بين شبهات فساد وعرقلة "الضباط الكبار".. ما مصير ملعب نادي الشرطة؟
أنفوبلس/..
سنوات من التلكؤ والتأجيل المتواصل وما زالت أزمة تعثر تشييد المدينة الرياضية لنادي الشرطة تراوح في مكانها رغم تعاقب ست إدارات على النادي، حيث انطلق مشروع المدينة الرياضية مع فترة رئاسة أياد بنيان الأولى، ولكنه بقي أسيرًا لأزمات مالية وإدارية عصفت بالنادي لتطيح بخمس من رؤسائه خلال سبع سنوات، ما أدى إلى شلل تام في تنفيذ المشروع.
وكان نادي الشرطة قرر بناء ملعبه الخاص في ثمانينيات القرن الماضي، في منطقة شارع فلسطين، بسعة لا تتجاوز 10 آلاف مشجع، وأشرف على تشييد الملعب رئيس النادي عبد القادر زينل، قبل أن يُهدم في العام 2014 بهدف إنشاء المدينة الرياضية الجديدة للنادي.
"فلاش باك"
إن "مشروع المدينة الرياضية بداية حقيقية لبزوغ نور النهضة الرياضية والاجتماعية والتربوية في سماء نادي الشرطة"، بهذه العبارة أعلن إياد بنيان، الرئيس الأسبق لنادي الشرطة، عن مشروع المدينة الرياضية في أواخر كانون الثاني/يناير 2013، بعد فترة وجيزة من وصوله إلى قيادة النادي كجزء من الوفاء ببرنامجه الانتخابي الذي أطلقه في فترة الانتخابات.
بنيان ذكر في مؤتمر الإعلان عن المشروع أن المؤسسات الداعمة للنادي، المتمثلة بوزارة الداخلية، تحرص على توفير الدعم الكافي ليرى المشروع النور، مؤكدًا أن "فترة الإنجاز لن تتجاوز العام ونصف العام".
قال رئيس النادي آنذاك إن الملعب الجديد سيكون تحفة معمارية تليق باسم نادي الشرطة
وكان من المفترض أن يُنفذ مشروع المدينة الرياضية بواسطة مجموعة من الشركات العالمية المختصة، حيث تعاقد النادي حينها مع تحالف شركات "نوردك سبورت" السويدية و“AKG”الإماراتية وبالتعاون مع شركة "رانت سوس" السويدية، وهي أكبر شركة مصنعة ومصدرة للمعدات الرياضية في أوروبا والعالم، بالإضافة إلى شركة "رادكسم" الهولندية المختصة بأجهزة العناية بالعشب وأنظمة السقي.
ولكن العام الأول من المدة الافتراضية لإنجاز المشروع مر من دون أن تنفذ أي مرحلة من مراحله الأساسية، حيث لم يباشر بهدم الملعب القديم إلا بعد مرور الربع الأول من العام الثاني لإطلاق المشروع رسميًا، وتحديدًا في آذار/مارس 2014.
في اليوم التالي من إطلاق المشروع، صرح بنيان أن "دموع الحزن اختلطت بدموع الفرح عندما هدمت مدرجات النادي أمام أنظار جمهور النادي"، مؤكدًا للجماهير أن "الملعب الجديد سيكون تحفة معمارية تليق باسم نادي الشرطة وسيشيد خلال مدة لا تتعدى ثمانية أشهر".
وكان من المقرر أن يضم المشروع، بحسب المخططات الأساسية، ملعبًا رئيسًا بسعة 10218 متفرجًا، صُمم وفقًا للمعايير الأولمبية، وبمقصورتين سعتهما 3000 مقعد إضافة إلى مقصورة كبار الشخصيات التي تضم 115 مقعدًا.
أما المرافق الأخرى للمدينة الرياضية فقد كان مخططًا أن تضم مسبحًا أولمبيًا مغلقًا بطول 50 مترًا، وعمق 25 مترًا، وبسعة 1200 مقعد تنتشر حول الحوض الرئيس، إضافة إلى قاعتين مغلقتين إحداهما مخصصة للألعاب الجماعية (السلة ـ اليد ـ الطائرة)، بسعة 1250 مقعدًا، ومقصورة لكبار الشخصيات، أما القاعة الأخرى فمخصصة للألعاب الفردية (الملاكمة ـ المصارعة ـ التايكواندو)، فضلًا عن مجمع ترفيهي يضم قاعة بولينج واسكواش ومركز تسوق تجاري.
ولكن لسوء حظ جماهير نادي الشرطة، فأن المشروع الحلم اصطدم بسلسلة أزمات إدارية عصفت بالنادي، كانت بدايتها مع سحب الثقة عن صاحب فكرة المشروع، إياد بنيان، بسبب خلافات داخل مجلس الإدارة والهيئة العامة، دخل بعدها النادي في دوامة كبيرة من الأزمات الإدارية، حيث تعاقبت على تسيير النادي 6 إدارات مختلفة خلال 7 سنوات، كان لبنيان فترة ثانية خلالها، ليتقلص المشروع الحلم إلى مشروع بناء ملعب صغير مخصص للمباريات مع ملحق ملعب ثانوي لأغراض التدريب بتكلفة 10 ملايين دولار، بعد أن كان المشروع يحتوي على 11 منشأة رياضية بتكلفة 42 مليون دولار.
تصميم ملعب نادي الشرطة المفترض
ما مصير المشروع بعد انقضاء السنوات العجاف؟
وعلى الرغم من الاستقرار الإداري النسبي بعد انتخاب إدارة وهاب الطائي أوائل آب/أغسطس من العام الماضي، إضافة إلى التخلص من انعكاسات الأزمة المالية بعد انتهاء عمليات التحرير وانحسار جائحة كورونا، ما زال مشروع بناء ملعب النادي متعثرًا حيث توقفت عمليات التشييد عند نسبة انجاز 24%، وهي النسبة التي تشكك وزارة الداخلية بصحتها، لتمثل إحدى نقاط الخلاف بين الوزارة والشركة المنفذة، بحسب الناطق الإعلامي للنادي حسين الخرساني.
يتمحور الخلاف الأساس بين الوزارة والشركة المنفذة حول الأطر القانونية المتعلقة بصرف الأموال المتعلقة بتسلسل مراحل التنفيذ، وقد ذكر حسين الخرساني أن "الخلاف بين طرفي الأزمة حول تفاصيل مالية ذات بعد قانوني حول آليات صرف المبالغ المخصصة للمشروع".
تخشى إدارة النادي من استمرار الأزمة لفترة أطول الأمر الذي يؤدي إلى تهالك الأساسات والإنشاءات المنفذة للمشروع
ويوضح الخرساني أن "السيولة المالية متوفرة لدى وزارة الداخلية لتغطية التكلفة المرصودة للمشروع، ولكن الخلاف حاصل بسبب أموال تطالب بها الشركة المنفذة كجزء من شرط جزائي تعويضي عن سنوات التأخير في الفترة السابقة".
أما عن ضغط جماهير "القيثارة الخضراء" على إدارة النادي لإيجاد حل للأزمة واتهامهم أطرافًا في الإدارة بالإهمال وعدم متابعة القضية، يؤكد الخرساني أن "نادي الشرطة خارج الصراع بين طرفي الأزمة بالكامل، ونحن في النادي جهة مستفيدة فقط لأن موضوعة العقد وآليات تنفيذه هي من اختصاص الجهة المسؤولة المتمثلة بوزارة الداخلية".
وبحسب الناطق باسم الشرطة، فأن "إدارة النادي تخشى من استمرار الأزمة لفترة أطول مخافة تهالك الأساسات والإنشاءات المنفذة جراء توقف المشروع".
وكانت جماهير نادي الشرطة قد نظمت وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة الداخلية في أواسط شهر شباط/فبراير الماضي للمطالبة بالإسراع بحل النقاط الخلافية مع الشركة المنفذة واستئناف العمل بمشروع الملعب.
وعلى إثر ذلك، زار عثمان الغانمي، وزير الداخلية، مقر نادي الشرطة للاطلاع على مشروع الملعب، وعقد اجتماعًا موسعًا بحضور أعضاء مجلس إدارة النادي والمدير الإقليمي لشركة نوردك سبورت السويدية ماجد الجابري، إضافة إلى ممثلين عن الدائرتين القانونية والتخطيط والمشاريع في وزارة الداخلية.
لكن الاجتماع لم يسفر عن أي مخرجات من شأنها حل الأزمة، ما دعا إلى لجوء طرفي الأزمة إلى القضاء العراقي، بحسب قائد ألتراس "كرين هارب"، سيف أبو رامي.
ولانشغال الجماهير بتتويج النادي بلقب الدوري، توعد "أبو رامي"، خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أطراف الأزمة، بتصعيد احتجاجي بعد انتهاء مراسم تتويج فريق النادي بلقب الدوري العراقي الممتاز لكرة القدم نهاية الشهر الجاري.
بيروقراطية.. شبهات فساد.. أم ضباط كبار؟
لم تغب عن المشهد الإشارات والتلميحات حول وجود أسباب لا تتعلق بتعقيدات الإجراءات البيروقراطية التي تواجه المشروع، والتي حبسته لفترة طويلة بين أروقة مكاتب وزارة التخطيط والمالية وأخيرًا وزارة الداخلية.
تدعي الشركة المنفذة لمشروع نادي الشرطة بأن وزارة الداخلية مدينة لها بمبالغ بعض مفاصل المشروع إضافة إلى مبلغ الشرط الجزائي
في حديث سابق لرئيس نادي الشرطة الحالي وهاب الطائي، ألمح إلى وجود عراقيل مفتعلة من قبل ضباط كبار في الوزارة، وذكر أن "لنا حديث آخر لن يكون هادئًا لن نرحم فيه أحدًا بما يتعلق ببعض الضباط الكبار الذين يعرقلون العمل في مشروع الملعب".
من جهتها، وبعد فشل عدة اجتماعات مع مسؤولي الدوائر المختصة في وزارة الداخلية، لجأت شركة "نوردك سبورت" السويدية إلى القضاء العراقي للبت بأحقيتها بمبالغ في ذمة وزارة الداخلية عن شرط جزائي نتيجة خسائر تكبدتها الشركة بسبب فترة تأخير إطلاق الأموال المرصودة للمشروع.
يقول ماجد الجابري، وهو المدير الإقليمي لشركة "نوردك سبورت" إن "وزارة الداخلية مدينة لنا بمبالغ عن عمليات تنفيذ بعض مفاصل المشروع إضافة إلى مبلغ الشرط الجزائي".
يضيف الجابري أن "كل التشريعات والأطر القانونية للآليات صرف المبالغ تصب في صالحنا ولكن مسؤولي الدائرة القانونية ودائرة التخطيط أوصلوا معلومات مغلوطة إلى الوزير ما أدى إلى عدم اتخاذه قرار الصرف".
وكان يونس عبد علي، وهو الهداف التاريخي لنادي الشرطة، قد ألمح أيضًا في حديث تلفزيوني سابق إلى وجود ما وصفه بـ"أوراق مستورة" ستكشف فيما بعد، متهمًا جهات لم يسمها بـ"عرقلة عمل الشركة المنفذة".
ويؤكد الجابري أن "شركتنا لجأت إلى القضاء العراقي رغم امتلاكها قرارات صرف من مجلس الوزراء ووزارتي المالية والتخطيط ولكن هناك ضباطًا كبارًا في الوزارة يعرقلون التنفيذ رغم توقيعهم هم على قرارات الصرف أيضًا"، معتبرًا أن ما يجري لا يمكن تسميته إلا "فسادًا إداريًا"، على حد تعبيره.
يتحدث المدير الإقليمي للشركة السويدية المنفذة عن وجود عرقلة لمشروع ملعب نادي الشرطة من قبل ضباط كبار في وزارة الداخلية
وحاول مراقبين التواصل مع الجهات المسؤولة عن الملف في وزارة الداخلية للاستيضاح حول الشبهات المثارة حول المشروع، ولكن مسؤولي الدوائر المختصة فضلوا عدم الرد على الاتصالات".
أما عن المدة الزمنية المتوقعة لحل الأزمة، يقول ماجد الجابري: "من المتوقع أن يتم تأجيل البت في الدعوى المقامة من قبلنا بسبب حيلة يتبعها ممثلو الوزارة بعدم جلبهم لبعض الوثائق والكتب الخاصة بالملف في سبيل كسب الوقت".
المدير الإقليمي لشركة "نوردك سبورت" اعتبر أن "هذا الإسلوب هو للتسويف ولكسب الوقت بهدف التخلص من ضغط الوزير وانتظار تشكيل حكومة جديدة وتغيير الوزير".