في رحيله لابد من فضح "عبادة صدام".. كيف بادر شرار حيدر إلى فضح ممارسات عدي بحق الرياضيين؟
انفوبلس/ تقرير
ودَّعت الأوساط الرياضية في العراق نجم منتخب "أسود الرافدين" السابق، شرار حيدر، الذي توفي أمس الجمعة 22 أيلول/ سبتمبر 2023، في إحدى مستشفيات مدينة اسطنبول التركية، عن عمر ناهز 52 عامًا والذي يعتبر من المبادرين لفضح ممارسات "عدي صدام" بحق الرياضيين.
وقالت إدارة نادي الكرخ، "اللاعب الدولي السابق شرار حيدر توفي في تركيا، بعد غيابه عن الوعي لشهرين، ولم تنجح المحاولات الطبية في إنقاذ حياته، نعمل حاليًا كإدارة على نقل جثمانه إلى العراق، وإقامة تشييع مهيب يليق بمسيرته كلاعب وإداري".
حيدر الذي سبق أن شغل منصب النائب الثاني لرئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم أكثر من مرة، وترأس نادي الكرخ لأكثر من ثلاث دورات، توفي إثر عملية أُجريت له في القلب، حيث دخل بعدها في غيبوبة أثّرت في خلايا دماغه وأتلفتها.
من جانبه، قدّم رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، عدنان درجال، التعازي الحارة لعائلة زميله السابق، حيث كتب عبر حسابه الرسمي في "فيسبوك": "ببالغ الحزن والأسى نعزي الوسط الرياضي والأسرة الكروية وعائلة الفقيد، برحيل اللاعب الدولي ورئيس نادي الكرخ السابق شرار حيدر، ونسأل الله العلي القدير أن يسكنه فسيح جنانه ويلهمنا على فراقه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون".
من هو شرار حيدر؟
شرار حيدر مواليد العام 1971 وهو خريج كلية الآداب قسم الإعلام ومن أبرز لاعبي كرة القدم العراقيين الذين قاموا باللعب في المنتخب العراقي، وقام بعمل العديد من الإنجازات، وخاض العديد من المباريات الفريدة، بالإضافة إلى أنه قام باللعب في نادي الرشيد العراقي، ثم توجه إلى اللعب في خط الدفاع.
وكان الراحل يتميز باللياقة الجسمانية واللعب بشكل مميز حيث كان يجيد مراقبة الخصم والحصول على الكرة منه في الوقت المناسب لإحراز الأهداف.
ومثّل الراحل حيدر المنتخب العراقي في أكثر من مناسبة، أبرزها بطولة الخليج العربي في الكويت 1990، وتصفيات أولمبياد سيول 1988، وتصفيات مونديال 1990، كما ارتدى قميص أندية الرشيد والقوة الجوية والطلبة، واحترف اللعب مع شباب باتنة الجزائري، واستقر في لندن عام 1999، وعاد إلى بغداد بعد عام 2003، ليتولى إدارة نادي الكرخ حتى استقالته العام الماضي.
وقد هرب من العراق بعهد حكم المقبور صدام حسين وذهب إلى الجزائر وانظم إلى نادي شباب باتنة مع رفقة زميله سعد قيس.
وعاد حيدر الى العراق بعد الغزو 2003 من أجل إعادة بناء الرياضة العراقية وظل سنوات طويلة يحاول دون جدوى، ثم غادرها بعد تنازله عن رئاسة نادي الكرخ وعاد إلى لندن ليكمل حياته هناك كونه يحمل الجنسية الانكليزية إضافة للعراقية، وذلك بعد أن فشلت مساعيه في تصحيح أوضاع الكرة العراقية حيث رُشح عدة مرات لمنصب وزارة الشباب والرياضة لكنه لم يحالفه الحظ.
ممارسات عدي صدام بحق الرياضيين
خلال تولي عدي، نجل الرئيس الأسبق المقبور صدام حسين، رئاسة الجامعة واللجنة الأولمبية بين سنة 1984 وسنة 2003، تعرض العديد من اللاعبين العراقيين للإهانة، والتعذيب بسبب خسارة مباريات أو تراجع المردود. وصرّح شرار حيدر، اللاعب السابق، أنه "تم اعتقاله ثلاث مرات".
ويقف شرار حيدر أمام النافذة يحمل في يده المسبحة، وفي عينيه نظرة استشراف، وهو يراقب العاصفة الرملية والمشهد الفوضوي الذي يحيط بمقر الجامعة. ويحيط بالمكان جدار من الخرسانة، يحرسه مجموعة من عناصر الجيش، محملين بأسلحة كلاشنكوف أو مباني منهارة وأخرى لم يكتمل بناؤها بعد.
شرار حيدر من القلائل الذين قبلوا الحديث عن المحن التي مرَّ بها بين سنتي 1993 و1997.
على غرار العديد من لاعبي كرة القدم السابقين، ليس لدى شرار حيدر سوى الذكريات الكروية ليشاركها. لكنه من القلائل الذين قبلوا الحديث عن المحن التي مرَّ بها بين سنتي 1993 و1997. وخلال نهاية الثمانينيات، أصبح شرار حيدر أحد اللاعبين الدوليين، خاصة مع المباريات الجيدة التي قدمها بين صفوف نادي "الرشيد الرياضي" في خط الدفاع.
واجه حيدر صعوبة في إيقاف مسيرته الكروية. ولم يقبل أي مسؤول في اللجنة الأولمبية هذا القرار بالاعتزال، وطلب منه العودة بسرعة للتدريبات خوفا من أن يسلط عليه نجل صدام حسين غضبه مرة أخرى.
في ذلك الوقت، كان شرار يمثل أيقونة الكرة المحلية. لكن جاء الوقت الذي أصبح مردوده مخيبا للآمال بالنسبة لعدي صدام حسين؛ مما أدى إلى حبسه مرتين في سجن الرضوانية. وسُجن في المرة الأولى لمدة أسبوعين، ثم سُجن لمدة عشرين يوما. وخلال مروره بالسجن، تم جره على ظهره وهو عاريا، ثم أُلقي في الرمل والماء الراكد. كما تعرض شرار للضرب بعصا من خشب على مستوى الساقين والظهر.
في الأثناء، يُجبر لاعبون آخرون على تسديد كرة خرسانية، وقضاء الليل في تابوت شديد الحرارة، ومليء بنتوءات حادة أو محاكاة قيادة درجات هوائية مرسومة على الجدار. وقال شرار أنه "خلال سنة 1993 وأثناء التحضيرات لكأس العالم الذي دارت فعالياته خلال سنة 1994، في الولايات المتحدة الأمريكية، بيت العدو الأكبر، وضع عدي ضغطا كبيرا علينا من أجل الترشح. لكنه لم يخُض المباريات منذ ذلك الوقت".
بشكل عام، واجه حيدر صعوبة في إيقاف مسيرته الكروية. ولم يقبل أي مسؤول في اللجنة الأولمبية هذا القرار بالاعتزال، وطُلب منه العودة بسرعة للتدريبات خوفا من أن يسلط عليه نجل صدام حسين غضبه مرة أخرى. وذكر شرار حيدر لحظة قدوم الجنود إلى بيته، واعتقاله. واسترجع تلك اللحظات قائلا: "لقد رفضت الإجابة مرتين، ثم جاؤوا ليبحثوا عني". بعد ذلك، تم اقتياده إلى مقر اللجنة الأولمبية، حيث اعتقد شرار حيدر بأنه سيتم سجنه في الغرفة الحمراء التي تجعل من اللاعبين الذين يتم معاقبتهم مجانين.
على العكس ذلك، مدّه الجنود بهاتف يعمل بالأقمار الصناعية، وتواصل مع عدي على الخط بحدود الساعة الثالثة صباحا. وطلب نجل المقبور صدام حسين من اللاعب الشاب، في ذلك الوقت، العودة إلى تدريبات من جديد مع المنتخب. لكنه رفض الأمر بسبب آلام في البطن. وأجابه بأنه "لن يلعب إلا إذا وفّر له طبيبا لمعالجته". بعد ذلك، انتهت المكالمة بينهما، ليتم إرساله إلى سجن الرضوانية. وفي هذه المرة تواصلت مدة اعتقاله بين الخمسة والستة أشهر. كما تم إلغاء جواز سفره وحضره من ممارسة نشاط كرة القدم، بالإضافة إلى اتهامه "بالخيانة"، وتم نفيه سنة 1997، وفقا لشرار.
في بغداد، يبدو الرجل الذي تحدى عدي صدام حسين واجه الفاسدين المجدد. فعلى غرار كل الأقسام المكونة للمجتمع، فإن كرة القدم العراقية طالتها الرشاوى والحسابات القبلية وتهديدات الجماعات المسلحة الغير نزيهة. وبحسب منظمو الشفافية الدولية الغير حكومية فإن "قرابة 65 بالمائة من العراقيين يدفعون بقشيش لموظفين على الأقل خلال تنظيم كل مناسبة على امتداد سنة 2016". من جهته، أكد شرار حيدر سابقاً أن الفساد يعد العدو الجديد للكرة العراقية. وأشار إلى أن "ميزانية اللجنة الأولمبية تبلغ حوالي 55 مليون دولار سنوياً، أي ما يعادل 45 مليون يورو. لكن، من المؤكد أن تجذب هذه الأرقام الأشخاص الفاسدين".
وتعرض شرار لظلم كبير في المجال الكروي العراقي، حيث ان عدنان درجال والذي اقام مجلس عزاء لعدي صدام أصبح رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، بينما من حاربه تم تجاهله من قبل النظام الحالي.
كما في السنوات الأخيرة ظهرت العديد من التقارير الصحفية تتحدث عن ممارسات عدي صدام بحق الرياضيين، ومن بينها أفردت صحيفة ماركا الإسبانية مساحة واسعة للحديث عما وصفته بالجرائم التي ارتكبها عدي صدام حسين، نجل الرئيس العراقي المقبور.
وذكر تقرير الصحيفة أن عدي انتهج سياسة تعذيب وحشية وغير معهودة بحق الرياضيين العراقيين، وحوّل الطابق السفلي لمبنى اللجنة إلى وكر لتعذيب وإهانة الرياضيين في حال عدم تحقيقهم نتائج جيدة، وذلك في حضور، وأحياناً مشاركة عدي شخصياً.
ونقلت الصحيفة عن بعض اللاعبين ومن بينهم شرار حيدر قولهم إن "عدي كان يعذبهم بالجَلد على باطن القدمين، وأحياناً يتم سجنهم في أقفاص تحت الأرض، إضافة إلى تهديدات لا نهاية لها ببتر أقدامهم أو إلقائهم إلى كلاب جائعة".
ووصل الأمر، طبقاً للصحيفة، إلى تهديد منتخب كرة القدم العراقي بتفجير الطائرة التي تقلّهم في حال الخسارة أمام نظيره الإيراني، حتى بات الأمر يشكل كابوساً مرعباً بالنسبة للاعبين، خصوصاً في حال تلقيهم أي خسارة سواء في مباراة رسمية أو ودية.
وسردت الصحيفة قضية اللاعب السابق شرار حيدر، الذي تعرّض لتعذيب شديد دفعه للهروب من العراق، قبل أن يعود من جديد عقب سقوط النظام السابق.