عن أعمال الفساد؛ حيث يستذكر أحد المحتجزين السابقين قائلا "لقد مارسوا علينا كل أنواع التعذيب، الصعق بالكهرباء، الخنق بأكياس بلاستيكية، وعلقونا بالسقف من أيدينا وجردونا من ملابسنا".
وذكر تحقيق الصحيفة أن المزاعم القائلة، إن العملية شابتها الانتهاكات أصبحت سرّا بين الدبلوماسيين في بغداد، لكن المجتمع الدولي لم يبذل الكثير لمتابعة الادعاءات وقلل مكتب رئيس الوزراء من أهمية هذه المزاعم. وعلى الرغم من أن لجنة برلمانية كشفت لأول مرة عن مزاعم التعذيب في عام 2021 وأثارت وسائل الإعلام العراقية القضية في فترات متقطعة، إلا أن هذه هي المحاولة الأشمل حتى الآن للتحقيق في الادعاءات وتوثيق حجم الانتهاكات.
وفي الأشهر الأخيرة من رئاسة الكاظمي لمجلس الوزراء، أعلن المسؤولون القضائيون أن أكبر فضيحة فساد في تاريخ العراق وقعت تحت إشرافه، مما أدى إلى إثراء السياسيين ورجال الأعمال من جميع الأطياف السياسية، وقد أُطلق على سرقة ما يقرب من 2.5 مليار دولار من خزائن الدولة اسم "سرقة القرن".
الخلاصة، يُعد هذا الحكم القضائي بحق العميدَين سالم صكبان وعمار أحمد مؤشراً على جديّة القضاء العراقي في تطبيق القانون ومحاسبة مرتكبي جرائم الاعتداء والتعذيب، خاصة تلك التي تمس حقوق الإنسان داخل المؤسسات الأمنية. وتؤكد هذه التطورات على استمرار جهود العراق لتعزيز سيادة القانون، ومكافحة الفساد، وحماية حقوق المواطنين في ظل التحديات الأمنية والاجتماعية التي يواجهها البلد.