سرقة القرن (1) تعرف على الأمانات الضريبية المسروقة ومقدارها.. وحقيقة الصكوك والوكالات المزورة والشركات المتورطة
انفوبلس تجمع لك الحكاية
انفوبلس/..
تصدرت قضية نور زهير ـ المتهم الرئيسي فيما يُعرف بسرقة القرن في العراق ـ عناوين الأخبار مجدداً، بعد الأنباء التي أفادت بتعرضه لحادث في العاصمة اللبنانية بيروت، وقد أثار هذا الحادث شكوكاً لدى البعض، الذين اعتبروا أنه قد يكون مجرد ذريعة لتأجيل مثوله أمام القضاء. في الوقت نفسه، تعرضت إجراءات القضاء لانتقادات متكررة بسبب الإفراج بكفالة عن متهمين بالفساد، مما أدى إلى فرارهم من العراق لاحقًا.
وبالحديث عن "سرقة القرن" ـ التي تُعد أكبر عملية سطو ضخمة حدثت في أكتوبر 2022 ـ تبرز تساؤلات عن طبيعة المبالغ الضخمة التي سُرقت من الأمانات الضريبية التي كانت محفوظة في وزارة المالية العراقية، من قبل متهمين كانوا يعملون بالتعاون مع مسؤولين داخل المؤسسات الحكومية، والتي تمكنوا خلالها من الاستيلاء على حوالي 2.5 مليار دولار أمريكي من تلك الأمانات الضريبية.
بعد ساعات من كشف الخيوط الأولى للقضية، توالت البيانات من الجهات القضائية، والحكومية، والتشريعية، المعنية بالأموال المسروقة والجهات التي تحقق فيها، لإعلان مواقفها وإجراءاتها، وكان أبرزها إصدار بيان من مجلس القضاء الأعلى، تضمن إصدار محكمة تحقيق الكرخ الثانية المختصة بقضايا النزاهة في 19 تشرين الأول 2022 أمر استقدام عضو من اللجنة المالية في مجلس النواب للدورة السابقة، دون أن يشير البيان إلى اسمه.
وسبق أمر الاستقدام، في 18 تشرين الأول، أمر استقدام آخر من ذات المحكمة بحق مدير عام الهيئة العامة للضرائب عبد الستار هاشم علي ومعاونه وعدد من الموظفين في القسم المالي على خلفية سرقة (3.7) تريليون دينار عراقي، ما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار، من حساب الأمانات الخاصة بالهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين، من الفترة الممتدة بين 9 أيلول 2021 وحتى 11 آب 2022.
مجلس القضاء الأعلى أكد في بيان آخر صدر عنه بأن الاستقدام تم بناءً على المادة 340 من قانون العقوبات العراقي بتهمة إحداث ضرر متعمد بأموال عائدة لوزارة المالية، وأن مذكرات قبض صدرت بحق أصحاب شركات متورطة بالاستيلاء على تلك الأموال ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها المصرفية، فضلاً عن تشكيل لجنة تدقيقية مشتركة من وزارة المالية والهيئة العامة للضرائب ومصرف الرافدين وهيئة النزاهة لتدقيق المبالغ المصروفة.
خلاصة سرقة القرن
وخلاصة القضية في كتاب "سري" حمل الرقم 111 أرسلته وزارة المالية في 10 تشرين الثاني 2022، إلى مجلس النواب العراقي، بناءً على طلب من اللجنة المالية فيها، حمل عنوان "سري”، مرفق بدورهِ مع تقرير تدقيقي مفصل نظمته الهيئة العامة للضرائب وحمل توقيع نائب المدير العام عبد الستار هاشم علي.
تضمن التقرير، معلومات تفصيلية عن المبالغ المسروقة من حساب الأمانات، التابع للهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين، والجهات المسؤولة عن صرفها والأخرى المستولية عليها.
وأفرد نتائج كشفت عن أرقام ومبالغ صكوك مالية، ومخاطبات موجهة من الهيئة العامة للضرائب، مع صور كشوفات الحسابات المصرفية ووكالات عامة ومستمسكات شخصية رسمية للذين استولوا على أمانات الضرائب.
وتبين من خلال تلك النتائج سحب مبلغ مقداره 3،701،380،882،000 (ثلاثة تريليونات وسبعمائة وواحد مليار وثلاثمائة وثمانون مليونا وثمانمائة واثنين وثمانين ألف دينار) من حساب الأمانات الخاصة للهيئة العامة للضرائب الذي يحمل الرقم 60032 في مصرف الرافدين، مودعة في فرعين هما (الأحرار والضرائب) وذلك من الفترة بين 9 أيلول 2021 و11 آب 2022.
وقد تم السحب عبر 247 صكاً مصرفياً لصالح خمس شركات هي: القانت للمقاولات العامة، الحوت الأحدب للتجارة العامة، رياح بغداد للتجارة العامة، المبدعون للخدمات النفطية، بادية المساء للتجارة العامة.
وتوصل التدقيق إلى أن أيّاً من هذه الشركات (الصغيرة والحديثة الإنشاء) لا تملك أمانات ضريبية وليس لديها توكيل من طرف ثالث لسحب أمانات ضريبية. وأن الصكوك المحررة غير مقيدة في حسابات هيئة الضرائب، وقد تم سحب مبالغها فور إيداعها لدى مصرف الرافدين.
ويشير التقرير، في استنتاج نهائي إلى أن مبلغ الأمانات المودعة في حسابات الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب قد سرق، بعد أن سحب من قبل مخولين من الشركات الخمس، وأن صكوكها قد نظمت من قبل الإدارة السابقة للهيئة والأقسام المختصة فيها خلافاً للقانون ودون استحقاق.
ماهية الأمانات الضريبية
ويبيّن تقرير الهيئة العامة للضرائب، ماهيّة الأمانات الضريبية، بأنها مبالغ تُستقطع من المقاولين والمجهزين سواءً أكانوا شركات أم أفرادا، والاستقطاع يكون من قبل رب العمل عند تسديد السلف المتحققة لشركات أو أفراد عن طريق إنجاز أعمالها والتي يتم تحويلها الى القسم المالي في مركز الهيئة في حسابات الأمانات.
ويبين كذلك آلية رد مبلغ الأمانات الضريبية الفائضة بأن يقدم المكلف شركةً أو فرداً، طلباً يعرف بـ”رد مبلغ”، يوضح فيه المقدار المطلوب رده وسبب الطلب، ومن ثم يتم دفع الرسوم الخاصة بالطلب ويسجل في سجل الوارد لواحد من القسمين المعنيين وهما: الشركات أو كبار المكلفين.
ويفترض أن يحتوي الطلب الشعار الخاص بالشركة وأن يوقع من قبل صاحب العلاقة كالمدير المفوض أو وكيله مع إرفاق الوكالة وصحة صدورها. وبعد ذلك يمر الطلب بسلسلة من الإجراءات المعقدة يشير إليها التقرير بإسهاب ليبين صعوبة الاستيلاء على تلك المبالغ لولا وجود من سهل الأمر.
ما ذكره المتهم نور زهير
خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة تلفزيونية قال زهير، إنه "مظلوم"، وإن الإعلام هو الذي ضخّم القضية، وإن ما قام به ليس سرقة، وإنما "شراء صكوك من وسطاء لشركات أجنبية" بهدف الحصول على عمولة لشركته "القانت للصرافة" التي يملكها والواقعة في حي الكرادة وسط بغداد.
فيما يؤكد مختصون، أنه "لا يمكن سحب أي مبلغ من الأمانات الضريبية بدون تحاسب ضريبي، وكان هناك سرقة في عام 2015 وانتبه حينها رئيس الوزراء، وأكد بكتاب رسمي على أن تُدقق الأمانات الضريبية والتحاسب الضريبي من خلال ديوان الرقابة المالية".
ونفى زهير معرفته بغالبية المتهمين الذين وردت أسماؤهم في قضية سرقة الأمانات الضريبية، التي وصلت إلى نحو 8 مليارات دولار، في حين بلغ عدد المتهمين في القضية أكثر من 30 متهما، بحسب رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون في حينها.
إلا أنه في عام 2020 قام رئيس اللجنة المالية السابق في مجلس النواب هيثم الجبوري، بإرسال كتاب رسمي إلى رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، لإلغاء مسألة تدقيق الامانات الضريبية من قبل ديوان الرقابة المالية وكان هذا أول الخيط في عملية السرقة.
ونفى النائب مصطفى سند، أن يكون المتهم نور زهير قد اشترى الصكوك، بحسب رواية الأخير"، مشيرا الى أنه "لم تأت شركات إلى نور زهير بل تم تزويده بوكالات لشركات مزورة.. زهير كذب على الدولة والسياسيين وبعضهم يريد أن يصدقه".
وأكد سند أن زهير "ترك نحو 70 مليونا فقط من أول موجة لسرقة أموال الضريبة من أصل 5 تريليونات دينار، قبل أن يبدأ بـ5 تريليونات ثانية من حساب الدولار لشركات النفط"، مشيراً إلى أن المتهم "كان يستلم 250 مليارا دفعة واحدة ويذهب سريعاً لشراء منازل في المنصور بأرقام أعلى من سعرها الحقيقي، وينفق الأموال من أجل عمليات التبييض".
ويدير "نور زهير" رجل الأعمال الذي أُلقي القبض عليه على متن طائرته الخاصة، بصفته مديرا مفوضا، لشركتين من أصل خمس شركات، هما القانت للمقاولات العامة التي سحبت 677 مليون دولار وشركة المبدعون للخدمات النفطية (299 مليون دولار).
أما الشركات الثلاث المتبقية، فيديرها عبد المهدي توفيق مهدي وهي كل من الحوت الأحدب (329 مليون دولار) ورياح بغداد (817 مليون دولار) وبادية المساء (437 مليون دولار). إحدى هذه الشركات تم الكشف عن مالكها الأصلي وهو عراقي كردي يدعى حسين كاوه ولا يتجاوز عمره 22 عاماً ويمتلك شركة "رياح بغداد" التي تم تسجيلها في يوليو 2021، أي قبل شهر واحد من بداية سحب اللأموال من حساب أمانات الضرائب.
سُحبت تلك المبالغ "نقدا"، ولم تذهب إلى أصحاب حق استرداد الأمانات الضريبية الحقيقيين أو تذهب كإيراد للخزينة العامة.