فاتورة "التقشف" تثقل كاهل العراقيين.. وفائض أموال النفط بجيوب الفاسدين
لاتكاد تخرج حكومة من أزمات اقتصادية تحيق بالبلاد حتى تنتهي برمي أثقالها على الناس، تلك الاثقال دارت عليها سنوات لم تعالج إلا بألف دينار، قيمة ضريبة كارت الموبايل، وكأن أزمة العراقيين لم يبقَ منها سوى الاتصال حتى يعيشوا “في ترف الحياة”، ولأن المشاكل المركبة التي تتلاقف جيوب المواطنين تراكمت إزاء قرارات ارتجالية لم تعالج رغم ارتداداتها على السوق وواقع حال المعيشة وانتهاك مائدة لم يبقَ فيها سوى الخبز اليابس ورغم عودة الانفاس الى رئة النفط إلا أن المتصدرين يصرون دوما على نخر عظام سواد الناس والجفاء أوقات الرخاء، هذا باختصار نسخة من التعامل بين من يحكم ومن ينتظر عدل الذي يصل الى دفة إدارة الاموال.
وحتى بعد مرور ما يقارب السبع سنوات على انتهاء الحرب الضروس على الدواعش ودخول العراق أزمة اقتصادية خانقة طبقت خلالها الحكومة وقتها جملة من القرارات التقشفية لموازنة الحالة العراقية وعبور الازمة لكن تلك الصيغة الجاهزة كانت ملاذا لحكومة الكاظمي على أقل تقدير والتي استغلتها لامتصاص دماء العراقيين رغم الفائض الهائل في الاموال وتلك السيولة نسفتها آلة الفساد التي تكونت في سنتين حصدت ما يعادل فساد عقد ونصف دمرت خلالها السوق العراقية وازدادت نسب البطالة بشكل فاحش فضلا عن دوريات من الاطفال يمتهنون التسول في شوارع بغداد والمحافظات.
ويعتقد مواطنون أن ما تسميه الحكومات السابقة بحالة التقشف هو بمثابة حقل مفخخ يخترق رواتب الموظفين والمتقاعدين عند الضرورات التي يتطلب فيها دعم الخزين المالي لكنهم كثيرا ما ينتهون الى طمر تلك القرارات وعدم مراجعتها حال توفر السيولة، الامر الذي يلقي بظلاله على السوق التي سرعان ما يضربها الكساد والخمول من دون مراجعة أو دراسة اقتصادية لحل تلك العقد التي تراكمت إزاء السلوك الفوضوي في معالجة انكسارات الاقتصاد المنهار.
وتزامنا مع الحديث عن موازنة انفجارية تصل إلى نحو 150 مليار دولار لتغطية نفقات التعيينات ومشاريع استثمارية ضخمة ومشاريع متلكئة سابقة يروم رئيس الحكومة تنفيذها مع قوة الاموال الداخلة لخزينة الدولة تدعمها أسعار النفط، شن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة يذكرون فيها حكومة السوداني بأهمية مراجعة قرارات الحكومات السابقة التي استندت على ظهور الناس أيام التقشف مع إهمال إعادة النظر بتلك القرارات.
وحملت تدوينات انتشرت على موقعي تويتر وفيسبوك حالة من الازدراء والتهكم يطالبون فيها بنسف تلك القرارات الارتجالية التي أصبحت عرفا يلجأ اليها بعض المستشارين الفاشلين من أصحاب الحلول الجاهزة التي لا تعرف طريقا سوى “تقليل الرواتب”، وهي الطريقة التي يتم تقديمها الى أية حكومة تشعر بالعجز لتمشية أمور الناس ماديا.
وحتى مع رؤية حكومة السوداني في بناء ترسانة اقتصادية ومعالجة أزمات عصفت بالمواطنين وضاعفت أعداد الفقر والبطالة بينهم خلال السنوات السبع الاخيرة، يدفع خبراء اقتصاد الحكومة باتجاه اعتماد آليات ودراسات محكمة بعيدة عن آراء بعض المقربين التي غالبا ما تصدر بشكل عشوائي تخلف وراءها جملة من الاورام التي سرعان ما تنتهي بالانهيار إزاء فقدانها لقاعدة علمية في العمل.
ويلقي الخبير الاقتصادي رغيد حسين باللائمة على ما يعرف “بالمستشارين المقربين من الحكومة الذين غالبا ما يقدمون الوصفات الجاهزة أثناء الازمات، مشيرا الى أن الاستشاري الناجح يقدم رؤيته ويستبق الازمات لإيجاد مساحة موفقة لا تؤثر على المواطنين وتبقي السوق في حالة من الاسترخاء”.
ويقول حسين، إن “الانهيار الذي واجهه الموظف والمتقاعد ليس باستقطاع نسبة من الراتب او رفع الدولار الذي قلل من قيمته وإنما من الاضرار المضاعفة التي حصلت في السوق”، منوها الى أن “أغلب الدول القريبة من العراق تلجأ الى دعم الموظف من خلال فاتورة الكهرباء او الماء او إضافة بعض التخصيصات لحمايته من الانهيار إلا في العراق فإن الوصفات الجاهزة تذهب باتجاه تدمير الموظفين ونهش رواتبهم”.
ومضى يقول، إن “العملية الاستشارية المحيطة بالحكومة لم تنتج رؤية واضحة فهم يتعاملون مع الثوابت والاقتصاد بطبيعته متحركا وهؤلاء ليسوا اقتصاديين لأنهم يفتقدون للرؤية البناءة التي تحتاجها الدولة”.
وخسر المواطنون بسبب القرارات المتحركة الكثير من مقدرات معيشتهم إزاء ارتباك السوق وغليان الاسعار التي لم ترافقها رؤية حقيقية للسيطرة على الاسعار مع فقدان القيمة الشرائية لتلك الرواتب التي امتصت الحكومة جزءا منها دون معالجتها وإحداث حالة من التوازن الاقتصادي.