الكيان الإسرائيلي يستغل الدروز خارجياً ويمارس التمييز ضدهم في الداخل المحتل

مواطنون عند الحاجة
انفوبلس..
في سياق ذرائعي معتاد، تواصل إسرائيل تبرير تدخلها العسكري في سوريا بذريعة "حماية الطائفة الدرزية"، في خطوة تعيد إلى الأذهان ممارسات استعمارية قديمة، طالما استُخدمت لتبرير العدوان تحت شعارات إنسانية زائفة.
هذه السياسة تُذكّر بالتدخل النازي في تشيكوسلوفاكيا عام 1938، حين استخدم هتلر حماية الألمان السوديت غطاءً لغزو بلد مستقل، بذريعة الدفاع عنهم من الاضطهاد، وهي الذريعة ذاتها التي يتبناها اليوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب دوليًا بتهم ارتكاب جرائم حرب، مدفوعًا بتحالفه مع أطراف يمينية متطرفة.
وما يجعل هذا الخطاب أكثر تناقضًا، هو الوضع الحقيقي للطائفة الدرزية داخل إسرائيل ذاتها، حيث تُمارس ضدهم سياسات تمييز ممنهجة، ويُعامل أفرادها كمواطنين من الدرجة الثانية رغم خدمتهم في جيش الاحتلال.
وتُظهر تقارير متطابقة أن الجنود الدروز يُزج بهم في الخطوط الأمامية، كما حدث في غزة، حيث قُتل العقيد إحسان دقسة، أحد أبرز الضباط الدروز، في معركة عنيفة ضمن عدوان مستمر على القطاع.
تعامُل الاحتلال مع الدروز
رغم محاولات الاحتلال تصوير علاقته بالطائفة الدرزية على أنها نموذج للاندماج والمواطنة، إلا أن الواقع يعكس صورة أكثر تعقيدًا، تتسم بالتمييز والاستغلال، ويبلغ عدد الدروز في الأراضي المحتلة نحو 143 ألف نسمة، ما يشكّل 1.6% من إجمالي السكان، ويتركزون أساسًا في مناطق الجليل وجبال الكرمل، في بلدات مثل بيت جن، ودالية الكرمل، والمغار، وحرفيش، ومجدل شمس.
على عكس باقي العرب الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، يُفرض على أبناء الطائفة الدرزية التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال، وهو إجراء لا يسري على بقية مكونات المجتمع العربي هناك.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 85% من الشباب الدروز يؤدون الخدمة العسكرية، وهي نسبة تفوق حتى نسبة التجنيد في صفوف اليهود، ما يعكس حجم الضغط الذي يُمارس عليهم للالتحاق بالمؤسسة العسكرية.
وقد صعد عدد من الضباط الدروز إلى مراتب عليا، مثل غسان عليان، القائد السابق للواء "غولاني"، وأيوب كيوف، قائد وحدات نخبة ومسؤول اللواء المكلّف بمنطقة جنين، لكن ذلك لم يُترجم إلى مساواة حقيقية، بل بقيت هذه الأدوار العسكرية سيفًا ذا حدين، حيث استُخدم الدروز في تنفيذ أجندات الاحتلال، دون أن يحظوا بحقوق متساوية داخل المجتمع الإسرائيلي.
انخراط الدروز في جيش الاحتلال
بدأ انخراط الطائفة الدرزية في جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايات تأسيس الدولة عام 1948، وفقًا لتقديرات متعددة، حيث عملت السلطات الإسرائيلية منذ ذلك الحين على فصل الدروز عن محيطهم العربي، من خلال تصنيفات دينية وسياسية تهدف إلى ضرب الهوية القومية الجامعة، ورُوّج للدروز باعتبارهم "عرباً غير مسلمين"، وتم التعامل مع ديانتهم كقومية مستقلة، في محاولة لخلق فجوة بينهم وبين المجتمع العربي الفلسطيني الأوسع.
ولتكريس هذا الفصل، اعترفت إسرائيل بالديانة الدرزية كديانة منفصلة عام 1957، ثم فصلت المحاكم الدرزية عن المحاكم الشرعية الإسلامية عام 1959، ما ساهم في ترسيخ عزلة ثقافية ودينية مدروسة.
في السياق ذاته، دُفعت شخصيات درزية نافذة إلى دعم فرض التجنيد الإجباري، رغم المعارضة الواسعة من داخل الطائفة، حتى تم تقنين الخدمة العسكرية الإلزامية عام 1959، وشُكّلت لاحقًا كتيبة "حيرف" الخاصة بالدروز عام 1974.
وقد روّج ديفيد بن غوريون لفكرة "حلف الدم" مع الدروز، معتبرًا أن ولاءهم العسكري لإسرائيل يضمن لهم الأمان. ومع ذلك، قُتل أكثر من 429 جنديًا درزيًا في صفوف جيش الاحتلال حتى نهاية عام 2022، دون أن يثمر هذا الانخراط عن مساواة حقيقية.
وعلى العكس، وصف دبلوماسيون إسرائيليون هذا التجنيد بأنه "حربة" لضرب القومية العربية، بما في ذلك تأثيره على دروز سوريا ولبنان، وهو ما يعكس البُعد الاستراتيجي الذي تستغله إسرائيل في علاقتها مع هذه الطائفة.
مواطنون عند الحاجة
رغم مشاركة الدروز الفاعلة في جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، ظلّوا مواطنين من الدرجة الثانية، لا يتمتعون بحقوق متساوية مع اليهود. فمنذ عام 1948، عانوا من سياسات تمييز ممنهجة طالت مجالات الأرض والسكن والتعليم والاقتصاد، وحتى المؤسسة العسكرية نفسها. أكثر من 85% من أراضي القرى الدرزية صُودِرت، ما أدى إلى ضائقة سكنية خانقة، بينما قوبلت محاولات البناء دون ترخيص بأوامر هدم متكررة، رغم إنشاء "دائرة شؤون الدروز" عام 1970.
تقرير صادر عن "Crown Center" وثّق تعرض جنود دروز لممارسات عنصرية، من بينها أوامر هدم لمنازلهم أثناء خدمتهم في غزة، وتميّزت المؤسسة العسكرية أيضاً بإهمالهم، فتعرضوا للإهانة والتمييز، حتى في المواقع الحساسة كمفاعل ديمونة، فيما حُرم الجنود المسرّحون من امتيازات تُمنح لنظرائهم اليهود. لم تقتصر الإهانات على الرتب الدنيا، بل طالت شخصيات رفيعة مثل السفير رضا منصور.
التعليم والخدمات في البلدات الدرزية تعاني من ضعف مزمن، والبنى التحتية متأخرة. وجاء "قانون الدولة القومية" عام 2018 ليؤكد تهميش الدروز، إذ حصر حق تقرير المصير باليهود فقط.
وخرجت مظاهرات حاشدة، شارك فيها عشرات الآلاف، للمطالبة بالمساواة ورفض التجنيد الإجباري. أحد أبرز الأصوات المعارضة كان النقيب الدرزي أمير جمال الذي انسحب من الخدمة احتجاجًا.
هذا الواقع أثار تساؤلات عميقة داخل الطائفة حول جدوى تحالفها مع دولة لا تعترف بها كمكون متساوٍ في المواطنة.
دروز الجولان المحتل
في عام 2023، برزت موجة جديدة من الغضب الدرزي، تمثلت في احتجاجات حاشدة واشتباكات جماهيرية في قرى الجولان السوري المحتل، رفضًا لمشروع إسرائيلي لبناء 23 توربينًا هوائيًا لتوليد الطاقة، اعتبره سكان المنطقة اعتداءً سافرًا على أراضيهم وتهديدًا مباشرًا لزراعتهم واقتصادهم المحلي. المشروع الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية وكُلّفت بتنفيذه شركة "إنرجيكس"، يتضمن إقامة 24 مروحة عملاقة يزيد ارتفاع كل واحدة منها على 200 متر، وتُقام كل واحدة منها على مساحة تقارب 100 دونم، ما يُهدد أكثر من 3 آلاف دونم من الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم.
سكان الجولان أكدوا أن المشروع لا يشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا فحسب، بل إنه يُناقض بشكل صارخ القانون الدولي، كون الجولان أرضًا سورية محتلة لا يجوز لقوة الاحتلال أن تتصرف بها.
وعلى خلاف أقرانهم من الطائفة الدرزية داخل الأراضي المحتلة الذين يحاولون أن ينتزعوا الاعتراف الكامل بمواطنتهم داخل دولة الاحتلال، فإن إخوتهم في الجولان السوري المحتل رفضوا منذ البداية هذا المسار. فهم يعيشون على أرضهم، لكن تحت علم لا يعترفون به، ولا يحملون جنسيته، ولا يمنحهم الاحتلال أي حقوق كاملة كمواطنين. في الوقت نفسه، لا يعاملهم كجزء من شعب خاضع للاحتلال له صفة قانونية أو حماية دولية.