المثلية في العراق.. نشاط واسع ودعم خارجي أوسع خلال العقد الأخير
انفوبلس..
بدعاوى المساواة وحقوق الإنسان ومحاربة التهميش والانتهاكات وغيرها من المفاهيم الرنّانة، يسير العالم باتجاهات متخبّطة بقيادة التيارات اليسارية الناشطة في أوروبا والتي يمتد تأثيرها إلى أغلب دول العالم.
ولعل أبرز القضايا المُثارة خلال العقد الأخير هي قضية "المثلية" ومحاولة شرعنتها ونشر رسائلها في العالم أجمع عبر كل الوسائل المتاحة، الأمر الذي جعل هذه القضية محل صراع بين دول العالم بحسب الخلفيات الثقافية والأنظمة التي تسير عليها كل دولة.
في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية حازت المثلية أو ما يُطلق عليها "مجتمع الميم" قبولا واسعا وأصبح الطرف المحابى من قبل الكثير من التيارات السياسية والجهات المؤثرة، لدرجة أنه أصبح مادة للوعود الانتخابية، أما بقية العالم فقد كانت مشروعية هذا المجتمع متذبذبةً، حيث يُعد مرفوضاً سياسياً واجتماعياً في بعض دول أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا.
في العراق، حيث البيئة الخصبة لاستيراد المفاهيم والقضايا والمصطلحات، خصوصاً بعد نهاية حقبة الكبت والظلام بسقوط نظام 2003 والانفتاح المُفرَط نحو الحرية، حصلت المثلية على نصيبها من الـ"ترند" العراقي، فبدأ الحديث عنها بعد انتهاء فترة الطائفية، ووصلت ذروتها خلال السنوات القليلة الماضية حين أصبحت موضع حديث و"تغريدات" لسياسيين عراقيين بارزين ووصل أمرها إلى مجلس النواب.
السياق التاريخي الحديث للمثلية في العراق..
عام 2008 نشرت صحيفة CNN الأمريكية تقريراً تحدثت فيه عن المثليين في العراق، وكان هذا الذِّكر الصحفي الأول لهذه الفئة بعد 2003.
الصحفية ذكرت في تقريرها قصّة لشخصين ادعت أنها أجرت مقابلة معهما لنشر معاناتهما والكشف عن أوضاع حياتهما في العراق، فيما أكدت أن طموحهما هو التوجه إلى مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية التي تعتبر "عاصمة الشواذ في العالم".
بعدها بسنة واحد، أي عام 2009، نشرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان في العالم، تقريراً ذكرت فيه أن المئات من المثليين في العراق يتعرضون للقتل بطريقة مُمنهجة منذ عام 2004، مشيرةً إلى أن العديد من حالات القتل تُصبّ في خانة "جرائم الشرف" حيث تعاقب عائلة أحد أفرادها لتفادي ما تصفه بالذل الاجتماعي.
كما اتهمت المنظمة "جيش المهدي" بتدبير العشرات من حالات القتل مع وجود تسهيلات تقدّمها الشرطة العراقية وسكنة المناطق التي يسكنها المثليون، مشيرة إلى انتشار الملصقات على الجدران في مدينة الصدر وسط بغداد بواسطة جيش المهدي تدعو الناس "للاحتراس من الرجال المثليين"، مع إعلان أسمائهم في قوائم وعناوين سكنهم في بعض الاحيان.
لاحقاً، وبعد ما يُعرف بـ"الربيع العربي" وبدء موجة الهجرة من البلدان العربية باتجاه أوروبا، أخذت المثلية منحى جديداً، حيث أصبحت قضية يتبناها العديد من الراغبين بالهجرة بسبب التساهل الذي تقدمه بعض الدول الأوروبية في إجراءات اللجوء لمتبنّي هذه القضية، الأمر الذي اتسع ليتبناه حتى بعض الأسوياء جنسياً لتحقيق طموح الهجرة.
في تلك الفترة، وتحديداً عام 2011، كانت قد بدأت في العراق أولى التظاهرات المدنية، والتي شملت العديد من شرائح المجتمع، الأمر الذي حاول استثماره المثليون لنشر متبنّياتهم وشرعنتها عبر الاحتجاج، لكن بقي هذا الأمر على نطاق ضيّق بسبب الخوف من ردة الفعل الاجتماعية والقانونية.
عام 2014، العام الذي سقطت فيه محافظات العراق الغربية بيد الإرهاب، وانشغلت الدولة بحكومتها ومجتمعها على حدّ سواء بمحاربته ومحاولة استعادة الأراضي المحتلة لدى داعش، شهد هذا العام فرصة للمثليين لتوسيع نفوذهم بين الشباب والمراهقين عبر العديد من الوسائل، وأبرزها مواقع التواصل الاجتماعي.
لاحظ العراقيون انتشار هذا الظاهرة بشكل كبير وصادم بين الشباب وظهرت آلاف الحسابات على فيسبوك وتويتر وانستغرام يدّعي أصحابها أنهم مثليون ويسعون إلى تحقيق المساواة والحصول على عدّة حقوق أبرزها شرعنة زواج المثليين في العراق، الأمر الذي واجه موجة من السخط والرفض وحتى السخرية في المجتمع العراقي، مع توقف حالات القتل ضدهم إلا في مناسبات متفرقة وبدوافع عائلية شخصية وليست ممنهجة كما حدث في السنوات السابقة في المحافظات العراقية الخالية من الإرهاب، فيما انتشرت عمليات قتلهم في المحافظات التي يسيطر عليها داعش في تلك الفترة.
وفي عام 2016 ألقت شرطة النجف القبض على شابين بعد انتشار فيديو يعلنان فيه زواجهما المثلي، حيث ارتدى أحدهما فستان العروس، إذ تم اعتقالهما وهما في سيارة عليها زينة الزواج التقليدية المستخدمة في الأعراس العراقية، كما ذكرا عند اعتقالها أن لديهما "فتوى شرعية" تجيز زواجهم من أحد رجال الدين لم يذكراه في مقطع الفيديو المسجّل من قبل أحد أفراد الشرطة.
أما عام 2019 فقد شهد أبرز ترويج ممنهج للقضايا المثلية في العراق، فبدأت العديد من المواقع الألكترونية البارزة (كموقع الحوار المتمدن) بمنح المثليين مساحات كبيرة للتعبير عن أنفسهم ومناقشة قضاياهم، كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشار ظاهرة "العطواني" وهي عبارة عن مقاطع فيديو لحفلات اجتماعية في مناطق شعبية يظهر فيها الكثير من الشباب بمظاهر غريبة تدل في بعض الأحيان على مثليتهم، من دون التصريح علناً بالأفكار المثلية.
وفي الأشهر الأخيرة من ذلك العام اندلعت في أغلب محافظات العراق احتجاجات شعبية واسعة عُرِفت بـ"تظاهرات تشرين" استثمرها المثليون للترويج والتواجد، وأظهرت العديد من الصور ومقاطع الفيديو تواجد شعارات وأعلام مثلية في ساحة التحرير وسط بغداد، الأمر الذي لاقى رفضا كبيرا وتأييدا محدودا بين أوساط المتظاهرين.
وكما حدث في محافظة النجف عام 2016، عاد وحدث في محافظة كربلاء عام 2021 حيث انتشر مقطع فيديو يظهر زواج شابين مثليين، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع وسائل الإعلام إلى التحقق من الأمر، ليدّعي فيما بعد الظاهرون في الفيديو أنه مشهد تمثيلي لمناقشة الظاهرة المنتشرة في العراق.
مراقبون يؤكدون أن المثليين يحاولون إثارة الجدل بين فترة وأخرى للظهور والإعلان عن وجودهم، وليس عبثاً اختيارهم للمحافظات المقدسة كالنجف وكربلاء وبعض المناطق الشعبية كمدينة الصدر لصنع بعض الأحداث كونها مناطق شديدة الرفض لهم ولوجودهم وميولهم.
من الذي يروّج للمثلية في العراق؟..
تسعى المؤسسات والمنظمات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية العاملة في العراق إلى الترويج للمثلية الجنسية بذريعة "الدفاع عن حقوق الإنسان"، فبعد التقارير التي نشرتها المنظمات الحقوقية لما أسمته ووصفته ب"اضطهاد المثليين في العراق"، أقدمت السفارة الأمريكية في بغداد عام 2018 على نشر بيان لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو بمناسبة "اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية الجنسية"، في إشارة واضحة على دعمها للمثلية في العراق.
بعدها بسنتين، أقدمت سفارة الاتحاد الأوروبي على رفع علم المثلية في مقرها ببغداد، كما شاركت السفارتان البريطانية والكندية في بغداد في إحياء هذا اليوم، وقد أثارت القضية ردود فعل سياسية وبرلمانية وشعبية واسعة.
على الجانب الآخر، وبعيداً عن المواقف الرسمية لتلك الدول، تعمل العديد من المنظمات والمؤسسات والمنصّات الإعلامية العربية أو الناطقة بالعربية على الترويج للمثلية في العراق، والتي يُعد من أبرزها برنامج "جعفر توك"، وهو برنامج يقدمه إعلامي وُلِد في ألمانيا وعاش في لبنان، متحدث جيد للّغة العربية يختص بالقضايا المثلية في الشرق الأوسط.
إضافة إلى ذلك تعمل مؤسسات عراقية لديها تواصل أو تعاون مع جهات خارجية داعمة لمثل تلك التوجهات على دعم وترويج قضايا المثلية في العراق عموماً والعاصمة بغداد خصوصاً.