مكافحة مستمرة ومواجهات دامية.. حرب المخدرات في العراق تشتعل في المحافظات الحدودية
انفوبلس..
منتصف شباط/ فبراير الماضي، كشفت إحصائية رسمية عن أن الحرب ضد تجار ومتعاطي المخدرات في البلاد تُطيح بـ47 متهما وتضبط 21 ألف كيلو غراما من السموم البيضاء و17 ألف قرص مخدِّر في معدل يومي.
وأعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية العراقية بوزارة الداخلية الإطاحة بمئات المتهمين من تجار ومروجي وناقلي ومهرّبي المخدرات وضبط عشرات آلاف الكيلوغرامات من السموم البيضاء ومثلها من الأقراص المخدرة خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي وحده.
وأضافت المديرية في بيان، أنه بإشراف شخصي من وزير الداخلية عبد الأمير الشمري وبجهود دولية ومحلية فقد تم تنفيذ عمليات نوعية أسفرت عن إلقاء القبض على (1417) متهما بتجارة وترويج ونقل وتهريب المخدرات وضبط (63369) كيلو غراما من المخدرات بمختلف الأنواع و(522186) قرصا مخدرا ومؤثرا عقليا خلال ذلك الشهر وحده.
وأشارت إلى أن هذه العمليات تمت وفقاً لمذكرات قبض قضائية فيما أصدرت المحاكم المختصة قرارات الحكم بحق (579) مُدانا ولا تزال الإجراءات التحقيقية جارية بحق باقي المتهمين وفق القانون.
وشددت المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية على تصميمها بالاستمرار وتصعيد مواجهاتها وملاحقتها "لكل من له مساس بجريمة المخدرات".
وفي منتصف الشهر الذي تلاه، آذار/ مارس، أكد مدير العلاقات والإعلام في مديرية مكافحة المخدرات العقيد بلال صبحي، أن تجارة المخدرات جريمة عابرة للحدود تستهدف العراق وترتبط بالعديد من الجرائم الأخرى.
وقال صبحي إن "تجارة المخدرات جريمة عابرة للحدود تستهدف العراق وترتبط بالعديد من الجرائم الأخرى، وأصبحت عصابات المخدرات تستهدف المجتمع بسبب الفقر والبطالة واستدراج الشباب إلى هذه الآفة وهناك عدة أسباب أدت إلى انتشار المخدرات منها أمنية واقتصادية ومجتمعية".
وأضاف، "قانون المخدرات رقم 70 لسنة 2014 فرضت خلاله عقوبات قاسية على المتاجرين والمتعاطين قد تصل في بعض حالاتها إلى الإعدام والحبس الشديد"، موضحا أن "المادة 28 تشمل المُتاجِر والناقل والمروّج أما المتعاطين فهم ضمن المادة 32 من قانون المخدرات وأي شخص استُدرِج بالتعاطي يقدِّم نفسه للعلاج لا تُقام أي دعوى جزائية ضده".
وأشار صبحي إلى أن "عمليات إلقاء القبض على تجار المخدرات وتفكيك العصابات وخلال الشهرين الماضيين تم إلقاء القبض على 2000 متهم وفي العام الماضي تم إلقاء القبض على أكثر من 16000 متهم ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات".
وبيّن أن "عصابات المخدرات تستهدف الجميع والفئة الأكبر هي من الشباب الذكور من عمر 18 إلى 30 سنة والإحصائيات التي نجريها تؤكد بداية الانتشار للمخدرات في البلاد وهناك أمل في القضاء على هذه الظاهرة".
ولفت صبحي إلى أن "أكثر مادة انتشارا هي مادة الكريستال والحشيشة وتدخل عبر محافظة ميسان بشكل أكثر والكيبتاجون والحبوب المخدرة تدخل عن طريق محافظة الأنبار، ولا توجد محافظة خالية من المخدرات والمحافظات الحدودية هي الأكثر انتشارا لها".
مديرية مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة لوزارة الداخلية كشفت في بيان مقتضب، أن "وزير الداخلية عبد الأمير الشمري عازم على أن يكون عام 2023 عاما لنهاية المخدرات في العراق".
مواجهات دامية
في مطلع العام الحالي دخلت القوات الأمنية العراقية في مواجهة مسلحة مع أحد تجار المخدرات بمحافظة المثنى (جنوبي العراق) واستمرت لأكثر من 10 ساعات، أسفرت عن مقتل منتسبين اثنين من قوات الأمن وإصابة 13 آخرين بينهم ضباط، فيما تمكن تاجر المخدرات من الهرب برفقة أطفاله وزوجته.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، تمكنت الشرطة بمدينة البصرة من قتل (الخفاش) وهو أبرز شخصية في تجارة المخدرات بالمدينة، وذلك بعد مطاردة ومواجهة لساعات، انتهت بمقتله ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات كانت بحوزته.
وفي محافظة البصرة أيضا في أغسطس/ آب 2019، وقعت مواجهة مسلحة بين عصابة تتاجر بالمخدرات ومفرزة أمنية من الشرطة في منطقة أبي الخصيب، كانت الحصيلة مقتل ضابط برتبة نقيب ومنتسب آخر فيما تمكنت الشرطة من القبض على العصابة بالكامل.
وفي يوليو/ تموز 2022، دخلت الشرطة في معركة مسلحة بمنطقة حدودية بين محافظتي ذي قار والمثنى مع تجار مخدرات، استمرت لأكثر من ساعة أُصيب خلالها أحد التجار وهرب الآخرون إلى أماكن مجهولة، فيما تلقى ضابط بالأمن الوطني رصاصة في الرقبة كادت أن تودي بحياته.
وفي ميسان حصلت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مواجهة مع تجار مخدرات وسط المدينة، انتهت بمقتل عنصر أمني والقبض على 3 تجار مخدرات، خلال عملية مداهمة لمقرهم.
وفي 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، حدثت مواجهة بين تاجر مخدرات وقوات أمنية بمحافظة ذي قار استمرت 5 ساعات انتهت بالقبض عليه ومصادرة حبوب مخدرة.
لم تكن هذه المواجهات والمصادمات المسلحة تحصل بين الشرطة وتجار المخدرات في مدن جنوب العراق قبل أكثر من 5 سنوات، حيث كانت العمليات الأمنية عادة تنتهي بالقبض على المجرمين دون إطلاق رصاصة واحدة.
التغيّر الذي حصل في ملف المخدرات بحسب متابعين في الشأن الأمني، هو دخول بعض شيوخ العشائر على خط التجارة إلى جانب أشخاص، إضافة للتراخي الأمني الذي حصل منذ انطلاق احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
خطوط وتهريب المخدرات
يؤكد مصدر أمني رفيع أن هناك عدة خطوط رئيسية يتم تهريب المخدرات عن طريقها وهي عبر منفذ الشيب الحدودي بمحافظة ميسان، مشيرا إلى أن أكثر مادة تدخل هي مادة الكريستال المخدرة بأنواعها.
وأضاف المصدر أن بعض المنافذ في محافظة البصرة يتم تمرير المخدرات منها إلى محافظة ذي قار ومحافظات أخرى، مشيرا إلى أن أكثر ما يتم تهريبه هو الكريستال ونادرا ما يتم تمرير الحبوب المخدرة الأخرى.
الحبوب المخدرة، كما يقول المصدر، عادة ما تأتي عن طريق محافظة الأنبار، فهي تمثل الموزع الرئيسي للحبوب إلى كل العراق ومنها إلى الجنوب، لافتا إلى أنه يتم تهريب الحبوب المخدرة أحيانا عن طريق بعض المنتسبين العسكريين خلال نزولهم أيام الإجازة، حيث لا يتم تفتيشهم عند النقاط الأمنية بين المحافظات.
وأضاف المصدر أن تهريب المخدرات يتم كذلك عبر بعض الشاحنات التي تحمل الطابوق، إضافة لاستخدام النساء وبعض شيوخ العشائر، وهؤلاء لا يتم تفتيشهم.
جهود حكومية
على الرغم من كل المصادمات والمواجهات التي تحصل بين فترة وأخرى مع تجار المخدرات وما تقدمه الشرطة من جهود في مجابهة انتشارها، استطاعت خلالها القبض على المئات من المتعاملين بالمخدرات وإحالتهم للقضاء فحُكِم على العديد منهم بالسجن والغرامات المالية الكبيرة.
يقول مدير إعلام قيادة شرطة ذي قار العميد فؤاد كريم، إن عدد المقبوض عليهم في تُهَم تتعلق بالمخدرات في محافظة ذي قار خلال عام 2021، يربو على 762 شخصا، توزّعوا ما بين تعاطٍ وحيازة ومتاجرة، بينما في عام 2022، كان الرقم أعلى بكثير حيث تم القبض على 1079 شخصا ما بين تعاطٍ وحيازة ومتاجرة، كما تم ضبط آلاف الحبوب المخدرة وأكثر من 10 كيلوغرامات من الكريستال والحشيشة.
وكانت المديرية العامة لمكافحة المخدرات في العراق قد ذكرت أن القوات الأمنية تمكنت من القبض على 7500 شخص متهم بقضايا مخدرات خلال عام 2020، في حين أُلقي القبض على نحو 13 ألف شخص خلال 2021، فيما كانت حصيلة 10 أشهر من عام 2022، القبض على نحو 14 ألف متهم بقضايا مخدرات في كل العراق.
جهود اجتماعية لمكافحة المخدرات
وفي إطار الجهود لمكافحة المخدرات افتُتِح في يناير/ كانون الثاني 2022، مركز الحياة للتعافي بمستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار الذي تتركز مهمته في علاج المُدمنين على المخدرات، وتطوّع في هذا المركز 14 شخصا، كما أوضح أمجد حسين وهو أحد أعضاء الفريق المتطوع.
وأضاف حسين، أن المركز يرفع شعار "حياة بلا مخدرات"، وبدأ في استقبال المتعاطين بشكل واسع، حيث وصل عدد الذين تم تأهيلهم منذ بداية افتتاحه وحتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أكثر من 1090 شخصا، بعضهم من بغداد والبعض الآخر من الديوانية والنجف.
وحسب حسين، فإن المركز يستقبل من لديهم الرغبة في ترك المخدرات والذين عرفوا به من خلال منشورات وحملات يقوم بها المتطوّعون على مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع حتى يتحول المتعاطي إلى إنسان إيجابي في المجتمع.
استراتيجية جديدة
ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، إن وزارته تبنّت استراتيجية متعددة الأبعاد لمكافحة المخدرات، إذ تهدف لبناء قاعدة معلومات رئيسية عن أماكن وجود التجار ونشاطاتهم وطرق عبور المواد المخدرة ومرورها بالبلاد، وذلك بغية وضع وتنفيذ الخطط الكفيلة باستهداف هؤلاء التجار في الوقت المناسب.
ويضيف المحنا، إن وزارة الداخلية دعمت وحدات مكافحة المخدرات من خلال ربطها بوكالة الاستخبارات والاستفادة من إمكاناتها العسكرية والتكتيكية والتقنية والفنية كافة لإسناد مديرية مكافحة المخدرات.
وتأسيساً على ذلك، يؤكد المحنا إنه خلال فترة وجيزة، سجلت القوات الأمنية نجاحا كبيرا في مكافحة المخدرات كمّاً ونوعاً، إذ ضبطت مئات الكيلوغرامات من المواد المخدرة والحبوب، وتمكنت من قتل واعتقال كبار التجار ورؤساء العصابات، وفي المقابل، فقدت الوزارة عديدا من ضباط ومنتسبي أجهزة مكافحة المخدرات خلال العمليات.
أما عن ظاهرة انتحار بعض تجار المخدرات خلال المطاردة وفي أثناء محاصرتهم من قبل الأجهزة الأمنية، فأوضح المحنا أن مواجهة القوات الأمنية تعني أحكاما قضائية قاسية تصل إلى الإعدام، لا سيما أن أغلب العمليات تشهد صدامات مسلحة مع قوات الأمن، حيث تستخدم القوات الأمنية خبراتها وتكتيكاتها وقوات الردع في عميات الدهم والاعتقال.
ولا تقف استراتيجية وزارة الداخلية عند هذا الحد، ففي خطوة هي الأولى من نوعها، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري منتصف مارس/ آذار الماضي مديرية مكافحة المخدرات بتشكيل لجنة لغرض إجراء الفحص الطبي المفاجئ لضباط وموظفي وعناصر الوزارة، على أن يتم ذلك في أوقات مختلفة ببغداد والمحافظات، بدءا من الأول من أبريل/ نيسان الحالي، وذلك بهدف كشف حالات تعاطي المواد المخدرة بين منتسبي الوزارة.
في غضون ذلك، يؤكد المتحدث باسم مديرية مكافحة المخدرات العقيد بلال صبحي أن مديريته تنفذ عمليات نوعية ضد كبار تجار المخدرات، مبينا أنه خلال الشهرين الماضيين أُلقي القبض على أكثر من 2800 متهم بالتجارة والترويج والتعاطي، وضبط أكثر من 100 كيلوغرام من المواد المخدرة وأكثر من 1.5 مليون حبة من حبوب الكبتاغون والمؤثرات العقلية.
ويقول صبحي، إن مديريته فقدت عديدا من الضحايا خلال عمليات الدهم والمطاردة، لافتا لعدم توفر إحصائية بعدد ضحايا المداهمات من منتسبي الأمن بسبب أن العمليات التي تجري غالبا ما تكون مشتركة بين وزارة الداخلية والقوات الأمنية والعسكرية الموجودة في مسرح العمليات، وفق قوله.
القضاء وملف المخدرات
قبل يومين، أصدر القضاء العراقي حكما بالإعدام شنقًا حتى الموت بحق أحد أكبر تُجار المخدرات في العراق، جاء هذا بعد اعتقاله من قبل هيئة التحقيقات والأمن الوقائي في المديرية العامة للأمن والانضباط في هيئة الحشد الشعبي.
وذكرت مديرية الأمن (التحقيقات والأمن الوقائي) في الحشد ببيان أمس الثلاثاء، أن القضاء العراقي أصدر حكم الإعدام بحق أحد أكبر تُجار المخدرات المختص، حيث تم اعتقاله في محافظة الأنبار بقضاء هيت في ناحية المحمدية كما ضُبطت معه كمية كبيرة من المواد المخدرة وأكياس “الكبتاغون” كان ينوي بيعها في عدد من المحافظات.
وأضاف البيان، أن التاجر يمارس تجارة المخدرات دوليًا بعد شرائها من الخارج ليتم توزيعها على عدد من محافظات العراق حتى تمكنت هيئة التحقيقات من ضبطه مع المواد المخدرة بعد أخذ الموافقات من قِبل القاضي المختص.
هذا الحكم ليس الأول ولن يكون الأخير، حيث تصدر المحاكم المختصة في العراق بين الحين والآخر العديد من الأحكام بحق تجار المخدرات والمتعاطين تتراوح عقوباتها بحسب نوع وكمية المواد المُتاجَر بها، وتبدأ من السجن لمدة سنة وتصل إلى الإعدام.