الرياضة النسوية في العراق.. معوّقات عديدة وإنجازات محدودة: أبرز الأنشطة المتقدمة
انفوبلس/ تقرير
لم تشهد الرياضة النسوية في العراق تطوراً ملموساً منذ زمن طويل، حيث أصبح التراجع وانحسار القاعدة في ممارسة الرياضة النسوية هو السِّمة التي يمكن ملاحظتها بشكل كبير، على الرغم من أن هنالك ألعاباً تحقق نتائج لا بأس بها، حيث تسعى الكثير من النساء العراقيات إلى محاولة كسر القيود الاجتماعية والانطلاق نحو ممارسة هوايتهن المتنوعة بما فيها الألعاب الرياضية.
ويواجه دخول المرأة في الرياضات معوقات كثيرة، أبرزها العادات والتقاليد الاجتماعية فضلا عن الظروف الاقتصادية وقلّة الدعم المقدّم من قبل المعنيين، كما يفتقر العراق للبنى التحتية الخاصة بممارسة المرأة للألعاب الرياضية، من حيث توفير قاعات أو ملاعب أو مسابح خاصة بالنساء مقارنة بالدول الأخرى التي تمتلك مدناً رياضية خاصة للنساء.
وعلى الرغم من انتشار بعض الصالات والنوادي الخاصة بالألعاب النسائية، إلا إن الإقبال عليها ما يزال ضعيفاً للغاية، نتيجة رفض بعض الأهالي ذهاب بناتهم لممارسة الرياضة في تلك النوادي، بسبب العادات والتقاليد وقلّة الإمكانيات المادية.
لكن المراقب للرياضة النسوية في العراق يرى أن حضور المرأة في الألعاب الرياضية بدأ يزداد وخاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت المرأة تشارك في منافسات محلية وعربية ودولية، وتنال مراكز متقدمة في البطولات.
*الملاكمة النسوية
وهذا ما تؤكده لاعبة الملاكمة في بابل زينب الدليمي، التي تقول إن "أغلب النساء الرياضيات حصدنَ بطولات عالمية وقارّية وغيرها".
وعن مسيرتها الرياضية تروي الدليمي، "بدأت بممارسة الرياضة منذ عام 2010، وكان حبّي للرياضة منذ طفولتي حيث كنت أشاهد أقاربي الرياضيين وأتمنى أن أكون مثلهم، فخالي نجم كرة القدم الدولي ناطق هاشم الملقّب بـ(بلاتين العرب) وأعمامي أيضاً صباح حاتم ورزاق حاتم، هذا كان حافزاً نفسياً لي لممارسة الرياضة وفي تطوير نفسي في هذا المجال".
وتُضيف، "كما شاركت بعدّة بطولات محلية ودولية، وحصدت المركز الأول في المصارعة، وحققت نتائج جيدة في بطولة العالم للجودو والباغوت، لكن شغفي الأكبر هو الملاكمة، وكانت أول بطولة شاركتُ فيها هي بطولة أندية العراق التي أُقيمت في محافظة السليمانية، وحصدتُ المركز الأول والميدالية الذهبية، وبعدها انضممت إلى المنتخب العراقي".
وكشفت الدليمي في ختام حديثها عن سعيها خلال الفترة المقبلة إلى كسب بطولة عربية أو دولية، فضلا عن افتتاح مركز لتدريب النساء على الملاكمة في بغداد.
*مراكز تدريب خاصة بالنساء
وأنشأت بعض اللاعبات مراكز تدريب خاصة لهنّ يتدربن فيها، فضلا عن تدريب الأُخريات الراغبات أيضا، وفي هذا الشأن تذكر الكابتن رشا صدام حاتم من محافظة بغداد، "قمتُ بإنشاء صالة رياضية مخصّصة للنساء اللواتي يرغبن بالحصول على جسم رشيق وصحي".
وتشرح حاتم التي تعشق رياضة الريشة الطائرة، سبب دخولها هذا المجال، في حديثها، "منذ صغري وأنا أحب الحركة والنشاط، وبعد إكمالي الدراسة الاعدادية كان أمامي أحد طريقين إما اختيار تخصص رياضي لإكمال هوايتي وتحقيق رغبتي أو المضي بقسم إدارة الأعمال الذي قُبِلت فيه".
وتُضيف حاتم، "لذلك قررت اختيار ما يحقق رغبتي، وقد لاقى هذا القرار قبولا من أهلي، لكن على مضض، كون الرياضة وخاصة النسوية ليس لها مستقبل في البلاد".
البنى التحتية
ويرى مراقبون أن اللاعبات يحتجن إلى مستلزمات من قاعات ومدربين ووسائل نقل وتجهيزات رياضية ورواتب شهرية، من أجل تحسين مستوى الأداء وتحقيق الإنجاز العالي للحصول على المراكز الأولى، بالإضافة إلى الدعم الحكومي الذي يُسهم في تطوير الرياضة من خلال تنظيم المعسكرات التدريبية وتكثيف المشاركات الدولية ورصد المبالغ لدعم برامج تطوير الرياضة النسوية.
ومن ضمن الرياضات التي تقبل عليها النساء في العراق هي رياضة الفروسية، حيث تشهد إقبالا واسعا للتدرّب عليها، وفي هذا الجانب يذكر مدير إعلام إحدى الكليات في محافظة بابل، زيد الشوكة، أن "الكلية يتوفر فيها مربضاً للخيول، ويشهد إقبالا واسعا من قبل الطالبات". ويبين الشوكة، أن "الكثير من الطالبات يتدربن على ركوب الخيل رغم ضغط الدراسة ومتطلبات الحياة المعيشية".
*الجامعات والرياضة النسوية
وفتحت بعض الكليات الباب للفتيات لممارسة هواياتهن الرياضية فضلا عن تخصّصهن الدراسي في هذا المجال وذلك من خلال إنشاء الأقسام الرياضية فيها، بحسب الباحثة الاجتماعية والمختصة في مجال المرأة سكينة علي.
وتوضح علي، عن واقع الرياضة النسوية، أن "ممارسة النساء لهوايتهن في محافظات الوسط والجنوب محدودة لأسباب عديدة، منها نظرة المجتمع والعادات والتقاليد، فلا تستطيع الفتاة ممارسة الرياضة في قضاء أو ناحية إلا في مركز المدينة، في حين الكثير من الفتيات لديهن هوايات وشغف لممارسة كرة السلة والطائرة وغيرها من الرياضات".
*قصة لاعبة
"كنتُ أتدرب في الخفاء بادئ الأمر بسبب ندرة القاعات الرياضية للنساء في محافظة بابل جنوب بغداد، وصعوبة الحصول على موافقة الوالد بالذهاب إلى القاعة للتدرّب على رفع الأثقال". هكذا تصف الشابة العراقية حوراء بداية ممارستها لهوايتها الرياضية، وتقول إنها كانت تعاني من فقدان الشهية وقلة الوزن حيث بلغ وزنها 44 كلغ فقط فيما يصل طولها إلى 1.66 مترا، فأقنعتها إحدى الصديقات بالتدرب على رفع الأثقال لإبراز عضلاتها بشكل جيد، فأعجبها الأمر ورغبت في الاحتراف.
نهاية الحلم
تُكمل حوراء البالغة من العمر 26 عاما كيف انتهى حلمها هذا برفض والدها متابعتها المستمرة، عبر وسائل التواصل، لمحترفي وأبطال رفع الأثقال وعلمها بكل ما يخص الأمر حتى أنها درست عضلات الإنسان وكيفية تنشيطها والطرق الخاصة بالاعتناء بها.
وقالت إن والدها منعها من الذهاب إلى القاعة الرياضية أو التدرّب على سطح المنزل، ووبّخها بالقول "أصبحتِ تتشبّهين بالرجال وسيخاف من يريد التقدّم لخطبتكِ".
وعلى غرار قصة حوراء، انتهت قصة سنديان رضا الحاصلة على شهادة البكالوريوس في الرياضة من جامعة البصرة جنوب البلاد، وهي محافظة تكثر فيها القاعات الرياضية الخاصة بالنساء.
حاولت سنديان أن تتخصص في الوثب الطويل، إلا إن أحلامها تبدّدت بعد خطبتها من قريب لها رفض ممارستها لهذه الرياضة، وقالت للجزيرة نت إن والدتها أقنعت والدها بدعم موقف خطيبها الذي رفض أن تنشغل زوجته المستقبلية بأوهام قد تقودها إلى الوثب أو الركض أمام حشد من الرجال.
*معوّقات عديدة
في العاصمة بغداد كانت المعوقات حاضرة أيضا حيث تعتقد بطلة المصارعة رشا صدام حاتم أن القيود الأُسرية والاجتماعية تُعد عائقا رئيسيا أمام الرياضة النسوية.
رشا المولودة عام 1989 وتعمل مدرّبة رشاقة ولياقة بدنية وفنون قتال ودفاع عن النفس، ومصارعة أيضا، حاصلة على شهادة التدريب والتحكيم الدولية في لعبة الفنون القتالية (الباغوت) وبطلة العراق والعرب في المصارعة والقوه البدنية.
وتحدثت عن طبيعة الرياضة النسوية بالعراق قائلة، إن "ضعف دعم العائلات لبناتهنّ هو المعوّق الأساسي بالإضافة إلى القيود الاجتماعية، حيثُ ما يزال البعض ينظر إلى المرأة الرياضية نظرة شك وابتذال خاصة مع عدم توفر أماكن ملائمة للتدريب ونظرة المجتمع للمرأة وأنها خلقت لإدارة شؤون العائلة والمنزل فقط".
وتشير إلى أنه رغم هذه المعوقات، فإن هناك الكثير من الرياضات في كرة القدم والتنس والطائرة والسلة والريشة والباليه و"الجمناستك" إضافة الى الكشافة والساحة والميدان وغيرها داخل وخارج الكليات الرياضية.
*أصغر حكم
ورغم المعوقات إلا إن النجاح الموهوبات لا يغيب عن الساحة أيضا خاصة من المتخصصات في هذا المجال حيث حصدت ميلاد محمد من ديالى لقب أصغر حكم نسوي.
تقول ميلاد محمد – الحاصلة على درجة البكالوريوس من كلية التربية الرياضية والتي تدرس حاليا الماجستير، إن " العائلة هي المحيط الأول المُساند لأي رياضي وما ساعدها هو أنها تنحدر من عائلة رياضية، فوالدها مدرّب أثقال ووالدتها مدرّبة رياضة جمناستك، لذا فمن الطبيعي أن أجد ضالتي في تخصّص رياضي كما حدث مع كرة السلة".
وتابعت، "نجحت بالوصول إلى درجة حكم مباراة عن طريق دعم العائلة وأستاذي في الجامعة والذي شجعني على الدخول في دورة تحكيم خاصة بالجامعة لأصبح أصغر حكم من العنصر النسوي حتى الآن وأكملت الطريق حتى شاركتُ في تحكيم 12 مباراة".
عدي الربيعي، عميد كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة، قال: إن منجزات الكلية بالنسبة للرياضة النسوية كثيرة، فأكثر لاعبات المنتخبات الوطنية من التربية الرياضية، وقد رفدنا الكثير من الأندية باللاعبات، وبالتالي كل انواع الدعم متوفرة من قبلنا في سبيل الإنجاز والتواصل، وتوجد لدينا الكثير من اللاعبات حققنَ إنجازات في العديد من الحقول الرياضية، آخرها بطلات الجودو في بطولة آسيا وحصولهن على الميداليات البرونزية، وكذلك بطلات ألعاب القوى. وأضاف الربيعي: توفّر كليتنا الدعم المعنوي وحتى المادي للاعبات فضلا عن توفير الملاعب وبعض المستلزمات كي ينهضن بمستوى اللعبة، كوننا الجهة المختصة بالرياضة.
*أبرز إنجازات الرياضة النسوية في العراق
تقول البطلة العراقية السابقة بالساحة والميدان الدكتورة إيمان صبيح: "المرأة العراقية قدّمت وتُقدّم الكثير لبلدها، ولاسيما في الجانب الرياضي، إذ نجحت بطلاتنا في الآونة الأخيرة بتحقيق انتصارات على الصعيد العالمي، على سبيل المثال تألّق نجمة القوس والسّهم فاطمة سعد بحصولها على المركز الأول عالمياً، ولاعبة الجوجستو تريفا رضا التي فازت بالمركز الأول في بطولة العالم، كذلك حققت اللاعبة رويدة سعد بطولة آسيا بالشطرنج، ولاعبة الرماية آية محمد التي خطفت بطولة العرب، كما تألقت نور أكرم في بطولات العرب بالمبارزة. هذه المواهب تحتاج الى دعم من أجل عودة الرياضة النسوية العراقية بقوة للمنافسة في البطولات التي كنا نتسيّدها في فترة من الفترات".
وكذلك من إنجاز للرياضة النسوية العراقية كان عام 2021، للعدّاءة دانة حسين التي سجّلت رقماً قياسياً محلياً جديداً في بطولة تركيا لألعاب القوى المفتوحة، وأنهت سباق 200 م بواقع 22,97 ثانية وهي أول عراقية تكسر حاجز الـ23 ثانية.
ويؤكد مختصون على أهمية الدعم المادي والمعنوي لوصول الرياضة النسوية الى مكان يُليق باسم العراق، فضلا عن تكاتف جهود الجميع من مؤسسات حكومية ورياضية ومنظمات المجتمع المدني لإعادة الحياة الى الرياضة النسوية.
ويضيف هؤلاء، أن ذلك يكون من خلال العمل على تفعيل مقترحات أهمها، فتح مراكز تخصّصية خاصة بالرياضة النسوية، وإنشاء أكاديمية نسوية تُعنى بالجانب النسوي بإشراف مدربين اختصاص، وإلزام الأندية بتأسيس فرق نسوية وإدخال المدربات في دورات تطويرية من أجل الإشراف على التدريب.
كما أكدوا على تخصيص قاعات أو ملاعب خاصة بالرياضة النسوية، وتخصيص وسائل نقل للاعبات أثناء التدريب، وإقامة معسكرات تدريبية ودورات تحكيمية للحكام النساء، وتفعيل درس الرياضة في مدارس الإناث، واستقطاب الطاقات منهن وزجّهن في فِرق الأندية النسوية والاهتمام باللاعبات في كليات التربية الرياضية.