التدخل التركي في تشكيل حكومة كردستان.. محاولة لفرض الهيمنة الإقليمية وتغيير موازين القوى السياسية
أنقرة تعزز نفوذها
انفوبلس/..
بعد تأجيل استمر لأكثر من عامين، شهد إقليم كردستان انتخابات برلمانية أفرزت مشهداً سياسياً معقداً. لم يتمكن الحزبان التقليديان، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، من تحقيق الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومة منفردة، مما يفرض عليهما الدخول في مفاوضات مع قوى سياسية أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة.
ويرى مراقبون أن سياسة الاحتكار التي ينتهجها الحزب الديمقراطي الكردستاني تعد العائق الأكبر أمام تشكيل الحكومة، حيث يصر الحزب على شروطه التي تشمل الحصول على منصبي رئاسة الإقليم والحكومة، إلى جانب ترشيح مسرور بارزاني لولاية ثانية في رئاسة الحكومة. في المقابل، يطالب الاتحاد الوطني الكردستاني بمنصب رئاسة الإقليم، مما يفاقم من تعقيد المشهد السياسي.
هذا التأخير في تشكيل الحكومة انعكس سلباً على العديد من القضايا الهامة، أبرزها الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين طالما عانوا من تداعيات السياسات السابقة. ومع استمرار الأزمة، يترقب الشعب الكردي حلولاً عاجلة لمشكلاتهم، وعلى رأسها أزمة الرواتب التي تمثل معاناة يومية للكثيرين.
التدخلات التركية
تشير مصادر سياسة، الى أن تركيا تسعى للعب دور رئيسي في تشكيل حكومة إقليم كردستان، حيث أن زيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني ورئيس حركة الجيل الجديد إلى أنقرة كشفت عن مؤامرة لتعزيز النفوذ التركي في العملية السياسية.
وفي هذا الشأن، أكد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، هيوا محمد، الجمعة، إن تركيا تسعى للعب دور رئيسي في تشكيل حكومة إقليم كردستان.
وقال محمد في تصريح صحفي، تابعته INFOPLUS، إن "الهدف من الاجتماع بين الحزبين الكرديين الرئيسيين كان تحديد كيفية تشكيل الحكومة ووضع خارطة الطريق، لكن بعد زيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني ورئيس حركة الجيل الجديد إلى أنقرة، تبين أن هناك مؤامرة من تركيا بهدف تعزيز دورها في تشكيل الحكومة".
وبين أن "تركيا غير راضية عن أن يكون رئيس الإقليم أو رئيس حكومة الإقليم من الاتحاد بسبب مواقفه الوطنية في المنطقة"، موضحا ان " تركيا تسعى لتقييد الاتحاد في مفاوضات تشكيل حكومة الإقليم، بحيث يصبح مضطراً لقبول أي سيناريو إذا اتفق الديمقراطي والجيل الجديد".
واوضح القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، أن "الحزبين الرئيسيين في الإقليم لا يمكنهما تشكيل الحكومة دون مشاركة بعضهما البعض".
طبخة تركية خلف الزيارة
وكان عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غازي كاكائي، قد علق الخميس، (9 كانون الثاني 2025)، على زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، ورئيس حراك الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد إلى تركيا، واحتمالية إضفاء الصبغة التركية على حكومة الإقليم وتشكيل حلقة ضغط على الاتحاد الوطني.
وقال كاكائي إنه: "لا يمكن استثناء الاتحاد الوطني من المعادلة السياسية، فهو يمتلك ثقلا سياسيا فضلا عن امتلاكه ثقلا جغرافيا ومنطقيا لا يمكن استبعاده"، مضيفاً أنه "لا أحد ينكر التدخلات التركية في العراق، وأنقرة تتدخل في جميع الملفات، وعبر حلفائها في الإقليم تريد فرض سيطرتها على الحكومة المقبلة، بحجج وجود مصالح واستثمار ومعسكرات ومقاتلة حزب العمال الكردستاني".
وأشار إلى أن "استدعاء رئيس حراك الجيل الجديد ورئيس حكومة الإقليم من قبل تركيا بالتأكيد خلفها طبخة تركية، لكننا نؤكد بأن الاتحاد الوطني لا يأخذ أي إشارات أو توجيهات إلا من قيادته، وما تمليه عليه مصلحة الإقليم والعراق".
وكان رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، قد زار أنقرة الثلاثاء (7 كانون الثاني 2025)، والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، "وتناول الاجتماع بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، ومناقشة آخر المستجدات والتطورات على الساحة العراقية، بالإضافة إلى المتغيرات في المنطقة ولاسيّما سوريا".
تزايد التدخل التركي
وتشهد السياسات التركية في إقليم كردستان العراق تزايدًا ملحوظًا في التدخلات، التي باتت محط انتقاد واسع بسبب تأثيراتها السلبية على الاستقرار في المنطقة، وهذه التدخلات تستند إلى مجموعة من الدوافع المعلنة، لكنها تثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية لتركيا وأهدافها المستقبلية.
وتستمر تركيا في تبرير تدخلاتها العسكرية في شمال العراق تحت مظلة مكافحة حزب العمال الكردستاني (PKK). ورغم التذرع بحماية أمنها القومي، يبدو أن تعزيز نفوذها في كردستان يتجاوز مجرد التصدي لهذه الجماعة، ومثل هذه السياسات تنطوي على انتهاك للسيادة العراقية وتثير القلق بشأن استمرار التدخلات العسكرية، التي تؤجج الصراعات بدلاً من حلها.
التحركات التركية لتشكيل حكومة في إقليم كردستان تتماشى مع سياساتها الإقليمية، وتعكس طموحًا لتوسيع نفوذها السياسي، وهذه الجهود لا تقتصر على الشأن المحلي فحسب، بل تمثل محاولة لتقويض السيادة العراقية من خلال فرض أجندات خارجية.
رؤية مشتركة للمرحلة المقبلة
وأكد عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، محمود خوشناو، الأربعاء الماضي، أن الاجتماع الذي جرى بين الوفدين التفاوضيين للاتحاد والديمقراطي الكردستاني جاء نتيجة لتوصيات الاجتماع الثاني بين الطرفين، حيث استمر النقاش لأكثر من ست ساعات، وتمخض عن التوصل إلى رؤية مشتركة بشأن المرحلة المقبلة.
وقال خوشناو في تصريح صحفي، ان "اللجنة المشتركة بين الاتحاد والديمقراطي الكردستاني ستكون مسؤولة عن صياغة مسودة برنامج حكومي مشترك، والذي سيشكل الأساس للاتفاق السياسي الخاص بانتخاب رئاسة الإقليم وتشكيل الحكومة".
وأشار إلى أنه "رغم وجود بعض الاختلافات في وجهات النظر بين الطرفين، إلا أن هناك العديد من النقاط المشتركة التي تم التوصل إليها، مع اعتراف كل طرف بإخفاقات الطرف الآخر".
وأضاف أن "الاجتماعات الحالية تركز على الاتفاق حول البرنامج الحكومي ومنهجية إدارة الحكم، وليس على توزيع المناصب في الحكومة المقبلة".
وفيما يتعلق بالخطوات المقبلة، أفاد خوشناو أنه "من المقرر عقد اجتماع آخر يوم الخميس لمواصلة النقاش حول النقاط المشتركة التي تم التوصل إليها وتحديد الخطوط العامة للبرنامج الحكومي والمنهاج الوزاري".
جدير بالذكر أن الأيام الأخيرة شهدت اجتماعات بين المكتبين السياسيين للبارتي واليكتي لمناقشة تشكيل حكومة إقليم كردستان للدورة الانتخابية السادسة.
تأخير تشكيل الحكومة متعمد
من جانبه، أكد عضو حركة تفكري ازادي الكردية، لقمان حسن، ان احزاب السلطة الحاكمة في كردستان تسعى لتأخير تشكيل الحكومة في الاقليم، لحين اجراء الانتخابات البرلمان في العراق وذلك بهدف اعادة رسم خارطة المناصب فيما بينهم.
وقال حسن في تصريح صحفي، ان "الاطراف المسيطرة على السلطة في اقليم كردستان تتمنى استمرار الوضع على ما هو عليه عبر التأخر في تشكيل الحكومة في الإقليم".
واضاف ان "الاحزاب الحاكمة تسعى لتأجيل تشكيل الحكومة الجديدة في الاقليم لحين اجراء الانتخابات البرلمانية في العام المقبل، من اجل توزيع المناصب بالشكل الذي يرغبون به خصوصا فيما يتعلق بالرئاسات".
وبين ان "هذه الاحزاب لديها اتفاقية استراتيجية منتهية الصلاحية، ومن الممكن ان تنتظر اجراء الانتخابات في العراق كي يعيدون الاتفاق من جديد بشأن توزيع المناصب فيما بينهم واعادة رسم الخارطة السياسية في كردستان".