بين طموحات أرنولد وآمال الجماهير.. قراءة تحليلية لقائمة المنتخب العراقي في كأس ملك تايلاند

انفوبلس/ تقرير

يشهد الشارع الرياضي العراقي حالة واسعة من الجدل عقب إعلان مدرب المنتخب الوطني الجديد، الأسترالي غراهام أرنولد، قائمته النهائية المكوّنة من 23 لاعباً للمشاركة في بطولة كأس ملك تايلاند الودية الرباعية، المزمع إقامتها في الفترة من 4 ولغاية 7 سبتمبر/ أيلول المقبل.

فالمدرب الذي تولّى المهمة في مرحلة حساسة، فضّل الاعتماد على أسماء جديدة ودمج محترفين من الدوريات الأوروبية والآسيوية، مع استبعاد لاعبين بارزين أثبتوا حضورهم في المنتخب خلال السنوات الأخيرة.

هذا القرار أثار ردود فعل متباينة؛ فبينما يرى البعض أنّ أرنولد يسعى إلى إحداث ثورة تصحيحية وتحديث التشكيلة بما يتناسب مع متطلبات التصفيات، يرى آخرون أنّه غامر كثيراً بإقصاء عناصر تمتلك خبرة دولية واسعة في توقيت لا يحتمل التجارب.

خلفية البطولة وأهميتها

تُعدّ بطولة كأس ملك تايلاند إحدى أقدم البطولات الودية في القارة الآسيوية، حيث تُقام سنوياً بمشاركة أربعة منتخبات. وعلى الرغم من طابعها الودي، إلا أنّها معتمدة رسمياً من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ضمن روزنامة المباريات الدولية من المستوى الأول.

وهذا يعني أنّ نتائج مباريات العراق في البطولة ستُحتسب في التصنيف العالمي للمنتخبات، وهو ما يضاعف أهميتها، خصوصاً وأن "أسود الرافدين" سيخوضون ملحق تصفيات كأس العالم 2026 في أكتوبر المقبل، ضمن مجموعة نارية تضم السعودية وإندونيسيا.

بالتالي، فإنّ بطولة تايلاند ليست مجرد محطة ودية، بل هي فرصة ذهبية لتجهيز التشكيلة، رفع الجاهزية البدنية والفنية، وتجربة لاعبين جدد قبل الدخول في مواجهات رسمية مصيرية.

تفاصيل القائمة المعلنة

وتألفت قائمة العراق من 23 لاعباً، حيث ضمّت في حراسة المرمى: حارس الزوراء جلال حسن، وحارس الشرطة أحمد باسل، وحارس الطلبة فهد طالب، ومن المرجح أن يلعب حارس الزوراء في التشكيلة الأساسية مع إمكانية تجريب حارس الطلبة في عدة دقائق، فيما يبقى حارس الشرطة مرشحاً أيضاً لبدء إحدى المباراتين، خصوصاً أنه كان مفضلاً لدى المدرب السابق خيسوس كاساس. 

وفي خط الدفاع، ضمّت القائمة لاعب زاخو شيركو كريم، ولاعب باختاكور الأوزبكي زيد تحسين، ومدافع النجف علي فائز، ومدافع الشرطة مناف يونس، ومدافع بوريرام التايلاندي ريبين سولاقا، ومدافع بيرسيب باندونغ الإندونيسي فرانس بطرس، ومدافع الشرطة أحمد يحيى، ومدافع فيكتوريا بلزن ميرخاس دوسكي، في حين تجاهل أرنولد مدافع زاخو أحمد إبراهيم ولم يستدعِهِ. 

بشار رسن يعود إلى قائمة المنتخب العراقي 

وفي خط الوسط، قرر أرنولد استدعاء كل من: لاعبَي زاخو أسامة رشيد وأمجد عطوان، ولاعب الرياض السعودي إبراهيم بايش، ولاعب لارنكا القبرصي يوسف الأمين، ولاعب الشرطة سجاد جاسم، ولاعب آرهوس الدنماركي كيفن يعقوب، ولاعب كراكوفيا البولندي أمير العماري، ولاعب هاماربي السويدي منتظر ماجد، ولاعب سترومسغودسيت النرويجي ماركو فرج، ولاعب باختاكور الأوزبكي بشار رسن. 

وفي خط الهجوم، اكتفى أرنولد باستدعاء كل من مهاجم الكرمة أيمن حسين، ومهاجم دبا الفجيرة الإماراتي مهند علي "ميمي"، إذ قرر المدرب عدم استدعاء مهاجم آخر بعد إصابة لاعب إبسويتش تاون الإنجليزي علي الحمادي، ليتم الاعتماد فقط على لاعبين في مركز رأس الحربة مع غياب مهاجم القوة الجوية محمد جواد، الذي كان مرشحاً بقوة لتمثيل الفريق العراقي في البطولة الرباعية الودية المقبلة.

الأسماء الغائبة والجدل المثار

أبرز ما أثار الجدل هو غياب عدد من الأسماء اللامعة التي شكّلت خلال السنوات الماضية جزءاً من العمود الفقري للمنتخب، مثل:

حسين عبد الكريم (الزوراء) – صانع ألعاب بارع بعمر 26 عاماً.

محمد قاسم (الزوراء) – جناح هجومي ذو خبرة، عمره 28 عاماً.

أكام هاشم (الزوراء) – مدافع قوي.

مصطفى سعدون وحسين علي – ظهيران شابان أثبتا حضوراً مميزاً.

زيدان إقبال (22 عاماً) – لاعب مانشستر يونايتد السابق، المحترف في الدوري الهولندي.

بيتر كوركيس، إيمار شير، وعلي الحمادي – الذين كان يُعوَّل عليهم في الخط الأمامي.

أرنولد برّر الاستبعاد بأنّ هؤلاء اللاعبين غير جاهزين بدنياً بسبب قلة مشاركاتهم مؤخراً، مؤكداً أنّه يفضّل أن يخوضوا مباريات أكثر مع أنديتهم المحلية بدلاً من الاكتفاء بالمشاركة الودية المحدودة مع المنتخب.

لكن هذه التبريرات لم تُقنع الكثير من المتابعين، الذين اعتبروا أنّ غياب لاعبين مثل زيدان إقبال أو محمد قاسم سيُضعف من قوة المنتخب الهجومية، خصوصاً أن القائمة ضمت فقط مهاجمين اثنين (أيمن حسين ومهند علي).

عودة بشار رسن وإثارة الجدل باستدعاء كيفن يعقوب

من بين المفاجآت السارة في القائمة، كان عودة بشار رسن بعد غياب طويل، وهو لاعب يمتلك خبرة دولية كبيرة ويلعب حالياً في الدوري الأوزبكي. 

لكن في المقابل، أثار استدعاء كيفن يعقوب، لاعب آرهوس الدنماركي، جدلاً واسعاً. فاللاعب عائد من إصابة خطيرة في الركبة أبعدته عن الملاعب لأشهر طويلة. البعض رأى أنّ دعوته "مغامرة غير محسوبة" وقد تؤثر سلباً، بينما آخرون اعتبروها خطوة ذكية لإعادة الثقة للاعب وإعداده للمستقبل.

فلسفة أرنولد ومعايير الاختيار

خلال مؤتمره الصحفي، أوضح أرنولد أنّه اعتمد على معيار الجاهزية البدنية والفنية، وليس على الأسماء أو التاريخ. وقال: "الفترة الحالية حساسة، ولا يمكن للمنتخب أن يعتمد على لاعبين غير جاهزين بدنياً. فضّلت أن يبقى بعض اللاعبين مع أنديتهم ليخوضوا مباريات أكثر، بدلاً من الاكتفاء بمباراتين وديتين في البطولة".

كما أشار إلى أنّه يريد زيادة المنافسة على المراكز، وإيجاد عمق أكبر في التشكيلة قبل المباريات الرسمية.

ومن الواضح أنّ المدرب الأسترالي يسير وفق نهج يعتمد على التجريب والتجديد، إذ استدعى 12 محترفاً من الخارج، مقابل 8 لاعبين فقط من الدوري العراقي المحلي.

قراءة في نقاط القوة والضعف

نقاط القوة:

-تنوع اللاعبين المحترفين: القائمة تضم 12 لاعباً محترفاً في دوريات أوروبية وآسيوية، ما يرفع من مستوى الاحتكاك والخبرة.

-عودة بشار رسن: عنصر خبرة في الوسط، قادر على ضبط الإيقاع وصناعة اللعب.

-وجود أيمن حسين ومهند علي: مهاجمان يملكان حساً تهديفياً عالياً.

-اعتماد على دفاع متوازن: يضم عناصر محلية ومحترفة.

نقاط الضعف:

-قلة المهاجمين: الاكتفاء بمهاجمَين فقط يُعد مخاطرة كبيرة.

-غياب صنّاع لعب بارزين مثل زيدان إقبال وحسين عبد الكريم.

-مراهنة على لاعبين عائدين من إصابة مثل كيفن يعقوب.

-تأخر انطلاق الدوري العراقي، ما جعل بعض اللاعبين المحليين خارج الجاهزية الكاملة.

أهمية البطولة قبل ملحق المونديال

بطولة كأس ملك تايلاند تمثل محطة تحضيرية مصيرية قبل مواجهات العراق في الملحق الآسيوي المؤهل إلى مونديال 2026.

ففي أكتوبر المقبل، سيلعب "أسود الرافدين" أمام: إندونيسيا (11 أكتوبر)، والسعودية (14 أكتوبر). هذان اللقاءان سيحددان مصير العراق في مشواره نحو الحلم العالمي. ولذلك، فإنّ اختبار اللاعبين في أجواء منافسة رسمية (حتى وإن كانت ودية) سيكون عاملاً مهماً لرفع الجاهزية والانسجام.

أما التحديات التي تواجه أرنولد في كسب ثقة الجماهير، إذ إن الشارع العراقي متطلب جداً، وأي إخفاق قد يُفقد المدرب دعمه مبكراً، وخلق الانسجام بسرعة، حيث إن المنتخب يضم محترفين من شتى الدوريات، ما يصعّب مسألة التناغم. بالإضافة الى الموازنة بين الخبرة والشباب، إذ ان إقصاء لاعبين بارزين قد يضع ضغوطاً إضافية عليه، وكذلك ضغط النتائج، بسبب ان البطولة ستُحسب نقاطها في تصنيف فيفا، ما يعني أن الهزيمة ستضر بموقع العراق عالمياً.

توقعات وتحليلات مستقبلية

من المرجح أن يدخل أرنولد بطولة تايلاند بخطة 4-2-3-1، مع الاعتماد على أيمن حسين كرأس حربة أساسي، ومهند علي كبديل هجومي. 

في الوسط، قد يكون بشار رسن وأمير العماري أبرز مفاتيح صناعة اللعب، بينما يعتمد في الأطراف على إبراهيم بايش ومنتظر ماجد. أما الدفاع، فسيكون بقيادة ريبين سولاقا وفرانس بطرس، مع حراسة مرمى جلال حسن.

إن نجح المنتخب في تقديم مستويات مقنعة أمام هونغ كونغ وتايلاند أو فيجي، فسيعزز ذلك الثقة قبل الملحق. أما إذا ظهرت الثغرات، فقد يجد أرنولد نفسه تحت ضغط شديد قبل الاستحقاق الأكبر.

والخلاصة، فإنه بين مؤيد ومعارض، تظل قائمة أرنولد لبطولة كأس ملك تايلاند محط أنظار الجماهير العراقية. فهي تعكس رغبة المدرب في إعادة هيكلة المنتخب على أسس جديدة، بعيداً عن المجاملات والأسماء التاريخية، لكن نجاح التجربة سيبقى مرهوناً بالنتائج داخل الملعب، ومدى قدرة اللاعبين الجدد على تعويض الغائبين.

أما الجماهير العراقية، التي عاشت لحظات فرح نادرة بعد التتويج ببطولة خليجي 25، تطمح أن ترى منتخبها يواصل التقدم نحو تحقيق حلم التأهل إلى كأس العالم 2026.

ويبقى السؤال الأهم: هل ينجح أرنولد في رهانه على العناصر الجديدة، أم أن مغامرته ستنقلب ضده في مرحلة الحسم؟