هل بدأت واشنطن بالرحيل؟.. ضربات المقاومة الإسلامية في العراق تُخرج قاعدة هيموس الأمريكية عن الخدمة.. الأمريكان يُخلون قاعدتهم في ريف القامشلي
انفوبلس..
كشفت مصادر سورية عن إخلاء القوات الأميركية لقاعدتها العسكرية في قرية "هيموس" غربي مدينة القامشلي في ريف الحسكة، وذلك بعد أيام من تعرضها لهجوم نفذته فصائل المقاومة الإسلامية في العراق.
كما أكدت المصادر وصول تعزيزات عسكرية للقوات الأميركية، إلى سجن الصناعة في مدينة الحسكة، تزامناً مع تحليق للطيران المروحي في سماء المنطقة.
وتعتبر قاعدة "هيموس"، من القواعد الحيوية بالنسبة للقوات الأميركية، إذ تبعد مسافة 4 كم إلى الغرب من مطار القامشلي، وهي من القواعد التي زادت قيادتها مؤخراً، من تعداد عناصرها بداخلها، إلى نحو 350 عنصراً.
كما تحوي قرية هيمو، على معسكر للتدريب تابع لقوات "قسد"، بإشراف من القوات الأميركية، وهو معسكر خاص لتدريب القوات الخاصة، التابعة لـ"قسد"، والتي تعرف باسم "هات".
ضربات المقاومة
وكانت فصائل المقاومة الإسلامية العراقية قد أعلنت، يوم الأربعاء، العاشر من كانون الثاني/يناير الجاري، استهداف قاعدة "هيموس" العسكرية الأميركية، الواقعة إلى جهة الغرب من مطار القامشلي شمال شرقي سوريا بصلية صواريخ، دون معرفة حجم الأضرار التي لحقت بالقاعدة.
وتواصل المقاومة الإسلامية في العراق، منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، استهدافها القواعد الأميركية في العراق وسوريا. وتؤكد، في بياناتها، أنّ الضربات تأتي استمراراً لنهجها في مقاومة قوات الاحتلال الأميركي في العراق والمنطقة، ورداً على مجازر الكيان الإسرائيلي بحق أهالي غزة.
ولا تقتصر استهدافات المقاومة الإسلامية في العراق على القوات الأميركية، بل طالت أهدافاً إسرائيليةً أيضاً، ووسّعت المقاومة العراقية دائرة استهدافها في ظل العدوان المتواصل على قطاع غزة لأكثر من 3 أشهر، إذ تبنّت عدة ضربات لأهداف حيوية في فلسطين المحتلة، ضمنها حيفا، وفي الجولان السوري المحتل.
محاولة حكومية خجولة
يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه المطالبات والضغوطات والاستهدافات الرامية لطرد القوات الأمريكية من العراق، ما دفع بالعديد من المراقبين إلى التكهن بأن إخلاء قاعدة هيموس ربما هو بداية لمرحلة جديدة ستنتهي بانسحاب القوات الأمريكية من العراق وسوريا.
وفي السادس عشر من الشهر الجاري، بحث رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، صياغة جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي في بيان أول أمس الثلاثاء: "التقى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وذلك على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي بدورته الـ54".
وأضاف البيان، إن "اللقاء شهد التأكيد على بدء أعمال اللجنة الثنائية الخاصة بمراجعة تواجد التحالف الدولي في العراق، التي جرى الاتفاق بشأنه خلال زيارة وزير الدفاع إلى الولايات المتحدة الأمريكية في شهر آب من العام الماضي، والبحث في صياغة جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية شاملة مع دول التحالف".
وأشار البيان إلى أن "اللقاء تطرق إلى دعوة الرئيس الأمريكي لرئيس مجلس الوزراء، لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتفاق على تعيين موعد محدد بين فريقي الرئيسين".
وشدد السوداني، خلال اللقاء، على "رفضه أي عمل يتسبب بانتهاك سيادة العراق، والقيام بالرد المباشر، ولاسيما الاعتداء الأمريكي الأخير الذي حصل في بغداد، مؤكدا في الوقت نفسه حرص الحكومة على التصدي لأية هجمات تطال القواعد التي تضم مستشاري التحالف الدولي".
وأشار رئيس مجلس الوزراء بحسب البيان إلى "الاضطرابات التي تشهدها المنطقة بسبب استمرار الحرب العدوانية على غزة"، مؤكدا أن "استقرار المنطقة ومحاولات الحد من اتساع الصراع تبدأ من وقف حرب الإبادة التي تستهدف أبناء الشعب الفلسطيني، وتنتهك القانون الدولي، مجددا تأكيده على ضرورة العمل على كل ما يضمن حق الفلسطينيين في العيش الكريم على أرضهم".
الوجود الأمريكي من وجهة نظر أمريكية
يوم أمس نشرت BBC الأمريكية تقريراً تناولت فيه احتماليات انسحاب قوات بلادها من العراق، وذكرت فيه بشكل "متوسط الصراحة" أسباب تواجدها في البلاد.
وجاء في التقرير، أنه بعد غزو قوات دولية تقودها الولايات المتحدة للعراق عام 2003 وإطاحتها بنظامه السابق، انسحبت تلك القوات من البلاد في عام 2011.
لكن في عام 2014، وبعد سيطرة (داعش) على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وإعلانه "الخلافة الإسلامية" في المناطق التي تمكن من بسط نفوذه عليها في العراق وسوريا، طلبت الحكومة العراقية رسميا من الولايات المتحدة والأمم المتحدة مساعدتها في هزيمة التنظيم وحماية أراضي العراق وشعبه، ما أفضى إلى عودة قوات تحالف بزعامة أمريكية إلى البلاد، وبدء ما يعرف بعملية "العزم الصلب" الرامية إلى مساعدة القوات العراقية على دحر قوات التنظيم واستعادة الأراضي التي سيطر عليها.
وبحسب بالتقرير، كان هدف القوات الأمريكية هو تدريب الجيش العراقي وتقديم المشورة له. كما وفر التحالف غطاء جويا لقوات الأمن العراقية والفصائل المسلحة وقوات البيشمركة الكردية التي حاربت التنظيم بين عامي 2015-2017، إلى أن تمت استعادة السيطرة على الأراضي التي انتزعها.
واحتفظت واشنطن بحوالي 2500 جندي في العراق، حتى بعد إنهاء مساعي تنظيم الدولة لإقامة خلافة إسلامية في عام 2019. وبحلول نهاية عام 2021، انتهت رسميا العمليات القتالية الأمريكية في العراق، وأصبحت مهمة قواتها هناك تقديم المشورة والعون للقوات العراقية لزيادة قدرتها على أن تعمل بشكل مستقل ضمن جهودها الرامية إلى التركيز على تحقيق الاستقرار للمناطق التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم وإعادة إعمارها، وفي الوقت ذاته مواصلة مداهمتها للمواقع الصغيرة التي لا يزال يتحصن بها التنظيم في غرب البلاد وفي مناطق واقعة عبر الحدود مع إقليم كردستان.
وهنا يكمن سبب الخلاف الكبير، حيث بقيت القوات الأمريكية في العراق حتى بعد 6 سنوات من إعلان هزيمة داعش في 2017 دون مسوّغ، وفي كل مرة تتحجج القوات الأمريكية والحكومات العراقية بأسباب مختلفة لهذا التواجد المرفوض شعبياً.
ويضيف التقرير، أن وجود القوات الأمريكية في العراق لطالما لاقى معارضة من قبل العديد من الفصائل العراقية. وفي بداية عام 2020، صدَق البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية.
ويتابع إن تهديدات عدة صدرت عن فصائل عراقية مسلحة بطرد القوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي العراقية في قاعدتي عين الأسد وأربيل. وتعرضت هاتان القاعدتان للعديد من الهجمات من قبل مسلحين عراقيين في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، لكنها هدأت في عهد رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، مرشح كتلة التيار التنسيقي، والذي تولى منصبه في أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2022.
ويقول الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي علاء مصطفى لـBBC إن "الانسحاب كان من ضمن الشروط التي وُضعت لحكومة محمد شياع السوداني، وقد تبنت هذا الموضوع. وبالمقابل، منحته الفصائل هدنة عززت موقفه لدى الجانب الأمريكي وأشعرته بأنه يمسك بالمفاتيح بيده ويسيطر على من يحمل السلاح".
وقد انهارت هذه الهدنة منذ اشتعال فتيل الحرب في غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ومنذ ذلك الحين، تعرضت القوات الأمريكية في العراق وإقليم كردستان العراق وسوريا إلى أكثر من 100 هجوم بالصواريخ أو المسيرات، من بينها هجوم صاروخي تعرضت له السفارة الأمريكية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
مصالح واشنطن من بقاء قواتها
من بين أبرز المصالح الأمريكية في الإبقاء على قواتها في العراق، وفقا لمقال بقلم ديفيد بولوك زميل برنامج برنشتاين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى نشر على موقع المركز على الإنترنت: الإبقاء على علاقات ودية مع العراق والتصدي للنفوذ الإيراني، ومنع إيران من "استغلال النفط العراقي". ويضيف بولوك أن انسحاب القوات الأمريكية "يخلق تهديدات إضافية لأمن إسرائيل، وأن "بلدان مجلس التعاون الخليجي كافة ترى القوات الأمريكية في العراق أساسا للوحدات العسكرية الأمريكية التي تستضيفها على أراضيها، وعاملا حيويا في دفاعها عن نفسها ضد إيران".
ويرى البروفيسور ستيف سايمون أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة واشنطن والمدير السابق لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس أوباما أن هناك عددا كبيرا من القطاعات العراقية التي تستفيد من الوجود العسكري الأمريكي.
ويضيف البروفيسور سايمون، أن "هناك فائدة مادية إذ تحصل الولايات المتحدة على خامات من العراق".
ولفت إلى إن هناك فائدة استراتيجية لأن الوجود الأمريكي يحول دون عودة داعش من جديد ويحقق توازنا مع إيران. والجيش العراقي يحصل على تدريب عالي الجودة وكذلك على معدات من الجانب الأمريكي، ولذلك يفضل بقاء الولايات المتحدة. كما أن الأكراد العراقيين يرون أن الوجود الأمريكي يحميهم من تركيا وإيران وبغداد، وهم كذلك يستفيدون من الناحية المالية من الوجود الأمريكي".
يتضح من خلال التقرير، أن الولايات المتحدة تعتبر العراق ساحة لتصفية الحسابات، ونقطة انطلاق للعدوان على جارته إيران وكذلك نقطة حماية لدول الخليج والكيان الصهيوني، بالإضافة إلى كونه مصدراً اقتصاديا مهماً للولايات المتحدة، وهي ذاتها الأسباب التي تدفع بالعراقيين وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق إلى رفض الوجود الأمريكي جملة وتفصيلاً والسعي لطرده بأقصى سرعة ممكنه لأن جميع مهامه لا تخدم العراق وتجعل منه بلداً تابعاً لا يملك سيادة القرار وحق تحديد المصير.