مأزق غير مسبوق.. رفض الخدمة ومطالبات إنهاء العدوان تحاصر نتنياهو.. "الجيش الذي لا يُقهر" يتفكك

انفوبلس..
تشهد المؤسسة العسكرية الصهيونية تصاعداً في احتجاجات وحداتها، بعد انضمام ضباط وجنود "أمان" وألفَي أكاديمي، مطالبين بوقف العدوان على غزة وإتمام صفقة تبادل الأسرى. ويتوسع رفض الخدمة بين الاحتياطيين والمتقاعدين، مع تهديد بانقسام داخلي وضغوط على القيادة السياسية لوقف الحرب وتخفيف الأعباء بشكل فاعل وحاسم وحقيقي.
وتتواصل موجة الاحتجاجات داخل جيش الاحتلال مع اتساع رقعتها، لتشمل وحدات جديدة تطالب بوقف الحرب على غزة وإتمام صفقة تبادل الأسرى.
وبعد العريضة التي تدعو لرفض الخدمة والتحركات التي شهدتها قوات سلاح الجو والبحرية، انضم ضباط وجنود من وحدات جمع المعلومات الاستخباراتية التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" إلى هذه الاحتجاجات، من بينهم جنود في الخدمة الفعلية، وضباط احتياط، إضافة إلى متقاعدين من الجيش.
كما انضم نحو ألفي أكاديمي من أعضاء هيئة التدريس إلى هذه الاحتجاجات.
وأكدوا على ضرورة التوصل إلى صفقة تُفضي إلى الإفراج عن جميع الأسرى -وعددهم 59 أسيرا صهيونيا، بينهم 24 لا يزالون على قيد الحياة- حتى لو تطلب ذلك وقف العمليات القتالية في غزة.
ويعكس هذا التحرك تنامياً في حالة الاحتجاجات ضد استمرار الحرب داخل قطاعات مؤثرة من المجتمع الإسرائيلي، ومنها الأوساط الأمنية والعلمية، حيث تم جمع مئات التواقيع من المشاركين، في وقت يعتزم فيه المنظّمون إطلاق عريضة جديدة تعلن رفض الخدمة العسكرية.
ويأتي ذلك على غرار ما فعله ضباط في سلاح الجو الصهيوني، حيث وقّع نحو 950 طيارا احتياطيا على عريضة نُشرت الخميس، طالبوا فيها الحكومة بإبرام صفقة تبادل تُعيد الأسرى لدى حركة حماس، بحسب ما أفادت به هيئة البث العامة الإسرائيلية "كان 11".
رغم أن المؤسسة السياسية والعسكرية الصهيونية غالباً ما تُظهر تماسكاً في فترات الحرب، فإن وجود أصوات معارضة من داخل منظومتها الأمنية والأكاديمية، حسب مراسلة الشؤون العسكرية لهيئة البث العامة الصهيونية كرميلا منشه، قد يُحدِث خلخلة في "الإجماع الوطني" ويضع ضغوطاً متزايدة على القيادة السياسية.
ومن المتوقع أن تتوسع رقعة الاحتجاجات، بحسب مراسلة الشؤون العسكرية، إذا استمرت الحرب وتفاقمت تداعياتها، خاصة مع تزايد الخسائر البشرية وضغط المجتمع الدولي، كما أن احتجاج الأكاديميين يمكن أن يُلقي بظلاله على الرأي العام الصهيوني ويعزز الانقسامات المجتمعية حيال استمرار العمليات العسكرية.
ووفقاً لمنشه، فإن قدرة هذه الاحتجاجات على التأثير المباشر في صنع القرار تتوقف على مدى تصاعدها وانتقالها إلى قطاعات أوسع تشمل الاحتياطيين في الجيش، وقيادات سابقة، ومجموعات ضغط سياسية. أما في حال تبني الحكومة لخطوات حاسمة نحو وقف إطلاق النار أو التهدئة، فقد تتراجع وتيرة هذه الاحتجاجات تدريجيا.
وفي مقال تحليلي تحت عنوان "جهوزية للتصعيد وقلق من الاحتجاج"، تناول يوسي يهوشع -المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت- تصاعد ظاهرة رفض الخدمة العسكرية داخل وحدات واسعة من الجيش الإسرائيلي، محذراً من تأثيرها المباشر على جهوزية الجيش إذا اندلع أي تصعيد مفاجئ.
ويشير يهوشع، إلى أن القيادة العسكرية تجد نفسها اليوم منشغلة بمعالجة أزمة الانضباط الداخلية، بدلا من تركيز أنظارها على التهديدات الخارجية.
ويقول، "بدلا من توجيه الاهتمام نحو التنظيمات في الضفة الغربية، أو حركة حماس في غزة، أو التوترات مع الأتراك في سوريا، والمحادثات الحساسة بين إيران والولايات المتحدة في عُمان، جاءت رسالة الطيارين المحتجين لتسحب الأضواء نحو الداخل، وتفرض على القيادة العسكرية التعامل مع أزمة الانضباط والتمرد".
ويُبرِز المقال، الفارقَ في تعامل القيادات العسكرية مع الأزمة، فبينما اتسم نهج رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي بشيء من المرونة، فإن الرئيس الحالي للهيئة العامة للجيش إيال زامير، يتبع نهجا متشددا، راسما "خطا أحمر" واضحا في وجه المحتجين، يتمثل في سياسة الفصل الفوري والإقصاء من الخدمة.
ويحذر يهوشع من أن "توقيت هذا التوتر الداخلي لا يمكن أن يكون أسوأ"، خاصة في ظل تصاعد الشكوك حول نيات وسياسات حكومة بنيامين نتنياهو، مما يعمق الأزمة داخل الجيش.
ويضيف، إن القيادة العسكرية تواجه اليوم بيئة إستراتيجية شديدة التعقيد، فالمحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة على وشك الانطلاق، والجبهة السورية تعيش حالة توتر مع تركيا، وفي غزة لا يزال لواء رفح صامدا، مع استمرار عمل 75% من شبكة الأنفاق، بحسب التقديرات.
ويختم المحلل مقاله بالتأكيد على أن الأعياد اليهودية تشكل عادةً فترة حساسة في الجبهات، خصوصا في الضفة الغربية، وهو ما يزيد من خطورة الأوضاع ويجعل أي شرارة قادرة على إشعال تصعيد واسع في وقت يعاني فيه الجيش من أزمة داخلية غير مسبوقة.
وتتزامن موجة الاحتجاجات هذه مع تقارير تتحدث عن تفاقم أزمة التجنيد والنقص الحاد في القوى البشرية، لا سيما في الوحدات القتالية. وفي هذا السياق، كشف تحقيق نشره الموقع الإلكتروني "شومريم" عن أن الجيش قرر-بهدوء- تمديد فترة خدمة ربع المجندات اللاتي التحقن بالجيش عام 2023 لمدة 8 أشهر إضافية، في محاولة للتعامل مع النقص المتزايد في القوات.
وأوضحت الصحفية حين شاليتا، أن هذا الإجراء جاء في ظل تعثر تمرير قانون التجنيد، واستمرار تهرب أبناء التيار الحريدي من الخدمة العسكرية، وهي مشكلة لم يتم التوصل إلى حل لها بعد.
كما أشارت إلى أن الجيش يعاني من أزمة حادة في الاحتياط، إلى جانب تراجع عدد الجنود المتاحين للانتشار في ساحات القتال، مما دفع المؤسسة العسكرية إلى اتخاذ تدابير غير معلنة لمعالجة هذا العجز.
ورغم تأكيد الجيش أن هذه التمديدات تتم على أساس تطوعي، فإن الواقع يشير إلى أن أي مجندة ترغب في أداء "خدمة كبيرة" في مجالات القتال أو التكنولوجيا أو البحث، تُجبر عملياً.
من جهته، أكد الدكتور زئيف ليرير، الباحث في العلاقات العسكرية المجتمعية في مركز "بيريز" الأكاديمي، الذي عمل سابقا في قسم العلوم السلوكية بالجيش، أن قرار التمديد يستهدف ضمان تكافؤ الفرص للنساء داخل الجيش.
وأضاف لموقع "شومريم" الإلكتروني، أن الجيش يسعى من خلال هذا الإجراء إلى منع استخدام مدة الخدمة القصيرة ذريعة لاستبعاد النساء من المناصب القتالية، ونتيجة لذلك، أصبحت النساء المصنفات مقاتلات مجبرات على الخدمة لمدة عامين و8 أشهر، تماما كما هو الحال بالنسبة للرجال.
وذكر، أن هذا التطور يأتي في ظل تزايد الاحتجاجات على استمرار الحرب، ورفض قطاعات مختلفة الخدمة العسكرية، مما يضع المؤسسة الأمنية الصهيونية أمام تحديات غير مسبوقة في الحفاظ على استقرار منظومتها البشرية.