فقدت ساقيها وذراعا بتفجير سيارة والدها.. انفوبلس تستعرض قصة البطلة العراقية "نجلاء عماد"
انفوبلس/ تقرير
رغم فقدها ساقيها وذراعها اليمنى، وهي في الثالثة من عمرها، إثر تفجير عبوة ناسفة بسيارة والدها العسكري، تحلم اللاعبة العراقية نجلاء عماد من مدينة بعقوبة بمحافظة ديالى، بتحقيق الفوز ونيل ذهبية أولمبياد في بطولة باريس 2024 للألعاب البارالمبية التي ستقام أواخر آب المقبل، بعد حصدها عدة جوائز وميداليات في بطولات محلية ودولية، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على قصتها "المؤلمة".
في الثالثة من عمرها، فقدت نجلاء ساقيها وذراعها في 19 أبريل/نيسان 2008، إثر تفجير عبوة ناسفة كانت قد استهدفت سيارة والدها العسكري المتقاعد.
تقول العراقية نجلاء عماد عن الحادث المؤلم الذي غيّر مجرى حياتها، وهي لم تكن تتجاوز الرابعة من عمرها، "كنت أستعد لاستقبال والدي عند عودته من العمل نهار أحد أيام أبريل/نيسان عام 2008 عندما هزَّ انفجار بعبوة ناسفة سيارته في مدينة بعقوبة التابعة لمحافظة ديالى شمال شرق بغداد، فتعرضتُ لإصابات بالغة أدت الى بتر ساقَي الاثنتين وذراعي الأيمن".
وتضيف عماد، إن هذه الإعاقة لم تزدها إلا إصرارا على التحدي وإثبات الذات وتحقيق المزيد من النجاحات، مشيرة إلى أن تشجيع الأهل كان دافعا لها لمواجهة الحياة من جديد وتحقيق المستحيل.
وتبين، إن حكايتها مع تنس الطاولة بدأت عندما كان عمرها 10 سنوات بعد تلقيها هدية، وهي مضرب وكرة منضدة من مدرب المنتخب العراقي حسام البياتي وتشجيعه لها على دخول هذا المجال، لافتة الى أن الأمر لم يكن سهلا في البداية، فقد كانت تتدرب بذراع واحدة ثم جاءت مشاركتها الأولى في بطولة العراق لتنس الطاولة (فئة المعاقين) على كرسي مدولب، واستطاعت أن تحرز المركز الأول رغم كونها أصغر المشاركات سنّاً، بعدها انضمت للمنتخب الوطني.
أما عن تحولها من كرسي العجلات إلى اللعب وقوفا بأطراف صناعية، فتستطرد وتقول إنه بعد مشاركتها في بطولة تايلند الدولية عام 2018 (فئة المعاقين) وحصولها على المركز الثالث، قرر رئيس اتحاد تنس الطاولة للمعاقين سمير الكردي تحويلها إلى اللعب وقوفا وبأطراف صناعية.
وتوضح، إنها دخلت مستشفى "ابن القف" في بغداد المختص بالعلاج التأهيلي والأطراف الصناعية، وبعد أخذ القياسات اللازمة رُكِّبت لها 3 أطراف صناعية، وتصف ذلك اليوم بأنه من أسعد أيام حياتها، حيث استطاعت الوقوف من جديد بعد 10 أعوام قضتها جالسة على الكرسي.
ويقول مدرب المنتخب العراقي لتنس الطاولة حسام البياتي، "تعرفت على نجلاء عندما كان عمرها 10 سنوات، وكانت قد فقدت 3 من أطرافها، فزرتها في منزل عائلتها وعرضتُ عليها فكرة التدريب على لعب تنس الطاولة وأهديتها حينذاك كرة ومضرب".
وأشار إلى، أنها وافقت وبدأت رحلة التدريب وخلال 6 أشهر استطاعت أن تثبت وجودها وتنافس لاعبات في المنتخب ممن هنّ أكبر منها سناً وخبرة، بعدها أصبحت عضوا في المنتخب الوطني ومثلت العراق في العديد من المحافل الدولية الرياضية، وهو يشعر بالفخر بها ويعتبرها قدوة للتحدي والنجاح.
*مشاركات وإنجازات دولية
شاركت نجلاء في بطولة برشلونة الدولية عام 2020 وحصلت على المركز الثالث، كما شاركت في الألعاب البارالمبية بطوكيو التي جرت في صيف عام 2021 بعد فترة تحضيرية قصيرة لم تتجاوز 40 يوما في بغداد، وكانت المتأهلة الوحيدة من العراق وأصغر المشاركات سناً.
وواجهت نجلاء لاعبات يفقنها خبرة وسنا، حيث لاقت في أولى مشاركاتها الروسية ألييفا مالياك، التي تلعب تحت علم اللجنة البارالمبية الروسية. وبعد انهزامها في هذه المباراة الأولى واصلت نجلاء مشوارها لتواجه الكورية لي كونوو، إلا أن الحظ لم يحالفها، وإن كانت مشاركتها بحد ذاتها فوزا لها وللعراقيين، وهي حاليا في طور الاستعداد لأولمبياد باريس عام 2024 وتطمح أن تحرز فيه المركز الأول.
كما شاركت في بطولة آسيا التي أُقيمت في البحرين عام 2022 وحصلت على المركز الأول لفئة الشباب والثاني للمتقدمين (ممن هم أكبر سنا)، كما نالت بعدها المركز الأول في بطولتين دوليتين أُقيمتا في مصر والأردن.
في منزل العائلة، كدّست جوائز متعدّدة حققتها في بطولات دولية ومحلية، بينها ذهبية دورة الألعاب الآسيوية التي أُقيمت في الصين عام 2023، وآخرها بداية العام الجاري 2024، حيث تُوِّجت بلقب بطولة العالم المصغرة لتنس الطاولة في جمهورية مصر العربية والمؤهلة إلى بارالمبياد باريس (2024) بعد تغلبها على بطلة العالم الأوكرانية مارينا ليتوشينكو.
تحصل اللاعبة على دعم مالي محدود من خلال راتب شهري نحو 500 ألف دينار (أكثر من 300 دولار أميركي)، تصرفه اللجنة البارالمبية، بالإضافة لتغطية تكاليف بعض الرحلات. كما تواصل نجلاء تمارينها 4 أيام في الأسبوع، بينها اثنان في العاصمة بغداد حيث تذهب رفقة والدها.
ولا تزال حياة نجلاء مرتبطة بمدينة بعقوبة ومركزها الرياضي، حيث الغرف الخرسانية وأخرى من مقطورات تقف وسط ساحة ترابية.
إحدى تلك الغرف المخصّصة لفريق المحافظة، تراكم فيها الغبار وبدا زجاج نوافذها محطّماً، تتّسع بالكاد لـ4 طاولات مخصّصة لتدريبات يشارك فيها 8 أشخاص، بينهم نساء ورجال أحدهم من المقعدين.
يؤكد مدرّب الفريق حسام البياتي "الطاولات التي نتمرّن عليها قديمة ومستعملة، قمنا بإصلاحها لنتدرّب عليها"، مضيفا أن قاعة التدريب قد تُسحب منهم.
يقول المدرّب الذي انضم عام 2016 إلى المنتخب الوطني البارالمبي "لدينا لاعبة ستمثل العراق بالأولمبياد وليس لدينا طاولة واحدة صالحة نلعب عليها. هذا خطأ".
أما نائب رئيس اللجنة البارالمبية العراقية ورئيس اتحاد كرة الطاولة لذوي الاحتياجات الخاصة سمير الكردي، فيضيف "نواجه الكثير من العقبات أثناء إعداد رياضيينا" كوننا "نفتقد لمراكز الإعداد المتخصّصة"، مؤكّدا في الوقت عينه أن "هذا لا يمنع طموحنا بالحصول على ميداليات" في بعض الألعاب.
ومن أجل استعداد أفضل للبطولات الدولية، تسافر نجلاء خارج البلاد لدول بينها قطر التي زارتها في آذار/مارس الماضي، بحثًا عن بنى تحتية رياضية أفضل ومعسكرات تدريب مفيدة، استعدادًا للمشاركة في دورة الالعاب البارالمبية.
تحدّت العالم
ويستنكر متخصّصون مراراً ضعف البنى التحتية وقلّة دعم الرياضة في العراق، البلد الغني بثروته النفطية لكنه يعاني من فساد مستشرٍ.
ومع ذلك تعود أول مشاركة للجنة البارالمبية إلى العام 1992 في برشلونة. حقّق رياضيوها خصوصاً في رفع الاثقال وألعاب القوى 16 ميدالية ملوّنة بينها ثلاث ذهبيات.
تضع نجلاء قطعة قماش سوداء على ذراعها اليمنى قبل تثبيت طرف اصطناعي يساعدها للاستناد على عكازها. بيدها اليسرى، ترمي الكرة في الهواء لتضرب الإرسال.
تقول نجلاء، إن عائلتها كانت معارضة في البداية "لأن هذه الرياضة تتطلّب حركة وأنا افتقد 3 أطراف وكنت صغيرة". وتضيف "أقاربي والمجتمع اعتبروا أن الأمر سيكون مرهقاً لي وأنني لن أحقق شيئا".
لكنها كانت تمتلك شغفا لممارسة هذه اللعبة، حسبما ذكر والدها عماد لفتة الذي شعر بعد أوّل فوز حققته ابنته بأنه لا بدّ من دعمها.
يقول الأب، "نجلاء صمدت وتحدّت نفسها والعالم"، وتابع بسعادة "نفسيتها تحسّنت مع ممارستها الرياضة، وكذلك نظرة المجتمع لها قد تغيّرت، أصبحت معروفة والفتيات يرغبنَ بالتقاط صور تذكارية معها".
وأكّد هذا الأب الستيني، إن الهدف في باريس هو الذهب، قائلاً بثقة بأن نجلاء "عندما تَعِدُ تفي بوعدها".
وتشير نجلاء إلى، أنها "تستعد لبطولة أولمبياد الألعاب الصيفية في باريس". مشددة، "أتمرن كل يوم ضمن فريق المنتخب الوطني، وسأحقق حلمي بذهبية تكون دافعًا لي نحو الأمام ورصيدًا ذهبيًّا لبلدي".