دوري نجوم العراق يترقب انطلاقة الموسم الجديد بآمال عريضة وتحديات مزمنة

انفوبلس..

يستعد دوري نجوم العراق لكرة القدم، لانطلاقة موسم استثنائي 2025-2026، يجمع بين خطوات جريئة نحو الحداثة وتحديات مزمنة تهدد مسار التطور. فبينما يتبنى الاتحاد العراقي تقنيات الذكاء الاصطناعي لتنظيم قرعة البطولة، ما يجعله في مصاف الدوريات العالمية، تواجه الأندية أزمات حقيقية تتعلق بوضع الملاعب، وتفاوت الدعم المالي، وضغط المباريات، في مشهد يعكس صورة معقدة للكرة العراقية.

ومن المؤمل أن تنطلق البطولة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، بعد جهود مكثفة من قبل الاتحاد العراقي ورابطة لا ليغا الإسبانية، لتجهيز كل ما يلزم لتكون نسخة هذا الموسم علامة فارقة في تاريخ الدوري. هذه الجهود، وإن كانت واعدة، إلا أنها لا يمكن أن تخفي الواقع المرير الذي تعيشه الأندية، والذي قد يلقي بظلاله على جودة المنافسة وسلامة اللاعبين.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على أبرز ملامح الموسم الجديد، بدءًا من تطبيق الذكاء الاصطناعي في القرعة، وصولاً إلى التحديات التي تواجه الأندية العراقية.

القرعة الذكية والإحصاءات العالمية

في خطوة غير مسبوقة في تاريخ كرة القدم العراقية، اتفق الاتحاد العراقي لكرة القدم، بقيادة رئيسه عدنان درجال، مع رابطة لا ليغا على إقامة قرعة دوري نجوم العراق عن طريق الذكاء الاصطناعي. هذه الخطوة، التي تهدف إلى تحقيق العدالة والشفافية الكاملة بين جميع الأندية، تأتي لتعوض عن الطرق التقليدية التي كانت تثير الكثير من الجدل وتستهلك وقتاً طويلاً. ففي السابق، كانت القرعة تتم يدوياً، مما كان يفتح المجال أمام التشكيك في نزاهتها، وهو ما يتغير جذرياً مع استخدام الذكاء الاصطناعي كجهة مستقلة وحيادية.

ولم تقتصر هذه القفزة التكنولوجية على القرعة وحدها، بل امتدت لتشمل جوانب أخرى من المسابقة. فقد أعلن الاتحاد عن عزمه التعاقد مع شركات عالمية مختصة بالإحصاءات والأرقام، لتوفير بيانات دقيقة ومفصلة عن أداء الفرق واللاعبين. 

هذا التوجه نحو الرقمنة يُعد خطوة إيجابية للغاية، لا سيما وأن الدوري العراقي بات محط أنظار الجماهير العربية، بعدما قامت الأندية بإبرام صفقات نوعية مع لاعبين محترفين من الأردن وتونس والجزائر ونيجيريا وغيرها من الدول. استخدام التقنيات الرقمية سيعزز من قيمة الدوري تجارياً وإعلامياً، ويسهل على المتابعين والمحللين رصد تطورات الأداء الفني والتكتيكي بشكل أكثر احترافية.

أزمة الملاعب

في المقابل، يواجه الدوري تحدياً يهدد مسيرته برمتها: أزمة الملاعب. فبينما تحاول الإدارة الجديدة للكرة العراقية تحديث الدوري، تعاني البنى التحتية للملاعب من إهمال واضح وتدهور خطير. فقد كشف مدير عام الدائرة الهندسية في وزارة الشباب والرياضة، محسن طعمة، عن واقع مؤسف، مؤكداً أن حالة الملاعب العراقية أصبحت متدهورة بشكل واضح، ما يجعلها غير مؤهلة لاستضافة المباريات، وقد يؤدي إلى تأجيل انطلاق الموسم.

العديد من الأندية تعيش أزمة حقيقية بسبب غياب الملاعب الخاصة بها. ففرق بحجم القوة الجوية، الذي يضطر للتدرب على ملعب الشعب الدولي في بغداد، أو نادي الشرطة، حامل اللقب، الذي لم يكتمل ملعبه الجديد بعد، كلها تعاني من ضغط المباريات والتدريبات على ملاعب محدودة، ما يزيد من إرهاق اللاعبين ويؤثر على جودة أدائهم. كما يبرز الوضع الصعب لنادي الموصل، الوافد الجديد، الذي سيضطر إلى خوض مبارياته على ملعب دهوك، ما يفرض عليه تكاليف إضافية ويزيد من الضغط اللوجستي على الفريق.

هذه الأزمة لا تتعلق بالبنية التحتية فقط، بل تعكس مشكلة إدارية أعمق. فقد أشار طعمة إلى أن الوزارة تنتظر قراراً من مجلس الوزراء لإعادة استلام الملاعب من الأندية، وذلك للبدء في عمليات صيانة وإصلاح عاجلة. إن تأخر هذا القرار يضع مصير الدوري على المحك، ويجعل الأندية عاجزة عن وضع خطط مستقرة استعداداً للموسم. إن غياب ملاعب التدريب المخصصة لكل نادٍ يحد من قدرة الأجهزة الفنية على تطبيق برامجها بشكل كامل، ويزيد من مخاطر إصابة اللاعبين بسبب سوء حالة الأرضيات.

سباق غير متكافئ

إلى جانب أزمة الملاعب، يعاني الدوري من تفاوت كبير في الدعم المالي بين الأندية، ما يخلق بيئة تنافسية غير متكافئة. فبينما نجح نادي الكرمة، على سبيل المثال، في عقد صفقات كبيرة مع نجوم محليين ومحترفين ليدخل غمار المنافسة كمرشح قوي على اللقب، يصارع الوافدان الجديدان، نادي الغراف ونادي الموصل، من أجل تأمين الدعم الكافي، ما يضطرهما إلى الاعتماد على المواهب الشابة، مما يقلل من فرصهم في المنافسة بشكل جدي.

هذا التباين المالي ينعكس بشكل مباشر على مستوى المنافسة. فالفرق المحدودة الإمكانيات تجد صعوبة بالغة في مجاراة الأندية المدعومة مالياً، وهو ما قد يؤثر على حماس البطولة ويزيد من الفجوة الفنية بين الفرق. وتفاقم هذه المشكلة هو ضغط روزنامة المباريات المزدحمة، الذي يرهق اللاعبين ويهدد جودة الأداء الفني، خاصة مع تحديات النقل البري بين المحافظات. فأندية الشمال والجنوب تقطع مئات الكيلومترات في رحلات مرهقة للوصول إلى الملاعب في المحافظات الأخرى، ما يؤثر على لياقة اللاعبين البدنية والنفسية ويجعلهم عرضة للإصابات.

جذب المواهب الأجنبية

على الرغم من التحديات، شهد الدوري تحولاً إيجابياً ملحوظاً في الموسم الجديد، تمثل في جذب عدد كبير من اللاعبين المحترفين من جنسيات مختلفة. وبلغ عدد المحترفين في الدوري حتى الآن 80 لاعباً، وهو ما يعكس جاذبية الدوري وقدرته على استقطاب المواهب الأجنبية.

وتشير الإحصائيات إلى تنوع الجنسيات المشاركة، حيث يتصدر التونسيون القائمة بـ14 محترفاً، يليهم النيجيريون بـ12 محترفاً، ثم البرازيليون بـ9 محترفين، والأردنيون واليمنيون بـ8 محترفين لكل منهما. كما يضم الدوري لاعبين من السنغال، ساحل العاج، الكاميرون، غانا، النيجر، وسوريا. هذا التنوع في الجنسيات من المتوقع أن يرفع من المستوى الفني للمباريات، ويضيف نكهة جديدة للمنافسة، كما سيساهم في تبادل الخبرات بين اللاعبين الأجانب والمحليين، وهو ما يعود بالنفع على الكرة العراقية ككل.

والخلاصة، فإن الموسم الجديد من دوري نجوم العراق يمثل لحظة حاسمة في تاريخ الكرة العراقية. فالآمال كبيرة في تحقيق نقلة نوعية من خلال تبني التكنولوجيا والاحترافية، لكن التحديات المزمنة المتعلقة بالبنية التحتية والدعم المالي قد تعيق هذا التقدم.

وإن نجاح هذا الموسم يتوقف على قدرة الجهات المسؤولة على إيجاد حلول سريعة وفعالة لأزمة الملاعب، وتوفير بيئة تنافسية عادلة لجميع الأندية، لضمان أن تتحول الوعود بالاحترافية إلى واقع ملموس، وأن يرتفع مستوى الدوري ليليق بطموحات الجماهير العراقية.

ويُعتبر موسم 2025–2026 فرصة ذهبية لدوري نجوم العراق لإثبات جدارته على الصعيدين المحلي والقاري. من خلال تبني التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، والعمل على تحسين البنية التحتية المالية والفنية، يمكن للدوري أن يشهد تطورًا ملحوظًا. إن التحديات الحالية تمثل فرصة للأندية والاتحاد للعمل معًا لتحقيق تطلعات الجماهير العراقية في كرة القدم.