شمول جرائم الفساد والمخدرات في قانون العفو العام العراقي يثير مخاوف أمنية واجتماعية

انفوبلس/..
رغم أن قانون العفو العام نص على عدم إتاحة الفرصة لمرتكبي الجرائم الإرهابية والجرائم المنظمة لخطف الأشخاص، لما تمثله من سلوك إجرامي خطير، ومحاولة إعادة دمج ممن يُشمل بقانون العفو بالمجتمع بعد إعادة تأهيله بدوائر الإصلاح ومنحهم الفرصة للعيش الكريم، إلا أن هذا القانون أثار جدلاً واسعاً بسبب الثغرات التي قد تؤدي إلى إفلات مرتكبي جرائم خطيرة من العقاب، مما يُشكِّل عبئًا إضافيًا على الحكومة ليس فقط من الناحية الأمنية، بل والاجتماعية أيضًا.
أحد أبرز المآخذ على القانون هو شموله لجرائم الفساد المالي والإداري، فقد أشارت تقارير إلى أن القانون أصبح نافذة يستغلها المسؤولون المتهمون بجرائم الفساد للإفلات من المحاسبة، مما يُضعف جهود مكافحة الفساد ويُشجِّع على استمراره في المؤسسات الحكومية.
بالإضافة إلى ذلك، يُثير القانون مخاوف بشأن شموله لجرائم المخدرات، فقد أوردت وسائل اعلام عن أحد المدانين بتعاطي المخدرات الذي استغل فترة خروجه بكفالة لارتكاب جريمة أخرى، مما يُبرز خطورة شمول القانون لمثل هذه الجرائم دون ضمانات كافية لعدم تكرارها.
هذه الثغرات قد تؤدي إلى تعزيز ثقافة الخلاص من العقوبات، حيث يشعر المجرمون بإمكانية الهروب من العدالة عبر الاستفادة من قوانين العفو المستقبلية.
كما أن شمول القانون لجرائم الفساد والمخدرات قد يُضعف الثقة في النظام القضائي ويُعزِّز الانقسامات الاجتماعية، خاصة إذا شُعِر بأن القانون يُستغل لحماية فئات معينة دون غيرها.
القانونية ترد
وكانت اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، قد ردت في وقت سابق، على الأنباء التي تحدثت عن شمول تجارة المخدرات ومرتكبي الفساد بقانون العفو العام، المصوت عليه مؤخراً.
وقال عضو اللجنة محمد عنوز، في حديث صحفي تابعته INFOPLUS، إن "هناك من يحاول الترويح لمعلومات غير صحيحة بشأن المشمولين بقانون العفو العام، المصوت عليه مؤخراً، فلا توجد أي فقرة تشمل أي فساد بشكل غير مشروط".
واستدرك بالقول: "بل هناك فقرة تؤكد أن كل متركب لجرائم الفساد وهدر المال العام، يفرج عنه بعد حصول تسوية من خلال تسديد كامل المبلغ الذي في ذمته للجهة المتضررة، ومن لا يقوم بذلك لا يمكن الإفراج عنه تحت أي ذريعة أخرى".
وأضاف عنوز: "بما يخص المتورطين في المخدرات، فهناك شمول للمتعاطين وهذا الإفراج أيضاً مشروع فهؤلاء لا يتم إطلاق سراحهم بشكل مباشر، وإنما يتم إطلاق سراحهم إلا بعد إكمال فترة شفاءهم عبر مراكز الإدمان المختصة".
وفيما يخص المتورطين بقضايا الإرهاب، أضاف النائب: "لا إفراج عنهم إطلاقاً، بل هناك لجنة خاصة سوف تشكل من أجل مراجعة التحقيق معهم، ويبقى قرار الإفراج من عدمه بيد القضاء حصراً، والقانون لم ولن يشمل أي إرهابي، كما يريد البعض الترويج إلى ذلك".
جرائم الإرهاب والفساد
وأمس الأربعاء، قال رئيس محكمة الجنايات الأسبق، محمود الحسن، إن "قانون العفو العام جاء نسخة طبق الأصل لقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، عندما كنت رئيس اللجنة القانونية وقمت بصياغة هذه النصوص كاملة، حيث جاء هذا القانون كما هو مع تعديل 6 نصوص".
وأوضح، إن "التعديل لا يسمح لمن انتمى لعصابات داعش، الخروج من السجن، ولكن جاء في تفاصيله فيما يخص جرائم اختلاس المال العام وأموال الدولة، استثناء لمن يسدد المبلغ المختلس كاملاً، ويشير النص إلى أن التسوية تتم وفق قانون تحصيل الديون الحكومية أو وفقاً لقانون التضمين، ونور زهير المتهم إذا قام بسداد الأموال التي اتهم باختلاسها فسيكون مشمولاً بقانون العفو العام الجديد".
وأضاف: "أيضاً نصوص العفو العام الجديد تضمنت السماح بعودة المختلس إلى الوظيفة، لكن لم يجيز ذلك لمن هم بمنصب معاون مدير عام فما فوق، حيث لا يمكنهم العودة للوظيفة ولا الترشح في الانتخابات ولا المشاركة في العملية السياسية وكذلك الحظر من تأسيس الأحزاب والتعامل مع مؤسسات الدولة، والمختلس بدرجة دون معاون مدير عام، فقد سمح له القانون بالعودة إلى الوظيفة وتسديد ما بذمته وفق الفقرة الأولى من التعديل، ومحمد جوحي (الذي كان يشغل منصب معاون رئيس الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء)، بالإمكان أن يُشمل بالعفو العام، وفق هذه الأحكام الجديدة".
التحديات الأمنية
يُخشى أن يؤدي القانون إلى تشجيع الفساد بدلًا من مكافحته، إذ إنه يسمح بإطلاق سراح المدانين بجرائم الفساد المالي بمجرد دفعهم مبالغ مالية معينة، وهذه الآلية تثير جدلًا واسعًا، وتضعف ثقة المواطنين في المنظومة القضائية
وبحسب مراقبين للشأن السياسية، فإن أحد أكثر الجوانب المثيرة للقلق هو إمكانية استغلال الصياغات الفضفاضة في القانون للإفراج عن مدانين بجرائم إرهابية تحت ذريعة عدم كفاية الأدلة أو وجود شوائب في التحقيقات.
وعلى الرغم من أن القانون ينص على استثناء هذه الجرائم، إلا أن بعض الخبراء يحذرون من احتمالية إساءة استخدامه في ظل بيئة سياسية غير مستقرة، وبالنظر إلى أن العراق لا يزال يواجه تحديات أمنية جسيمة، فإن أي ثغرة قانونية قد تُستغل للإفراج عن عناصر خطيرة ستنعكس سلبًا على الأمن الوطني.
من جهة أخرى، وبحسب المراقبين، فإنه "يُخشى أن يؤدي القانون إلى تشجيع الفساد بدلًا من مكافحته، إذ إنه يسمح بإطلاق سراح المدانين بجرائم الفساد المالي بمجرد دفعهم مبالغ مالية معينة، وهذه الآلية تثير جدلًا واسعًا، وتضعف ثقة المواطنين في المنظومة القضائية".
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن شمول القانون لجرائم المخدرات والمخالفات الجنائية الأخرى قد يسهم في ارتفاع معدلات الجريمة بدلًا من الحد منها، فيما يرى المعارضون أن الإفراج عن تجار المخدرات والمتورطين في قضايا خطيرة من دون ضمانات كافية لإعادة تأهيلهم قد يؤدي إلى زيادة انتشار هذه الجرائم في المجتمع، مما يُعرض الأجيال القادمة لخطر تفشي هذه الظواهر.
خلافات حادة بين الكتل
إضافة إلى هذه المخاطر، يواجه القانون خلافات سياسية حادة بين الكتل المختلفة، حيث تسعى بعض الأطراف لاستغلاله لتحقيق مكاسب سياسية وطائفية. هذا الجدل يعكس أزمة أعمق في النظام التشريعي العراقي، حيث يتم توظيف القوانين لتحقيق مصالح معينة بدلًا من التركيز على تحقيق العدالة وحماية المجتمع.
في ظل هذه المخاوف، كانت المحكمة الاتحادية العليا، قد أصدرت أمرًا ولائيًا بإيقاف العمل بالقانون قبل نشره رسميًا، وهو ما يعكس حجم الاعتراضات والمخاوف المرتبطة به.
وهذا التطور يشير إلى أن قانون العفو العام، بصيغته الحالية، قد لا يكون أداة للإصلاح بقدر ما يمثل تهديدًا للاستقرار الاجتماعي والسياسي، مما يستدعي مراجعة دقيقة وضمانات حقيقية تحول دون استغلاله من قبل الفاسدين والمجرمين.
مخاوف من الإجرام وعدم الانسجام
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق حذر من احتمالية عودة بعض المفرج عنهم إلى الإجرام أو عدم الانسجام الطبيعي مع المجتمع إذا لم يتم تطبيق برامج معينة لهم قبل إطلاق سراحهم
وأطلق المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، في 14 شباط فبراير الماضي، تنبيهاً بشأن المشمولين بقانون العفو العام الذي أقره مجلس النواب مؤخراً، محذراً من احتمالية عودة بعض المفرج عنهم إلى الإجرام أو عدم الانسجام الطبيعي مع المجتمع إذا لم يتم تطبيق برامج معينة لهم قبل إطلاق سراحهم.
وتأتي هذه المخاوف في وقت شرعت المحاكم في المحافظات العراقية منذ 6 شباط فبراير الماضي، بتنفيذ قانون العفو العام، فيما كشفت مصادر في مجلس النواب، أن القانون سيشمل 57280 معتقلا ومن مختلف الجرائم التي أُدرجت تحت يافطة القانون.
يذكر أن مجلس النواب العراقي قد مرر في 21 كانون الثاني يناير الماضي، “قوانين جدلية” تشمل تعديل قانون العفو العام، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات لأصحابها في كركوك.
إلا أن العشرات من النواب اعترضوا على إقرار القوانين الثلاثة بسلّة واحدة وقاطعوا الجلسة، ومن ثم قدموا طعناً لدى المحكمة الاتحادية العليا بشرعية التصويت على القوانين والتي أصدرت بدورها أمراً ولائياً بإيقاف تنفيذ هذه القوانين.