دول الخليج وسوق الرياضة.. استثمار مربح أم فرصة للقوة الناعمة؟
إلى أي مدى يخدم الاستثمار في سوق الرياضة أهداف دول الخليج الغنية؟ ناقش أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إستينيا التركية "إبراهيم كاراتاش" إجابة هذا السؤال في تحليل نشره عبر موقع "منتدى الخليج الدولي"، مشيرا إلى أن دول الخليج من أكبر المستثمرين في العالم في سوق الرياضة الأجنبية، خاصة كرة القدم.
وذكر "كاراتاش" أن حكام الدول الخليجية والنخب النافذة فيها وصناديق ثروتها السيادية تسابقت على شراء أشهر العلامات التجارية الرياضية في العالم وأكثرها ربحًا، بما في ذلك نادي مانشستر سيتي، المملوك لدولة الإمارات العربية المتحدة (بقيمة تقديرية تبلغ 766 مليون دولار)، وباريس سان جيرمان المملوك لقطر (بقيمة 661 مليون دولار).
ورغم دخول المملكة العربية السعودية سوق الرياضة في وقت متأخر، لكنها حاولت تعويض ذلك من خلال استثمارات مماثلة للإمارات وقطر على نطاق واسع.
فبتوجيه من ولي العهد والزعيم الفعلي للمملكة "محمد بن سلمان"، اشترى صندوق الاستثمار العامة السعودي نادي نيوكاسل يونايتد في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
فيما اشترت البحرين، التي تتمتع بنفوذ اقتصادي أقل، العديد من الأندية الأصغر حجما، وبعضها ينافس في دوريات الدرجة الثانية الأوروبية.
وبالإضافة إلى عمليات الشراء المباشرة لأندية كرة القدم الشهيرة، اتبعت دول الخليج أيضًا استثمارات طموحة في الإعلانات الرياضية.
وتبنت قطر والإمارات خصوصا اتجاها لرعاية قمصان الفرق الرياضية الكبرى، والحصول على حقوق تسمية الملاعب الأوروبية، واستضافة الأحداث الرياضية العالمية الكبرى.
ويرى "كاراتاش" أن استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل تُظهر قيمة هذه الاستراتيجية، إذ تمكنها تلك الاستضافة من بث أكبر بطولة في كرة القدم إلى ما يقدر بـ3 مليارات مشاهد، مشيرا إلى أن الدوحة أنفقت نحو 200 مليار دولار لبناء الملاعب وتجديد البنية التحتية الخاصة بالبطولة الرياضية الأهم في العالم.
التلميع الرياضي
لكن مدى تحقيق هذه الاستثمارات لعوائد تتناسب مع نمط الاستهلاك الكبير للنخب الغنية، ظل موضوع نقاش حاد داخل منطقة الخليج، إذ تظل تلك العوائد أقل من تكاليف الاستثمارات في أغلب التجارب، حسبما يؤكد "كاراتاش".
ويشير الخبير التركي إلى أن الدافع لاستثمارات دول الخليج الغنية في سوق الرياضة على الأرجح هو تعزيز "القوة الناعمة" للبلدان، لافتا إلى أن صناديق الثروة السيادية الضخمة لهذه الدول تستهدف شراء أندية أو فرق رياضية بهدف "خلق صورة إيجابية عن بلدها".
فمن خلال شراء فرق رياضية أوروبية، يمكن لدول الخليج أن تبعث برسالة ذات شقين، الأولى هي أنها تستطيع ربط نفسها بالثقافة الغربية وتقديم نفسها للجمهور الغربي باعتبارها "دول حديثة وتقدمية لها قيم مماثلة لتلك الأوروبية".
أما الرسالة الثانية فتتمثل في حجب السمعة السياسية السيئة للممارسات غير الديمقراطية أو انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يسمى بـ"الغسيل الرياضي".
لكن "كاراتاش" يرى أن "الغسيل الرياضي" لا يحقق نجاحا كاملا في تغيير التصورات العامة للدولة الخليجية المستثمرة في سوق الرياضة، مؤكدا أنه "إذا دولة ما مشهورة بانتهاكاتها لحقوق الإنسان، فإن الاستثمارات الرياضية لا يمكنها التستر على جرائمها بالكامل".
فعلى سبيل المثال، أفادت تقارير إخبارية بأن أسرة "محمد الفرج" بعثت برسالة إلى أسطورة كرة القدم الأرجنتيني "ليونيل ميسي" بعدما اعتقلت السلطات السعودية ابنها عام 2017 البالغ من العمر آنذاك 2017، على خلفية مشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة عندما كان في التاسعة من عمره، الأمر الذي دفع باسم "الفرج" إلى صدارة عديد الوسائل الإعلامية في الغرب، وأضر بالفعل بمحاولات ولي عهد السعودية "محمد بن سلمان" لتقديم نفسه كأحد رعاة كرة قدم الكبار حول العالم.
غير أن الدول "ذات السمعة الأقل وحشية" يمكن أن تستفيد أكثر من "الغسيل الرياضي"، عبر الاستفادة من نسبة أكبر من التغطية على جرائمها، حسبما يشير "كاراتاش".
وضرب الخبير التركي مثالا على ذلك بقطر والإمارات، مشيرا إلى أنهما "دولتان غير ديمقراطيتين، ومع ذلك يتم تصويرهما بشكل إيجابي في كثير من أنحاء العالم، نتيجة لاستثماراتهما الرياضية السخية".
استثمار سيئ؟
ورغم أن الاستثمارات الرياضية يُنظر أحيانًا على أنها وسيلة لتنويع مصادر دخل دول الخليج في سعيها إلى تعزيز مصادر الإيرادات غير النفطية، لكن "كاراتاش" يؤكد أن دول الخليج "لا تشتري فرقًا رياضية لكسب المال"، مشيرا إلى أن الإحصاءات تؤكد أن "عائداتها المالية فشلت باستمرار في أن تفوق التكاليف".
ويوضح الخبير التركي أن الاستثمارات الرياضية "أداة قوة ناعمة" للدول الخليجية الغنية، حيث يتم استخدامها لـ"تعزيز الصور العالمية لدول الخليج الصغيرة، وتطوير علاقاتها مع الدول الأخرى، وكسب قلوب المراقبين الأجانب".
أما المساهمة الاقتصادية الأبرز للاستثمارات الرياضية فتتمثل في "زيادة مكاسب السياحة والترويج للعلامات التجارية الخليجية"، بحسب "كاراتاش" الذي أشار إلى أن أرقام السياحة ارتفعت بجميع دول الخليج الغنية في السنوات الأخيرة، ومن المؤكد أن الاستحواذ على أفضل فرق كرة القدم في العالم ساعد في تحقق ذلك.
وهنا يشير الخبير التركي إلى أن "العلامات التجارية على قمصان الفرق الرياضية والملاعب يمكنها أن تساعد الشركات المملوكة لدول الخليج، على زيادة إيراداتها"، ضاربا المثل بالخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات.
وفي السياق، جاء استكشاف دول الخليج الغنية لما يمكن أن تمثله "الرياضات الإلكترونية" من تأثير في تعزيز قوتها الناعمة، وبدأت بالاستثمار في الرياضة عبر الإنترنت.
فعلى سبيل المثال، اشترت مجموعة Savvy Gaming Group في السعودية شركتين أوروبيتين لتنظيم الألعاب الإلكترونية مقابل 1.5 مليار دولار في يناير/كانون الثاني الماضي، فيما نقلت تقارير غربية عن أحد الأمراء السعوديين أن المملكة ستساهم بمبلغ 21.3 مليار دولار، أو 1% من إجمالي الناتج المحلي السنوي للمملكة في استثمارات الرياضات الإلكترونية بحلول عام 2030.
وإزاء ذلك، تتنافس دول الخليج على تحقيق انتصارات عبر الاستحواذ على شركات الألعاب وتنظيم بطولات إلكترونية.
ويخلص "كاراتاش" إلى أن "الاستثمار في الرياضة يمثل استراتيجية مبتكرة استخدمتها دول الخليج تاريخيًا لتعزيز قوتها الناعمة"، لكنها لا تحقق إيرادات في الغالب، كما أن "تعزيز القوة الناعمة" و"الغسيل الرياضي" لهما حدود ولا يغيران صورة البلدان ذات السمعة السيئة.