من ساحة التظاهر إلى زنزانة الحكم.. "إحسان أبو كوثر" يُدان بالقتل وحكم قضائي بسجنه 15 سنة

انفوبلس/..
منذ أن اندلعت احتجاجات تشرين قبل سنوات، لم تهدأ تداعياتها السياسية والاجتماعية، وظل أثرها حاضراً في المشهد العراقي، سواء في الشارع أو في أروقة القضاء. فيما يرى البعض أن الحراك فتح ملفات معقدة لا تزال تتفاعل حتى اليوم، من بينها قضايا تتعلق بالعنف، والاتهامات، والملاحقات القانونية.
في هذا السياق، يعود اسم إحسان أبو كوثر إلى الواجهة، ليس من بوابة التظاهر هذه المرة، بل من داخل أروقة المحاكم. قضية شغلت الرأي العام في ذي قار، وأثارت موجة من التفاعل، بين من يتابعها باعتبارها جزءًا من مسار العدالة، ومن يراها في إطار أوسع يرتبط بتداعيات الحراك نفسه.
وبينما كان إحسان أبو كوثر يطرح نفسه كثائر ووطني، تبين فيما بعد أنه قاتل، والمصيبة الكبرى أن المقتول هو أحد المشاركين في تظاهرات تشرين، بحسب ما بينه حكم قضائي صدر اليوم.
*الحكم
أفاد مصدر أمني في ذي قار جنوبي العراق، اليوم الأحد، بأن محكمة جنايات المحافظة أصدرت حكمًا بالسجن لمدة 15 عاماً بحق الناشط البارز في التظاهرات إحسان أبو كوثر.
وأوضح المصدر، أن الحكم صدر بعد إدانته بجريمة قتل أحد المتظاهرين، وفق أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
*تأكيد الاعتقال
وفي تأكيد لخبر الاعتقال، نشر شقيق الناشط إحسان أبو كوثر، منشورا على فيسبوك جاء في نصه: "حسبي الله ونعم الوكيل، اخوي احسان انحكم 15 سنة ظلم، صعدوا شهود زور ضده".
وفي منشور على فيسبوك أيضاً، علق شقيق الضحية الذي قُتل على يد احسان ابو كوثر، بالنص: "الحمدلله شكرا للقضاء العراقي. دم اخوي حمزة ما راح. الحكم على القاتل احسان ابو كوثر 15 سنة".
وأتم: "نعم نعم للقانون".
*النص القانوني
وتنص المادة 406 على الآتي:
1. يعاقب بالإعدام من قتل نفسا عمدا في إحدى الحالات التالية:
أ ـ إذا كان القتل مع سبق الإصرار و الترصد.
ب - إذا حصل القتل باستعمال مادة سامة أو مفرقعة أو متفجرة.
ج - إذا كان القتل لدافع دنيء أو مقابل أجر، أو إذا استعمل الجانى طرقاً وحشية في ارتكاب الفعل.
د - إذا كان المقتول من أصول القاتل.
هـ - إذا وقع القتل على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك.
و - إذا قصد الجاني قتل شخصين فأكثر فتم ذلك بفعل واحد.
ز - إذا اقترن القتل عمداً بجريمة أو أكثر من جرائم القتل عمداً أو الشروع فيه.
ح - إذا ارتكب القتل تمهيداً لارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تقل على سنة أو تسهيلاً لارتكابها أو تنفيذاً لها أو تمكيناً لمرتكبها أو شريكه على الفرار أو التخلص من العقاب.
ط - إذا كان الجاني محكوماً عليه بالسجن المؤبد عن جريمة قتل عمدي وارتكب جريمة قتل عمدي أو شرع فيه خلال مدة تنفيذ العقوبة.
2 - وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد في الأحوال التالية:
أ - إذا قصد الجاني قتل شخص واحد فأدى فعله إلى قتل شخص فأكثر.
ب – إذا مثّل الجاني بجثة المجنى عليه بعد موته.
ج - إذا كان الجاني محكوما عليه بالسجن المؤبد في غير الحالة المذكورة في الفقرة ( 1 - ط ) من هــذه المادة وارتكب جريمة قتل عمدي خلال مدة تنفيذ العقوبة.
*الاعتقال
بحسب مصادر أمنية تحدث لشبكة "انفوبلس"، فإنه تم اعتقال الناشط إحسان الهلالي المعروف باسم "إحسان أبو كوثر" صباح يوم السبت 8 آذار/ مارس 2025 في محافظة ذي قار. إذ ذكرت المصادر (رفضت الكشف عن هويتها) أن "قوة أمنية تابعة لقيادة شرطة المحافظة داهمت، منزل أبو كوثر الذي يعتبر أبرز متظاهري تشرين في الناصرية، واعتقلته".
وأضافت المصادر، أنه "سيتم تحويله لاحقا إلى مديرية الاستخبارات العامة كونه مطلوبا لها"، لافتا الى أن "أمر الاعتقال تم بناءً على شكوى تقدم بها أحد المواطنين ضده، فيما تم فتح ملف أوامر القبض الصادرة بحقه سابقا والتي يتجاوز عددها 5 أوامر قبض".
ولم تكشف المصادر الرسمية سواء قيادة شرطة محافظة ذي قار أو وزارة الداخلية عن المزيد من التفاصيل حول ملابسات الاعتقال، لكن نهاية العام الماضي 2024، أكدت وزارة الداخلية على لسان المتحدث باسمها مقداد ميري، أن الناشط "إحسان أبو كوثر" مطلوب للقضاء العراقي ولكن لم يتم اعتقاله.
وفي التاسع عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي 2024، داهمت قوة أمنية منزل الناشط المدني إحسان أبو كوثر بمنطقة حي الشهداء وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة، بحسب مصدر أمني تحدث لشبكة "انفوبلس" وقتها، لكنها لم تتمكن من العثور عليه والقوة الأمنية غادرت خالية الوفاض، دون اعتقال أحد، لافتا إلى أن "هذه المرة الثالثة التي تداهم قوة أمنية منزل أبو كوثر دون العثور عليه".
*الابتزاز والتخريب
الناشط أبو كوثر ظهر في مقطع فيديو يوم 22 أيلول 2022، بعد اتهامه بالابتزاز، وأطلق النار على قدميه، وتحدى وجود أي دليل ضده وأكد أنه منذ ثلاث سنوات يدافع عن المحتجين ويخدمهم، على حد قوله.
جاء ذلك على إثر توجيه رسالة من قبل النائب عن امتداد (فلاح الهلالي) عبر منشور له في فيسبوك، للناشط (إحسان أبو كوثر) وكونه متورطا بتهم وشبهات فساد، قائلا: "لماذا من نحرق بيتك عندما تعلم وتسكت عن العدد الهائل الذي وصل العدد الى ما يقارب ٥٠٠٠ ألف جريح في ثورة تشرين في ذي قار فقط، وكلنا نعرف المسؤول عن هذا الملف شخص مقرب منك وبالواقع لا يتعدى الجرحى الحقيقيين الى 1000 جريح، والى اليوم الجرحى الحقيقيون لم يحصلوا على مستحقاتهم في الغراف، أما عدد الجريحات فوصل الى 700 وكلنا نعرف أن النساء كانت لا تخرج في فترات التصعيد، لماذا لا نحرق بيتك عندما تحصل على أموال وتبرعات مشبوهة والدليل في يوم واحد تم توزيعك 20 ستوتة بمبلغ يقدر 30 مليون من أين هذه الأموال ولماذا تعطى لك بالذات؟ ولماذا لا تعتبر هذه الملفات خيانة الى دماء الشهداء؟".
ليصيب أبو كوثر نفسه برصاصة احتجاجًا على اتهامه بالفساد من قبل النائب.
كما أقدم إحسان الهلالي "أبو كوثر" سابقاً على حرق مكتب رئيس "حركة امتداد" المنبثقة عن احتجاجات تشرين علاء الركابي، احتجاجاً على حضور بعض قيادات الحركة لاجتماع مرشح "الإطار التنسيقي" لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني، بحسب شهود عيان تحدثوا لشبكة "انفوبلس" حينها.
*ضبط الأمن في ذي قار من المخربين
في السابع من أكتوبر الماضي 2024، تسلم اللواء نجاح ياسر كاظم العابدي رسمياً مهامه الجديدة قائداً لشرطة ذي قار، خلفاً للواء مكي شناع الخيكاني، الذي طلب إعفاءه من منصبه وتعيينه مديراً لإدارة المراتب في وزارة الداخلية.
عندما تسلم اللواء نجاح ياسر العابدي مهامَّ منصبه الجديد مديراً لشرطة محافظة ذي قار وقبل أن يجلس إلى مكتبه في منصبه الجديد أخرج مذكّراتِ إلقاء قبض مجمَّدةً منذ خمس سنوات، ثمّ باشر بتنفيذها، وألقت قوّات الشرطة المحلّية القبض على عشرات من الشباب، واستمرّت عمليات مداهمة البيوت وإلقاء القبض، لتعلن قيادة شرطة ذي قار الخميس (17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) أنّ الحصيلة كانت القبض على أكثر من 500 متَّهم.
وبحسب المصادر الأمنية التي حصلت عليها شبكة "انفوبلس" في محافظة ذي قار فإن بعضهم صدرت في حقّهم أوامر قضائيةٌ بتهم قطع الشوارع وحرق الإطارات وإثارة أعمال الشغب في تظاهرات أكتوبر (2019).
وفي السياق نفسه، زعم الناشط السياسي حسين الغرابي أن "قائد الشرطة قام بتفعيل قضايا تشرين 2019 وهي قضايا لا تحتوي على أي جرائم ابتزاز أو فساد، بل دعاوى سياسية تتعلق بالاحتجاج. ويتساءل عن "سبب متابعة القوات الأمنية لقضايا الاحتجاجات وترك قضايا الفساد الكبرى كقضية نور زهير وغيرها"، لافتا إلى أنه "على قائد الشرطة أن يكون أكثر حكمة بتصرفاته وتصريحاته، لأن الرد سيكون أكبر على أي استفزاز لشباب الناصرية في المرة المقبلة".
لكن قائد شرطة ذي قار، نجاح العابدي، أكد أن مديرية الشرطة تعمل على تنفيذ أوامر إلقاء القبض الصادرة من القضاء فقط، دون تدخل في طبيعة تلك الأوامر، لافتا إلى أن "من يرى أن الدعاوى المقدمة ذات طابع كيدي، فعليه إثبات ذلك أمام القضاء وليس أمام المديرية التي تعد جهة تنفيذية فقط".
والمحلل السياسي المقرب من رئيس الوزراء عائد الهلالي، يشير من جانبه، الى أن "الدولة العراقية في حالة تعافٍ، وهي ملزمة بتطبيق الأمن والقانون، ففي الفترة الماضية حصلت جرائم جنائية كثيرة جدا، والاعتقالات التي جرت في الناصرية ربما تأتي ضمن هذا الإطار".
ويتابع المحلل السياسي، أن "الأمور في ذي قار طيبة، والوضع هادئ وهناك حالة من الإعمار والتطور، لذا يجب أن لا نذهب بعيدا، وتتم توسعة الموضوع، لأنه لا يستحق الخوض به كثيرا، فالاعتقالات كانت ضد متهمين بجرائم جنائية، والدولة ملزمة بتطبيق القوانين وتنفيذ مذكرات القبض الصادرة عن القضاء".
وينفي الهلالي "وجود أي استهداف في حملة تنفيذ المذكرات القضائية"، لافتا إلى أن "معالجات الحكومة غالبا ما كانت مهنية، فالكثير من المشكلات في العديد من المحافظات جرت معالجتها بشكل هادئ".
*رد "حازم" من الداخلية
وبدورها، نفت وزارة الداخلية، أن تكون الحملة الأمنية في محافظة ذي قار بدوافع سياسية لاستهداف المتظاهرين، مؤكدة أن مذكرات القبض التي نُفذت لا تتعلق بالتظاهرات، حيث تم اعتقال 669 متهماً بجرائم مختلفة.
وقال المتحدث باسم الوزارة مقداد ميري في شهر أكتوبر الماضي 2024، إنه "لا نعمل بمبدأ الاستفزاز، فما حصل هو استبدال قائد شرطة ذي قار بقائد جديد، ولكل واحد منهم أسلوب خاص في التعامل مع الملف الأمني، فالمحافظة تعيش أوضاعا غير طبيعية، حيث كان بإمكان 5 أشخاص قطع أي طريق فيها، وما قمنا به هو استعادة فرض القانون بناء على تقييمات معتمدة في كل المحافظات، ولا وجود لأي استفزاز لتشرين".
وأضاف، "مذكرات القبض المنفذة لا تتعلق بموضوع التظاهرات، وتم إلقاء القبض على 669 متهماً لغاية الآن، بينهم 10 مطلوبين وفق قانون الإرهاب، 25 بدعاوى قتل وفق المادة 406، 15 متهماً بقضايا مخدرات، 30 متهماً بدعاوى سرقة، 7 تسليب، 1 خطف، 22 جرائم مخلة بالشرف، 30 جريمة احتيال، 20 شروعا بالقتل، 25 جريمة اعتداء على الموظفين، 38 دكة عشائرية، 456 متهما بقضايا جنائية متفرقة".
وبين، "السبعون متهماً الذين طالب بهم المحتجون لم يتم اعتقالهم لأنهم متظاهرون أو تشرينيون، وإحسان أبو كوثر لم يتم القبض عليه لغاية الآن لكنه متهم بقضية وصدرت بحقه مذكرة قبض، ونؤكد مجدداً لا علاقة لنا بالسياسة، وتنفيذ أوامر القبض لا علاقة لها بـ"الطبخات السياسية".
وأكد بالقول، "استبدال القائد السابق إجراء فني، وتدوير وظيفي، فإذا كان لديه تلكؤ "خوما نسوي آمر إدارة المراتب"، ولا نقبل بالمساومة على أمن المحافظة، و90% من مجتمع ذي قار يؤيد الحملة الحالية لفرض القانون، بل كل ما قمنا به مستند إلى مناشدات ورسائل وصلتنا بالعشرات".
وشدد على، "الناس بدت تنهزم" والشركات تغادر المحافظة بسبب عمليات الابتزاز، وتهديد الدوائر الرسمية، فذي قار يجب أن تحظى بنفس مستوى الأمن في البصرة وغيرها، وأنا أضمن من يريد تسليم نفسه، وليأتوا بفريق محامين معهم لعرض قضاياهم على القضاء، وإذا تمت تبرئتهم يذهبوا لحال سبيلهم معززين مكرمين، لكن لن نسمح مجدداً بتكرار السلوكيات السابقة".