العراق والخليج.. هل يُنسي الكأس العراقيين ويلات الحصار والاحتلال والإرهاب؟
انفوبلس/ تقرير
سنوات طويلة مرّت على العراق ولم يجد يد العون تمتد له من أحد، وهو يخوض معارك قاسية من الصمود في وجه تحديات أثّرت بدورها على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، بل على العكس، شاركت بعض هذه الدول التي تُعتبر صديقة للعراق بزعزعة استقراره، ولعل تصدّر السعودية لقائمة الدول المصدِّرة للانتحاريين لهذا البلد خير دليل، أضف إليه العداء الذي يكنّه الكويتيون نتيجة غزو النظام البائد لبلدهم ودفع الشعب العراقي ثمن ذلك، أما اليوم فقد أعاد خليجي 25 الخليج ولو إعلامياً العلاقة بين الطرفين.. فهل تُنسي هذه البطولة العراقيين ويلات الحروب والإرهاب؟.
*حصار العراق
الحصار الدولي على العراق الذي نتج عن قرار الأمم المتحدة رقم 661 الصادر في 6 آب أغسطس 1990 نتيجة الغزو العراقي للكويت، ونص على إقرار عقوبات اقتصادية خانقة على العراق لتُجبر قيادته آنذاك على الانسحاب الفوري من الكويت، وقد تلى هذا القرار عشرة قرارات متتالية تقريباً، تحذّره من عواقب بقائه بالكويت وتحدّيه للمجتمع الدولي، وألغى مجلس الأمن الحصار يوم 22 أيار سنة 2003، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وزوال حكومة صدام.
عانى العراقيون الأمرَّين من هذه العقوبات التي حرمتهم من الغذاء والدواء، فضلاً عن كل وسائل التقدم والتكنولوجيا التي وصل إليها العالم في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى وفاة مليون ونصف مليون طفل نتيجة الجوع ونقص الدواء الحاد وافتقادهم إلى أبسط وسائل الحياة. هذه العقوبات اضطرت بالكثير من العراقيين للهجرة إلى دول الجوار والمهجر بحثاً عن الأمان والحياة والتطور.
لم يحظَ العراق بتلك الفترة بأي دعم خليجي، بل تكالبت عليه الجيران قبل الأعداء، وبات الشعب يصارع آثار القرارات الحكومية لوحده، بعد امتناع الجميع عن مدّ يد العون له، حتى عُدّ العراق معزولا بتلك الفترة خارجاً عن العالم حتى سقوط نظام صدام عام 2003.
*خليجي 25
حظي تنظيم العراق لبطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم في دورتها الـ25 المقامة في مدينة البصرة العراقية بالكثير من الإشادات الخليجية والعربية، فيما اعتبره مراقبون تعزيزاً للهوية الخليجية للعراق، بالإضافة إلى عودة ظهور العراق في المحافل الهامة التي غاب عنها منذ الاحتلال الأميركي عام 2003.
ولأن كرة القدم هي المتنفّس الوحيد للشعب العراقي، نتيجة معاناته من الحصار والاحتلال والإرهاب والحروب، فقد انفجر الشعب فرحا ومبتهجا بهذه البطولة، حيث كان لافتاً بشدة الترحيب الكبير من سكان البصرة بالضيوف الخليجيين عبر مبادرات فردية وجماعية عبّرت عن الكرم العربي، وأظهرت روح الأخوّة المتجذرة التي فشلت الخلافات السياسية في تغييبها، الأمر الذي دعا الكثيرين إلى القول إنّ البطولة حققت أهدافها في لمِّ الشّمل بين سكان المنطقة، ودعم التقارب والتآخي بين الجماهير.
صحيفة واشنطن بوست أكدت أن استضافة هذا الحدث الرياضي -الذي بدأ في السادس من يناير/كانون الثاني الجاري وأختُتم الخميس الماضي- تأتي ضمن مساعي العراق لطيّ صفحة عقود من العنف وعدم الاستقرار والعزلة.
ونقلت عن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قوله: "إن خليجي 25 فرصة يمكن أن تساعد في تعزيز العلاقات بين العراق وبقية دول الخليج"، مضيفا أن استضافة البطولة "تمثل علامة على التعافي بعد السنوات العجاف والاضطرابات السياسية".
وقالت الصحيفة إن استضافة البطولة -التي تُقام كل عامين وتشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي الستة إضافة إلى اليمن والعراق- شكلت أول فرصة للعديد من مواطني الخليج لزيارة العراق والتعرّف على الثقافة العراقية.
واستطلعت الصحيفة آراء بعض المواطنين العراقيين، من بينهم حسام مثنى (27 عاما) ويعمل سائقا لسيارة أجرة في البصرة والذي قال "رغم المنافسة الشرسة بين دول الخليج على الفوز بالبطولة فإن ما يهمنا في المقام الأول هو إكرام ضيوفنا بعد غياب طويل، نحن جيران وأبناء عمومة حتى لو فرّقت بيننا الظروف السياسية الخارجية".
وقالت واشنطن بوست إن ما يزيد على 50 ألف زائر خليجي تدفقوا على العراق خلال الأسبوعين الماضيين وفقا للسلطات العراقية، حيث خفّفت البلاد القيود على الحدود ومنحت تأشيرات الدخول مجانا، وشقَّوا طريقهم إلى البصرة ثاني أكبر مدن العراق، حيث استقبلهم الشعب العراقي بالترحيب.
كما أشارت إلى أن سكان البصرة فتحوا بيوتهم لاستضافة المشجعين في ظل اكتظاظ فنادق المدينة.
غيّبت الأحداث الحربية والأوضاع السياسية العراق عن أجواء البطولة المحبّبة لدى أبناء المنطقة، بعد غزو العراق لدولة الكويت مطلع آب/أغسطس 1990 في عهد النظام البائد. كما ألقت ظروف الحصار الاقتصادي في حقبة التسعينيات وكذلك الحظر الذي فرضه الاتحاد الدولي (فيفا) على العراق بظلالها القاتم على منتخب "أسود الرافدين"، قبل أن يعود إلى أجواء بطولات كأس الخليج عام 2004 في الدوحة مثلما انطلق منها في أول مشاركة في النسخة الرابعة 1976.
تلك المساعي التي جاءت بقرارات سياسية أوصت ببناء مدينة رياضية كاملة في مدينة البصرة تكريساً لرغبة العراق في العودة الفعلية إلى أجواء الرياضة في الخليج العربي، وفي عام 2013 افتُتح أكبر ملعب دولي في العراق ضمن هذه المدينة الرياضية بسعة 65 ألف متفرج.
*نسيان الماضي
الرياضة تسمى بـ"الدبلوماسية الشعبية أو الجماهيرية" لها التأثير والأثر الكبير في عملية صنع التواصل والاتصال بين المجتمعات والشعوب، العراق بدأ يعود إلى الحاضنة الخليجية والعربية بعد 2015 إبّان حكومة حيدر العبادي حيث كانت هناك تحركات مكثفة بعد عزلة امتدت نحو عقدين، هذا ما يؤكه الباحث في الشأن السياسي ليث الكاتب.
ويقول الكاتب: "ما يحتاجه العراق هو أن تنمو هذه العلاقات وتكبر وتتسع وأن تثبت جذورها بطريق البقاء بعيدا عن التقاطعات حتى يبقى العراق في حاضنته العربية والخليجية التي هجرها لأكثر من عقدين، حيث أعطت بطولة كأس الخليج جرعة إضافية لتعزيز العلاقات العراقية الخليجية العربية ومد جسور التواصل بشكل أكبر ومديات أكثر اتساعا، وكانت تكريما خليجيا عربيا للعراق في معالجة جراحاته جراء الأحداث التي تعيشها البلاد منذ 2003.
إلى ذلك، تؤكد الأكاديمية العراقية المتخصصة في العلاقات الدولية زمن ماجد عودة، أن العراق أدرك في الآونة الأخيرة مدى أهمية تعزيز علاقاته مع محيطه العربي، ولاسيما وأننا نعيش في عصر العولمة والاعتماد المتبادل، إذ لا يمكن لدولة ما أن تكون مكتفية بذاتها ومغلقة حدودها أو يقتصر تعاملها على دولة واحدة دون أخرى، من هنا جاء الموقف العراقي للانفتاح على محيطه الإقليمي والعمل على تكثيف علاقاته السياسية والاقتصادية والأمنية وتعزيز التعاون والاعتماد المتبادل لما له من انعكاسات إيجابية في المستويات كافة.
وتضيف عودة، أن "بطولة كأس خليجي 25 أسهمت في تعزيز وتقوية العلاقات الاجتماعية ما بين حكومة وشعب العراق وحكومات وشعوب بلدان الخليج العربي بعد انقطاع، وجسّدت هذه البطولة مدى حب العراق لأشقائه العرب ومدى حرص الأشقاء العرب ولاسيما الدور الاستثنائي الذي قدّمه الإعلام العربي والقنوات العربية والذي يعكس مدى حب العراق والحرص على نشر الصورة الإيجابية عن تنظيم البطولة إلى العالم أجمع".
بدورها، أكدت الصحفية العراقية ريناس الراضي، أن هذه الفعالية تساهم في تعزيز الروابط بين البلدان، كون أغلب الجماهير العربية التي حضرت شهدت كرنفالات البصرة وحب العراقيين للعرب وكذلك تغيير صورة العرب عن الأمن والاستقرار في العراق على عكس ما تنقله الصحافة الصفراء من انهيار المنظومة الأمنية والتي رسمت صورة مشوّهة حول البلاد".
وتضيف الراضي، أن "هذه البطولة أعادت العراق للمحافل العربية والدولية ولن تقتصر على النشاط الرياضي وستنعكس على بقية المجالات، حيث أن الجماهير العراقية والعربية جميعها كانت تهتف بحب العراق وكانت مشاركة الفنانة الإماراتية أحلام مميزة وعكست متانة العلاقات بين البلدين".
*الكأس يتغلب على اليأس
برهنت أفراح العراقيين الجنونية، بأن اليأس الذي كان يخيم على حياتهم من انفراجة الأوضاع في البلاد، قد هُزم وقُهر أمام كأس الخليج، فالملايين التي احتفلت جرّاء تتويج العراق بالبطولة، والأفراح التي عمّت الشوارع في جميع المحافظات بل وجميع الدول المحتضنة للجالية العراقية، برهنت على أن هذا التتويج فتح أملا جديدا لدى العراقيين بأيام أجمل، وبدأت الآمال ترنو على أفراح جديدة، ولعل مطالبات الجماهير بتكرار استضافة البطولات في العراق خير دليل على ذلك.