العراق يتجه لاعتماد كليات "بوليتكنك" بديلاً للمعاهد.. تعرف على هذا النمط من الكليات
ربط التعليم بسوق العمل
انفوبلس..
في خطوة وُصفت بأنها تاريخية واستراتيجية، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي، نعيم العبودي، يوم الأحد، عن تحويل تسعة معاهد تقنية إلى كليات من نمط البوليتكنك (Polytechnics)، في إطار سياسة جديدة تهدف إلى تنويع التعليم العالي وربطه بشكل أوثق باحتياجات سوق العمل المحلي والدولي.
وقال الوزير في مؤتمر صحفي عقده في بغداد، إن استحداث هذا النمط من الكليات “يستند إلى فلسفة واضحة تربط التعليم بسوق العمل”، موضحاً أن القرار يمثل نقلة نوعية في مسار التعليم العالي في العراق، من خلال إدخال تجربة تعليمية قائمة على التطبيق والمهارات، إلى جانب البعد الأكاديمي.
وأوضح العبودي، أن هذه الكليات ستمنح الطلبة خيارين: إما إكمال سنتين والحصول على شهادة الدبلوم التقني، أو الاستمرار لأربع سنوات لنيل شهادة البكالوريوس.
واعتبر الوزير أن هذا التنوع يفتح المجال أمام شريحة أوسع من الطلبة، بعدما كانت المعاهد التقنية تعاني سابقاً من عزوف نسبي وقلة الإقبال مقارنة بالجامعات.
دعم الكوادر الجامعية
وأشار الوزير إلى أن نجاح هذه التجربة يتطلب دعماً كاملاً من رؤساء الجامعات والكوادر التدريسية، مؤكداً أنهم مؤهلون للتصدي لهذه المرحلة الجديدة التي وصفها بـ"المتطورة جداً".
وأضاف، أن الوزارة تعمل على توفير بيئة أكاديمية مناسبة قادرة على معالجة التحديات المتعددة، وتقديم تعليم يواكب التطور العلمي والمعرفي.
وتطرق العبودي إلى التحديات الكبرى التي يواجهها العالم، مشيراً إلى أن التعليم العالي في العراق يجب أن يواكب التطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة البديلة، وغيرها من التخصصات التي أصبحت محور اهتمام دولي.
وقال: "نحن قادرون على الانطلاق سريعاً في هذه المجالات، وسنضع الحلول بعزيمة وإرادة حقيقية سواء من خلال جامعاتنا أو طلبتنا".
توزيع المعاهد ومشاريع التوسّع
وبيّن الوزير، أن المعاهد التي جرى تحويلها إلى كليات بوليتكنك تم توزيعها بين أربع جامعات تقنية، مؤكداً أن هذا المشروع لن يتوقف عند هذا الحد، بل ستتوسع التجربة خلال العام المقبل لتشمل تحويل المزيد من المعاهد إلى كليات تقنية.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يمثل تحولاً جوهرياً في فلسفة التعليم العالي بالعراق، إذ يسعى لردم الفجوة بين مخرجات المؤسسات التعليمية واحتياجات سوق العمل، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والتكنولوجية التي تواجه البلاد.
كما يمنح الطلبة فرصة أوسع لاختيار المسار الأنسب لهم، سواء عبر التعليم الأكاديمي التقليدي أو التعليم التطبيقي التقني.
وبهذه الخطوة، يكون العراق قد فتح الباب أمام نمط تعليمي طالما أثبت نجاحه في دول أخرى، حيث يشكل التعليم التطبيقي قاعدة أساسية لبناء اقتصاد منتج قادر على المنافسة والابتكار.
ما هو نمط الـ "البوليتكنك"؟
كليات البوليتكنك تمثل نمطاً تعليمياً حديثاً يركز على الدمج بين الجانب الأكاديمي والجانب التطبيقي، إذ لا يقتصر دورها على تدريس المناهج النظرية، بل تمنح مساحة واسعة للتدريب العملي والمهارات المهنية المرتبطة مباشرة بسوق العمل.
هذا النموذج يتيح للطالب مرونة أكبر، إذ يمكنه التوقف عند شهادة الدبلوم التقني بعد عامين أو الاستمرار إلى أربع سنوات للحصول على البكالوريوس. وتكمن أهميتها في أنها تقدم تعليماً موجهاً نحو القطاعات الحيوية مثل الهندسة بفروعها، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة، والمهن الصحية، والعلوم الزراعية.
ومن خلال هذا التنوع، فإن هذه الكليات لا تعمل فقط على تزويد الطالب بالعلم والمعرفة، بل تمنحه أيضاً خبرة عملية تُمكّنه من الاندماج الفوري في بيئة العمل بعد التخرج. هذه الفلسفة تجعل كليات البوليتكنك أكثر قرباً من حاجات المجتمع، وأكثر قدرة على معالجة الفجوة القائمة بين التعليم الجامعي التقليدي واحتياجات السوق.
تجارب عالمية وإمكانية النجاح في العراق
تجربة كليات البوليتكنك ليست جديدة على مستوى العالم، إذ أثبتت نجاحها في دول مثل ألمانيا من خلال الجامعات التطبيقية Fachhochschule، وفي الهند عبر شبكة المعاهد التقنية المنتشرة على نطاق واسع، وفي المملكة المتحدة قبل تحولها إلى جامعات شاملة.
وما يميز هذه التجارب هو قدرتها على إنتاج خريجين يتمتعون بمهارات مباشرة تلبّي احتياجات القطاعات الصناعية والتكنولوجية، وتدعم الاقتصاد المحلي بشكل ملموس.
في العراق، يأتي اعتماد هذا النمط في وقت يشهد فيه سوق العمل حاجة ماسّة إلى كوادر وسطية وتقنية، قادرة على تشغيل المصانع، وإدارة مشاريع البنية التحتية، والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
وإذا ما نجحت الوزارة في تطبيق هذه التجربة على نطاق واسع، فإن العراق سيكون أمام فرصة حقيقية لإعادة رسم خريطة التعليم العالي بحيث لا يقتصر على المسارات الأكاديمية التقليدية، بل يفتح المجال أمام التعليم التطبيقي كأداة فاعلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعي.