بوابتا الاضطرابات في العراق
انفوبلس/ ترجمات/ غاريت غراف استاذ الاعلام في جامعة جورج تاون/ مجلة فورين افيرز
كان پول بريمر قد أعاد كتابة تاريخ العراق اثناء رحلته الجوية نحو بغداد.
جرى ذلك في أيار (مايو) 2003، وكان بريمر، وهو سفير ذو خبرة سابق وبيروقراطي معروف وشغل منصب كبير موظفي وزير الخارجية هنري كيسنجر في يوم من الايام،قد امضى أسابيع قليلة فقط في دوره الجديد كمبعوث رئاسي إلى الدولة المحررة حديثًا.
بعد سلسلة من الإحاطات الإعلامية في واشنطن واجتماع في المكتب البيضاوي مع الرئيس جورج دبليو بوش، سافر "جيري"، كما دعا الجميع بريمر، إلى قطر ثم الكويت ثم العراق.
المهمات الدبلوماسية اخذت بريمر إلى معظم عواصم الشرق الأوسط، لكن كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها بغداد، وقد أمضى الأسبوعين الماضيين يحاول معرفة أكبر قدر ممكن عن الدولة التي سيحكمها الآن.
على متن طائرة C-130 التابعة للقوات الجوية الأمريكية، قام بريمر بتحرير مسودة وثيقتين كان ينوي إصدارهما عند وصوله، نصت أحداهما على "اجتثاث البعث"، ما يعني منع كبار المسؤولين في حزب صدام حسين من المشاركة في العراق الجديد، وحل بموجب الثانية الجيش العراقي وأجهزة أمنية أخرى.
نظر بريمر ونائبه كلاي مكمانواي من نوافذ الطائرة إلى النار المتأججة بعد حريق امتد نحو الأفق، ثم صاح مكمانواي محاولًا التغلب على صخب مراوح الطائرة "يجري نهب القوة الصناعية للعراق" قبل ان يضيف "هناك الكثير من الحسابات القديمة التي يجري تسويتها الان".
هذه الملاحظات الموجزة ستقطع شوطًا طويلاً نحو شرح النتائج النهائية للوثيقتين الموجودتين في حقيبة بريمر بطريقة لم يكن من الممكن أن يدركها أي شخص موجود على متن هذه الرحلة.
على مدار العشرين عامًا الماضية، بينما كانت الولايات المتحدة تضع في الحسبان الخسائر البشرية والإرث الباهظ لحربها الكارثية التي اختارت خوضها في الشرق الأوسط، فإن هذين القرارين سييء السمعة الصادرين عن سلطة بريمر المؤقتة تم اعتبارهما من أسوأ أخطاء الحرب (الأمر رقم واحد لسلطة التحالف المؤقتة القاضي باجتثاث البعث من الدولة العراقية، وأمر سلطة الائتلاف المؤقتة بالرقم اثنين القاضي بحل الجيش العراقي)، وبات يُنظر إليهما اليوم على انهما الشرارتين اللائي اشعلتا التمرد والنيران في العراق لسنوات حيث سادت فترة من الفوضى ستودي بحياة الآلاف من القوات الأمريكية ومئات الآلاف من المدنيين العراقيين.
ومع ذلك، فإن الأوامر التي مهدت الطريق لكل تلك الفوضى وإراقة الدماء ظلت حبيسة الغموض طوال عقدين بعد حرب عام 2003.
في ذلك الوقت، لم يفهم اغلبية المسؤولين الاميركيين، ومن بينهم كبار قادة الولايات المتحدة مثل مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت ووزير الخارجية كولن باول من أين اتى الامران أو من وافق عليهما.
بعد عقدين من الزمن، وبعد تجميع مذكرات المشاركين الرئيسيين في هذه الحرب، والاستعانة بوثائق أرشيفية ومقابلات جديدة مع عشرات من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين، أصبحت هناك رواية أكثر اكتمالاً بشأن الامرين الحاسمين.
اتضح أن الأمرين لهما خلفية مختلفة تمامًا، ومسارات مختلفة جدًا خلال عملية صنع القرارات في الولايات المتحدة.
على الرغم من أن صياغة كلا الامرين قد تم من قبل مسؤولين متوسطي المستوى غير معروفين نسبيًا في البنتاغون، إلا أن أمر اجتثاث البعث ظهر من الكواليس الغامضة لمكتب وزير الدفاع انذاك دونالد رامسفيلد، في حين تم الانتهاء من أمر حل الجهاز العسكري والأمني بينما كان المسؤولون المعنيون على الأرض في العراق.
على الرغم من أن كلا الأمرين ألغى خطط ما قبل الحرب التي وضعها البيت الأبيض، الا ان ما يثير الدهشة انه لم يُنظر إلى أي منهما على أنه ذو اهمية كبيرة من قبل أولئك الذين طرحوا هذا النهج الجديد في العراق في ذلك الوقت.
مثل الكثير من اجزاء المغامرة الأمريكية الخاطئة في العراق، فإن قصة وضع واصدار أوامر سلطة الائتلاف المؤقتة بالرقم 1 و 2 تقدم صورة عن التخطيط المتأخر والافتراضات التي كانت في غير محلها والتنفيذ الفاشل، وحصل كل ذلك وسط تدهور سريع للوضع على الأرض.
حتى اليوم، لا يكمن تقديم اجابة كاملة عن السبب الدقيق وراء اختيار الولايات المتحدة لخوض الحرب في العراق، فقد دفع مزيج معقد من العوامل المسؤولين الأمريكيين الى اتخاذ قرار الحرب، وتضمن ذلك وجهات النظر الشخصية المتباينة، والايمان الحقيقي في نظريات استراتيجية معينة، وممارسة الضغط من قبل المنفيين العراقيين، والمظالم الطويلة الأمد ضد صدام، وغطرسة ما بعد الحرب الباردة، والمعلومات الاستخبارية المشكوك فيها، ومناخ الخوف والنبرة القومية العالية التي سادت الولايات المتحدة جراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
تبرير الحرب جاء على أسس مباشرة مفادها أن صدام كان يواصل تطوير أسلحة الدمار الشامل.
بعد الحادي عشر من سبتمبر، كان احتمال امتلاك ديكتاتور سلاحًا كيميائيًا أو بيولوجيًا أو نوويًا غير مقبول بسبب تاريخه في شن الحرب على جيرانه وإيواء الجماعات الإرهابية في يوم من الايام.
وبالفعل، فإن مقترحات غزو العراق قد تم تداولها في إدارة بوش منذ الأيام التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر، في حين أن النيران كانت ما تزال تشتعل في البنتاغون ومركز التجارة العالمي.
في الواقع طلب بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع وأحد مؤلفي مقال أسبوعي نُشر عام 1997 عن صدام حسين حمل عنوان "الإطاحة به"، في ليلة الحادي عشر من سبتمبر، معلومات استخبارية عن علاقات العراق بالإرهابيين، وبحلول صيف عام 2002، بدا الغزو حتميًا.
في ذلك الصيف، تم اتخاذ قرار بشأن خطة تقريبية وجرى مشاركتها مع الرأي العام ومفادها ان الحرب على العراق ستكون سريعة وغير دموية إلى حد كبير (على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة)، وسيجري استخدام عائدات النفط الخاصة بالعراق المحرّر حديثًا لدفع تكاليف إعادة الإعمار.
كان هناك القليل من الشهية داخل إدارة بوش لأي عملية بناء للدولة على غرار خطة مارشال التي وضعت لاعادة اعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن الادارة الاميركية كانت تأمل في محاكاة النهج الذي بدا أنه ناجح في أفغانستان والقائم على غزو سريع وساحق يتبعه انتقال سريع للسلطة إلى قادة محليين ودودين.
في أفغانستان، تم اختيار حامد كرزاي، وهو أحد منتقدي طالبان من الذين عاشوا في المنفى، زعيما مؤقتا للبلاد في غضون أسابيع من الغزو الأمريكي، اما في العراق، رأى الكثيرون في إدارة بوش أن المعادل الواعد له هو أحمد الجلبي، المعارض المنفي لصدام والذي كان مقربًا من العديد من المحافظين الجدد.
بحلول أوائل عام 2003، عندما تجمعت قوات الغزو في الشرق الأوسط، كان مسؤولو البنتاغون يعملون على اتمام خطط هذا (الاحتلال المخفف)، ووصلوا الى ما اطلقوا عليه عمليات "المرحلة الرابعة"، بعد اتمام المراحل الأولى إلى الثالثة والتي ركزت على التعزيزات والعمليات القتالية الأولية للغزو.
تم تصميم مشروع تخطيط ما بعد الحرب هذا، المسمى رمزيًا (الكسوف الثاني)، على غرار (مشروع الكسوف)، الذي تضمن خطة الحلفاء لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
استغرق تطوير النموذج الأصلي سنوات، بدءًا من عام 1943، عندما كان النصر على المحور بالكاد يلوح في الأفق، لكن العمل على نسخة 2003 كان مستعجلًا ويواجه ضعف الموارد، وهي محاولة في اللحظة الأخيرة لتخيل عراق ما بعد صدام لم تبدأ إلا بعد عبور الدبابات والقوات الغازية المحيط الأطلسي.
بينما كان مخططو الجيش يتصارعون مع مسألة كيفية التعامل مع الآلاف من المسؤولين ومعظمهم من السُنة الذين شكلوا حزب البعث، وجدوا تشابهًا واضحًا في ألمانيا ما بعد الحرب.
لقد أدرك المسؤولون بسرعة خلال الحرب العالمية الثانية، أن أي جهد "لاجتثاث النازية" من الدولة الالمانية المهزومة يجب تنفيذه بشكل محدود؛ وبني ذلك على فكرة مفادها أن هناك حوالي 10% من جميع الألمان ينتمون رسميًا إلى الحزب النازي وملايين آخرين ينتمون إلى اتحادات عمالية ومهنية أخرى متحالفة مع النازية، ونظرًا لأن التخلص منهم جميعًا كان أمرًا لا يمكن الدفاع عنه من وجهة نظر الادارة الحكومية الرشيدة، فقد قرر المسؤولون الأمريكيون إزالة ومعاقبة أسوأ المسؤولين والسياسيين مع ترك موظفي الحكومة الأقل حماسًا من الذين انضموا إلى الحزب النازي لمجرد أغراض مهنية في اماكنهم.
تمشيا مع هذه السابقة، تصورت المسودات المبكرة للكسوف الثاني اجتثاثًا محدودًا لحزب البعث في العراق.
وقعت مهمة الإشراف على المرحلة الرابعة على عاتق جاي غارنر، الجنرال المتقاعد بالجيش الأمريكي والذي ترأس مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، وهي إدارة مؤقتة للعراق تأسست عشية الغزو.
كان لغارنر تاريخ مشهور في البلاد، ففي نهاية حرب الخليج الثانية 1991، قاد فرقة عمل في العراق تهدف إلى مساعدة السكان الأكراد، لكن مهمته الجديدة كانت أصعب بكثير.
تم تعيين غارنر في يناير 2003، وكان أمامه أسابيع فقط لتجميع خطة عمل لحكم 25 مليون عراقي وبلد بحجم كاليفورنيا.
بدأ مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية عمله من الصفر تقريبًا، على الرغم من أن وزارة الخارجية الواقعة على بعد اميال قليلة من مقر البنتاغون، أمضت معظم عام 2002 في وضع خطتها الشاملة لما بعد الحرب والتي كانت عبارة عن تقرير مكون من 13 مجلدًا ومكون من الف ومائتي صفحة وكلف نحو خمسة ملايين دولار ووضع بمساعدة أكثر من مائتي عراقي كانوا يعيشون في المنفى، من بينهم محامون ومهندسون وأطباء، قسموا إلى سبع عشرة مجموعة عمل.
جهد وزارة الخارجية، المعروف باسم مشروع مستقبل العراق والذي أشرف عليه توماس واريك، انتقد أحمد الجلبي بشدة، ونتيجة لذلك على ما يبدو، تم تهميشه من قبل البنتاغون.
قال غارنر في وقت لاحق إن رامسفيلد طلب منه أن يتجاهل مشروع مستقبل العراق، وجرى رفض طلبه لإضافة واريك إلى فريقه وتم تقديم خطط البنتاغون الجماعية الجديدة والمتسرعة لما بعد الحرب، كما وضعت، إلى مجلس الأمن القومي في العاشر من مارس 2003، قبل أسبوع واحد فقط من الغزو.
أشرف كبير مديري مجلس الأمن القومي لسياسة الدفاع والسيطرة على التسلح فرانك ميلر على العرض الذي أطلق عليه اسم "ميغا ايجيز فور"، وغطت إحاطته الواسعة مسائل مثل اجتثاث البعث وكذلك مستقبل وزارة الخارجية العراقية، وأجهزة المخابرات والشرطة والقضاء والجيش، كما تضمنت الخطة تصورًا لإنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة على غرار اللجنة التي أنشأتها جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري.
قرر المسؤولون أن اجتثاث البعث سيركز على النخبة الحزبية، مع ترك المستويات الدنيا كما هي كما كان الحال مع اجتثاث النازية.
كانت وجهة نظر غارنر هي أن الولايات المتحدة يمكن أن تنجح على الأرجح من خلال الاكتفاء بازالة القياديين الرئيسيين لحزب البعث من كل وزارة أو وكالة حكومية دون الحاجة الى ماهو أكثر من ذلك.
يتذكر لاري دي ريتا، أحد كبار مساعدي رامسفيلد: "كنا نتحدث عن عدد محدود للغاية، شيء مثل واحد ونصف في المائة فقط من البعثيين"، ويتذكر ميللر هذه الفترة بنفس الطريقة: "ما أوصينا به هو أن اجتثاث البعث يجب أن يتم بطريقة محدودة للغاية".
بالنسبة لدوغلاس فيث، وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة في البنتاغون، بدت قرارات المخططين بشأن اجتثاث البعث واضحة في خضم الاستعداد للحرب، وبدا أن الإجراء المقترح لإزالة المسؤولين البعثيين المستهدفين بشكل ضيق حاسمًا وكافيًا ومعقولًا.
يتذكر فيث في مقابلة: "لم يقل أحد أنه يجب قتلهم أو سجنهم أو تجريدهم من ممتلكاتهم" بل "كانت العقوبة أنك لا تستطيع العمل في الحكومة الجديدة؛ ولم يكن هذا الموقف شديد القسوة، بالنظر إلى أن حزب البعث قد فعل الكثير من الأشياء الفظيعة ".
وبحسب ما يتذكره فيث، فإن القرار لم يجذب سوى القليل من النقاش بين الوكالات وسط العديد من الأسئلة السياسية الأكثر صعوبة وقال: "الأشياء التي أتذكرها هي الأشياء التي كانت مثيرة للجدل، ولا أتذكر أن اجتثاث البعث كان ضمن هذه الفئة؛ لقد تم التعامل مع هذه المسألة من قبل مجموعة مشتركة بين الوكالات الحكومية، وكان هناك إجماع بشأنها ".
لم يعتقد غارنر أن اجتثاث البعث سيكون مشكلة رئيسية للولايات المتحدة أيضًا، واستندت تنبؤاته بهذا الشأن إلى تجربته خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، عندما انتفض الأكراد والشيعة وقتلوا أعدادًا كبيرة من البعثيين.
افترض غارنر أن الاكراد والشيعة سوف يقومون مرة اخرى بالقضاء على أسوأ المسؤولين البعثيين بأنفسهم واعتقد انه "سيموت الكثير من الأشرار" خلال ذلك.
تحدث غارنر مع رامسفيلد عن خطة فضفاضة للاحتفاظ بالتكنوقراط البعثيين مع بعض التدقيق، ووافق رامسفيلد على ذلك، لكن الأمر الأكثر تحديًا هو القضية التي قدمها فيث نفسه في "الاحاطة الرابعة" وكان يدور بشأن ما يجب فعله حيال الجيش العراقي.
يتذكر المشاركون أن مصير الجيش كان أحد أصعب أسئلة التي واجهوها لفترة ما بعد الحرب؛ لقد كان الجيش العراقي هائلاً حيثُ قدر عديده بحوالي نصف مليون جندي نظامي وغير نظامي، بالإضافة إلى صف الضباط المتضخم الذي يضم آلاف الجنرالات، وتألفت غالبية المجندين من الشيعة، الذين كانوا تحت اشراف فيلق من الضباط الذين يغلب عليهم السُنة موالين لصدام.
كان التدريب ضعيفًا لكن تم فرض الانضباط على المجندين بوحشية.
كان السؤال مازال مطروحًا عما إذا كان الجيش قابلاً للإنقاذ أو ما إذا كان من الأفضل حله تمامًا واستبداله بجيش جديد مبني من الصفر ووفقًا للمعايير الغربية وان يكون غير منقسم على أسس طائفية.
قال فيث: "كانت هناك حجج قوية على جانبي النقاش - الإصلاح أو الحل" مضيفًا "ما لم يكن واضحًا بالنسبة لي هو: الإجابة السليمة".
بعد دراسة القضية، قرر المخططون الأمريكيون الاحتفاظ بالجيش، بافتراض أنهم سيكونون قادرين على استخدام هيكله التنظيمي وقواعده وأفراده ومعداته كأساس لجهود إعادة الإعمار.
إلى جانب ذلك، استسلم الجيش العراقي بشكل جماعي في حرب الخليج عام 1991، وتم وضع عشرات الآلاف من أسرى الحرب العراقيين في حجز القوات الأمريكية، وتوقع المخططون الأمريكيون حدوث شيء مماثل مرة أخرى، وهذه المرة يمكن تشغيل الجنود الذين تحولوا إلى سجناء في إعادة الإعمار.
كجزء من اجتماعات مارس، طلب رامسفيلد من فيث إطلاع بوش ومجلس الأمن القومي على خلاصة غارنر بأن الجيش يستحق الإنقاذ، ويتذكر فيث هذا الامر بالقول، "كان لدينا مهمة هائلة يجب القيام بها تتمثل في إعادة الإعمار، وكان الجيش العراقي يمتلك المنشآت، ووسائل النقل، والأفراد الذين يتمتعون بالمهارات"، وكان من بين رتبه خبراء في تكنولوجيا الاتصالات والطرق والبناء وما إلى ذلك و"كانت هذه كلها أشياء شدد غارنر على أننا سنحتاج إلى الاعتماد عليها في إعادة الإعمار".
قرر البنتاغون الاعتماد على مقاول الدفاع في شمال فيرجينيا (مليتري بروفيشنال ريسورسز)، للإشراف على جهود إصلاح الجيش العراقي مستعينًا بخبرته في المساعدة على إعادة بناء الجيش الكرواتي في التسعينيات.
يتذكر غارنر: "غادرت بعد ان حصلت على موافقة كل من رامسفيلد والرئيس على اعادة تجميع الجيش العراقي" مضيفًا "لم نكن نفكر في إعادة الجنرالات بل ربما واحد أو اثنين فقط لكننا قررنا التدقيق في العقداء جيدًا، واعادة الجميع من رتبة مقدم فما دون".
في اجتماع مع الصحفيين في البنتاغون في الحادي عشر من مارس، أوجز غارنر المحادثات التي اجراها في البيت الأبيض في ذلك الأسبوع، وقال للصحافة أن الولايات المتحدة تأمل في إعادة السلطة بسرعة إلى العراقيين واضاف: "نعتزم البدء فورًا في تسليم بعض السلطات، وكل يوم، سنقوم بتسليم المزيد من السلطات للعراقيين"، ومضى يشرح أن الجيش العراقي سيبقى سليما وسيستخدم لإعادة الإعمار، وأشار إلى حد ما الى أهمية تجنب وضع هذا العدد الكبير من الرجال العاطلين في الشوارع، وقال إن الهدف هو إعادة العراق إلى العراقيين في غضون "أشهر".
عشية الحرب، كان هناك إجماع واسع بين كبار المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون على ان اجتثاث البعث سيكون محددًا بشكل ضيق، وعدم المساس بالجيش العراقي، ولم يكن أي شخص بارز يجادل بخلاف ذلك.
بدأ الغزو في 20 مارس، وفي غضون ثلاثة أسابيع فقط، اندفع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى بغداد وانهارت الحكومة العراقية.
سار كل شيء تقريبًا وفقًا للخطة، بل ربما أفضل مما توقعه المخططون، لكن الصور من العاصمة سرعان ما أصبحت مثيرة للقلق، حيثُ انتشر النهب على نطاق واسع، وبدا ان الجيش الأمريكي غير مرئي تقريبًا مع احتراق المباني الحكومية العراقية.
قلل المسؤولون الأمريكيون من أهمية الاضطرابات المدنية باعتبارها مرحلة مؤقتة وربما علامة على القوة، حيث تمكن العراقيون من اتخاذ خيارات شخصية جديدة.
قال رامسفيلد للصحفيين: "الحرية غير مرتبة، والأشخاص الأحرار أحرار في ارتكاب الأخطاء وارتكاب الجرائم والقيام بأشياء سيئة" مضيفًا "مثل هذه الاشياء تحدث"، لكن مع مرور الأيام، أصبحت المشاهد من بغداد أكثر فوضوية، ولم تتح الفرصة لغارنر لوضع خططه موضع التنفيذ.
سرعان اشتبك غارنر مع الجلبي الذي كان مدعوما من فيث ورامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني والذي سعى لانتزاع السيطرة على البلاد لنفسه؛ يتذكر غارنر "لقد التقينا في الناصرية في الخامس عشر من نيسان/أبريل، واحتقرنا بعضنا البعض على الفور".
كان غارنر أيضًا يواجه مشكلة اخرى تتمثل في أن الولايات المتحدة ليس لديها خطة مفصلة لكيفية التعامل مع العراق بعد الغزو، ولم يكن لديها القوات الكافية للحفاظ على النظام داخل هذا البلد، فقد اتضح أن افتراضات (عملية الكسوف 2) كانت متفائلة إلى حد كبير، ولم تكن هناك خطط طوارئ للتعامل مع دولة غاب فيها القانون فجأة.
اعتقد غارنر أن الوقت ينفد، وكانت الولايات المتحدة تسحب بالفعل قواتها من البلاد بشكل مثير للحيرة وتعيدها إلى الكويت، بالرغم من بقاء الأمن هشًا.
في يومه الأول في بغداد، التقى غارنر بالقائد الأمريكي المحلي، الذي أخبره أن القوات الأمريكية كانت مرهقة للغاية لحماية ما يقرب من 250 موقعًا مختلفًا في جميع أنحاء البلاد.
كان رأي غارنر في هذه المرحلة "نحن مُحِررون الان، ولكن في وقت ما ستغلق نافذة التحرير هذه، ومهمتنا هي إبطاء هذا الإغلاق" وتابع: "عندما ستغلق هذه النافذة، سنكون عندئذ محتلين، ولا يمكننا أن نفعل ما نحتاج إلى القيام به إذا كان يُنظر الينا على هذا النحو".
لكن مجموعة غارنر المتمثلة في مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية عانت من نقص حاد في الموظفين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن رامسفيلد عارض تعيين العديد من موظفي وزارة الخارجية، بمن فيهم واريك، للعمل فيها.
حاول غارنر المضي قدمًا بأفضل ما في وسعه، لكن المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى في البنتاغون ابعدوه عمداً عن الحلقة الضيقة المعنية بالحرب، وكانوا الآن يعيدون التفكير في بعض القرارات الأساسية التي تم اتخاذها بشأن عراق ما بعد الحرب.
وكما خلص التاريخ الرسمي للاحتلال الذي وضعته مؤسسة راند البحثية في وقت لاحق "لم يقم أي شخص في واشنطن باطلاع غارنر على التغييرات الرئيسية في نهج الاحتلال التي جرى مناقشتها في واشنطن، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه لم يتم تكليف أي شخص في العاصمة الاميركية باطلاعه على ذلك باستثناء وزير الدفاع رامسفيلد".
تم إلقاء اللوم على غارنر لفشله في إحلال النظام سريعًا في العراق، وتم التبرؤ منه في الدوائر القريبة من صناع القرار، وفي أحد الأيام الأولى التي كان فيها غارنر بالفعل في بغداد، اتصل رامسفيلد به وأخبره أنه سيتم استبداله ببريمر وان الاخير سيصبح المبعوث الرئاسي إلى العراق.
كان غارنر يعرف دائمًا أنه سيتم استبداله في النهاية، وكما قال مازحًا لفيث، أراد بوش "شخصًا ذا مكانة" لإدارة العراق، لكنه لم يتخيل أبدًا أن تعيينه سيستمر لأيام فقط.
اصبح غارنر ضحية للسياسات البيروقراطية في العاصمة وللواقع العراقي كذلك.
كانت اللمسة الخفيفة المتصورة لمكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية مجرد حلم بعيد المنال، وبدا اسم المكتب بحد ذاته الذي يؤكد على "إعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية" الآن متفائلًا إلى حد كبير، بالنظر إلى أن ما يحتاجه العراق هو أي علامة على وجود سلطة فاعلة قبل اي شيء اخر.
سيمثل بريمر بداية جديدة للولايات المتحدة في العراق، وسيقود هيكلًا أقوى وأعلى مكانة، وهو ما يسمى الآن سلطة التحالف المؤقتة، لترث مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.
عندما أنشأت إدارة بوش سلطة التحالف المؤقتة، لم تكلف نفسها عناء إصدار أمر فعلي بإغلاق مكتب الاعمار الذي لم يعد له وجود وظيفي، وهذا يعطي إشارة إلى كيفية صنع القرار الاميركي في هذه المرحلة.
فاجأ تعيين بريمر الجميع في واشنطن تقريبًا.
كانت دوائر صنع القرار الحقيقية في ذلك الوقت محدودة جدًا ومحصورة إلى حد كبير في مكتبي تشيني ورامسفيلد، حتى أن كبار المسؤولين في الإدارة كانوا يعرفون اخبار القرارات الجديدة بشأن الاحتلال في نفس الوقت التي تعلن على الرأي العام.
اتصل تينيت بباول (وزير الخارجية الاميركي) وهو في طريقه متوجهًا إلى مقر وكالة المخابرات المركزية بعد الإعلان عن اختبار بريمر وسأل، "ماذا تعرف عن هذا الرجل، بول بريمر؟"
لكن تعيين بريمر، والتفويض الهائل المصاحب له، كان متسقًا مع النهج المتطور لرامسفيلد وتشيني.
يقول روبرت جرينير، الذي مثل وكالة المخابرات المركزية في العملية المشتركة بين الوكالات في العراق، "أتذكر على وجه التحديد قول نائب الرئيس اننا امام خيارين اما الشرعية أو السيطرة، وعلينا أن نختار السيطرة ".
خلص بريمر من خلال الاجتماعات التي عقدها في واشنطن قبل المغادرة الى بغداد، إلى أن العراق بحاجة إلى نهج أكثر صرامة وإصلاحات شاملة أكثر مما سعى إليه غارنر.
تركت الإحاطات الإعلامية انطباعًا لدى بريمر وكأنه يتجه الى بلد ينهار حيثُ كان العراقيون يواجهون نقصًا في الكهرباء والمياه، وكان اللصوص يجوبون الشوارع؛ الأجهزة الأمنية لم تستسلم بشكل جماعي كما كان متوقعًا قبل الحرب، بل ذابت بكل بساطة، وكان العراق بحاجة إلى يد أقوى وبسرعة.
كل افتراض وضعته الولايات المتحدة بشأن المرحلة الرابعة من الغزو كان يثبت خطأه، بحسب بريمر. كانت واشنطن تأمل في ان تنجو الدولة العراقية من الغزو إلى حد كبير، وان تتمكن الولايات المتحدة من التدخل برفق لتوفير الغذاء والمساعدات، وتأمين البنية التحتية النفطية، ومن ثم تسليم المفاتيح إلى العراقيين، لكن كل ذلك لم يتحقق.
يتذكر بريمر في مقابلة: "كان من المهم أن نتذكر اسم منظمة جاي غارنر المتمثل في مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، حيثُ كان الافتراض وراء هذا العنوان هو أننا سنواجه نفس الوضع الذي واجهناه بعد حرب الخليج 1991 كالهجمات الجماعية على حقول النفط، وحركة جماعية للاجئين والحاجة الى ايصال المساعدات الانسانية" وهو ما ثبت انه اقل مما يحتاجه العراق.
شارك والتر سلوكومب، أحد كبار مساعدي بريمر، في جلسات الإحاطة العاجلة في العاصمة واشنطن بينما كان هو ورئيسه يستعدان للتوجه إلى بغداد، وأشار إلى دهشته مما علمه خلال هذه الجلسات: "لم يكن في العراق حكومة أو جيش يعملان، وقد تعطل اقتصاده وبنيته التحتية بسبب العقوبات والفساد وسوء الإدارة، كما تم نهب او تدمير كل مكتب يتبع لحزب البعث وقاعدة عسكرية تابعة للجيش من قبل الجنود الفارين والعراقيين الانتهازيين وقد اختفت جميع المعدات تقريبًا" مضيفًا ان الامر وصل الى "ازالة الأسلاك من الجدران ونهب الحمامات"، وبدا من المنطقي إذن أن يوصي بريمر وسلوكومب بإلغاء الخطط السابقة للاحتفاظ بالجيش العراقي لصالح تدريب جيش جديد.
بعد أن قدم الاثنان خطتهما الجديدة إلى رامسفيلد، الذي وافق عليها، بدأ سلوكومب وآخرون في البنتاغون بصياغة ما سيصبح الأمر المصيري لحل الجيش العراقي.
قال سلوكومب: "لقد قررنا انه ينبغي أن نبدأ من الصفر ولو بقي الجيش على حاله لكانت القصة مختلفة، لا أعرف كيف، لكن الأمر سيكون مختلفًا".
ثم ظهرت مشكلة البعثيين.
شارك والتر سلوكومب، أحد كبار مساعدي بريمر، في جلسات الإحاطة العاجلة في العاصمة واشنطن بينما كان هو ورئيسه يستعدان للتوجه إلى بغداد، وأشار إلى دهشته مما علمه خلال هذه الجلسات: "لم يكن في العراق حكومة أو جيش يعملان، وقد تعطل اقتصاده وبنيته التحتية بسبب العقوبات والفساد وسوء الإدارة، كما تم نهب او تدمير كل مكتب يتبع لحزب البعث وقاعدة عسكرية تابعة للجيش من قبل الجنود الفارين والعراقيين الانتهازيين وقد اختفت جميع المعدات تقريبًا" مضيفًا ان الامر وصل الى "ازالة الأسلاك من الجدران ونهب الحمامات"، وبدا من المنطقي إذن أن يوصي بريمر وسلوكومب بإلغاء الخطط السابقة للاحتفاظ بالجيش العراقي لصالح تدريب جيش جديد.
بعد أن قدم الاثنان خطتهما الجديدة إلى رامسفيلد، الذي وافق عليها، بدأ سلوكومب وآخرون في البنتاغون بصياغة ما سيصبح الأمر المصيري لحل الجيش العراقي.
قال سلوكومب: "لقد قررنا انه ينبغي أن نبدأ من الصفر ولو بقي الجيش على حاله لكانت القصة مختلفة، لا أعرف كيف، لكن الأمر سيكون مختلفًا".
ثم ظهرت مشكلة البعثيين.
في الأول من مايو، وهو اليوم الذي أعلن فيه بوش انتهاء العمليات القتالية الرئيسية أمام لافتة كتب عليها "المهمة أنجزت"، كان بريمر يبدأ اجتماعاته في العاصمة ذلك الصباح، ظهر مقال في صحيفة نيويورك تايمز للمراسلة جوديث ميللر (سيتم فصلها فيما بعد من الصحيفة بسبب تقاريرها قبل حرب العراق)، ونقلت عن الجلبي انتقاده لمقاربة غارنر المحدودة لاجتثاث البعث، وذكرت أن المنفي العراقي كان يضغط على إدارة بوش من أجل تطهير أكثر شمولاً.
وردت شكاوى أخرى في الأيام التالية، حيث قام فريق غارنر بتعيين مسؤول حزبي سابق مثير للجدل ليكون وزيراً للصحة، وأعاد تعيين قادة حزب البعث القدامى في جامعة بغداد، وهي اختيارات واعية اتخذها الفريق في العراق ومبررة على أساس أن أي جهد لإعادة البناء يتطلب المؤسسات العاملة في هذه الأثناء.
في التاسع من مايو ورضوخاً للضغوط، وعد رامسفيلد علناً بإجراء عملية تدقيق أكثر شمولاً، وفي نفس اليوم، خلال اجتماع في البنتاغون، سلم فيث بريمر أمرًا باجتثاث البعث على نطاق أوسع مما كان متصورًا في الأصل، وهو أمر قال فيث إنه تمت الموافقة عليه من خلال عملية مشتركة قامت بها مختلف الوكالات الحكومية.
بالنسبة لبريمر، كانت تلك لحظة صغيرة تافهة في وقت كانت الاسئلة على الارض أصعب بكثير؛ لقد أُعطي مجرد أمر واقع ليعلنه في الوقت المناسب.
يتذكر بريمر: "منذ أن سلمني فيث الورقة، كنت أفترض أنها مكتوبة في مكان ما داخل البنتاغون" مضيفًا "نظرت في الأمر، وأخبرني فيث أن الأمر قد تمت الموافقة عليه بعد عملية تدقيق مشتركة اجرتها الوكالات الحكومية".
كانت المشكلة أنه لا يبدو أن أي شخص خارج دائرة صغيرة من المساعدين قد شاهد الوثيقة قبل أن يسلمها فيث إلى بريمر، وفي الواقع، لم تكن هناك عملية رسمية مشتركة بين الوكالات على الإطلاق.
قال ميلر من مجلس الأمن القومي: "الوثيقة لم تأت من البيت الأبيض" لانها لو كانت قادمة من البيت الابيض "كانت ستأتي من مكتبي أو من الاشخاص العاملين معي إذا كان ذلك صحيحًا".
يبدو أن أمر كتابة المسودة قد نشأ من مكتب ويليام لوتي، نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا.
كان من الممكن الإشراف على الأمر المقترح داخل مكتب لوتي بواسطة قسم خاص للسياسات (يُعرف باسم مكتب الخطط الخاصة على وجه التحديد) وكان مكونًا من حوالي 15 شخصًا، وقاد مكتب الخطط الخاصة أبرام شولسكي، وهو من قدامى الموظفين من إدارة ريغان.
على الرغم من اسم الفريق الغامض عن عمد، إلا أن المجموعة ركزت بشكل أساسي على العراق وإيران.
رفض لوتي إجراء مقابلة مع كاتب هذه المقالة، لكن شولسكي ذكر في مقابلة أن أمر المسودة لم يتبع أي عملية تدقيق عادية بين الوكالات المعنية وقال: "لم تكن هناك عملية حقيقية مشتركة بين الوكالات" مضيفًا "كان من الممكن أن تكون العملية غير رسمية في تلك المرحلة".
كما يتذكر شولسكي، تأثرت لغة الامر بذكريات ما بعد حرب الخليج، عندما شجعت الولايات المتحدة انتفاضة شيعية ضد صدام، لكنها تراجعت بعد ذلك عن دعم الجهود المبذولة للإطاحة بالنظام؛ هذه المرة، ستحرص واشنطن على أن يفهم الشيعة أن نظام صدام قد ذهب إلى الأبد.
كان الأمر الأصلي الذي تم تسليمه إلى بريمر قد طبق بعض الحسابات التقريبية بشأن مقدار البيروقراطية التي يجب إزالتها - تأثرت هذه الحسابات بما حصل في ألمانيا ما بعد الحرب وبتجربة إعادة بناء دول أوروبا الشرقية مثل بولندا بعد سقوط الستار الحديدي.
تصورت مسودة الأمر ابعاد الطبقات الثلاث العليا من القادة البعثيين من مسئولية العراق المستقبلية، وأن يتم النظر في الطبقة الرابعة على أساس كل حالة على حدة.
عندما كان بريمر يستعد لرحلته إلى العراق، شعر بالثقة في أنه قد حصل على سلطة رئاسية كبيرة وأن مهمته تتمثل في تحقيق تغيير دائم في العراق؛ لقد تم إلغاء الخطط الأمريكية الأصلية الأكثر تفاؤلاً بكثير لعراق ما بعد الحرب، لكنه ومسؤولين آخرين كانوا واثقين من أن النجاح في العراق لا يزال في متناول اليد.
عندما وصل بريمر إلى العراق على متن طائرة الشحن التابعة لسلاح الجو، كان يركز بشكل خاص على الديكتاتور المخلوع صدام حسين، فحتى مع احتلال القوات الأمريكية لمعظم البلاد، ظل صدام والعديد من كبار مسؤوليه، بمن فيهم ولديه عدي وقصي، متوارين عن الانظار.
في ظل هذه الخلفية، بدت جهود اجتثاث البعث المتواضعة المقترحة خلال الشتاء في واشنطن غير كافية.
كان المسؤولون الأمريكيون يخشون من أن حزب البعث ربما لم يصبح بعد تاريخًا، وكذلك فعل العراقيون العاديون، الذين كانوا يخشون من أن يرحل الأمريكيون بسرعة، مما يسمح لصدام بالظهور من تحت الرماد والعودة إلى السلطة ومعاقبة كل من تعاون مع الغزاة.
كما يتذكر بريمر عن الديكتاتور الهارب، "لقد القى بظلاله، في كل ما كنا نفعله في العراق" ومن هنا جاء منطق الأمر باجتثاث البعث الذي حمله بريمر في حقيبته، وهو إجراء من شأنه أن يثبت أن صدام وحزبه لم يكن لديهم طريق إلى العودة مرة اخرى.
كان بريمر يريد دخول العراق بقرارات قوية، كما يتذكر دي ريتا، مساعد رامسفيلد، الذي كان يتشارك مع بريمر في غرفة مؤقتة في بغداد، لكن عندما وزع بريمر مسودة أمر اجتثاث البعث مع قادة عسكريين أمريكيين آخرين على الأرض، واجه مقاومة فورية.
لقد وصل الأمر إلى عمق البيروقراطية العراقية أكثر من أي شيء كان البيت الأبيض قد ناقشه ووافق عليه في الأصل في آذار (مارس).
الآن، سيتم عزل جميع أعضاء الحزب الكبار من مناصبهم وحظرهم من التوظيف في المستقبل، وما هو أسوأ من ذلك، هو أن المسؤولين الذين يشغلون أعلى ثلاث مستويات من القيادة في كل وزارة وجميع المؤسسات الحكومية الأخرى، بما في ذلك الجامعات والمستشفيات، سيتعرضون للاستجواب بشأن أي صلات بحزب البعث وإخضاعهم لتحقيق جنائي محتمل.
ما كان في يوم من الأيام جهدًا مستهدفًا بشكل ضيق لإزالة حكومة صدام ودائرته الداخلية أصبح من الممكن الان أن يمس كل مبنى حكومي محلي في البلاد.
لم يكن غارنر، الذي وافق على البقاء في منصبه خلال فترة انتقال وجيزة إلى بريمر، سعيدًا بالأمر، وبعد دقائق من قراءة أمر المسودة، يتذكر غارنر، أنه نزل هو ورئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في بغداد تشارلز سيدل، إلى مكتب بريمر للاحتجاج حيث قال غارنر: "لن تتمكن من إدارة البلد سعادة السفير" وأضاف سيدل "سيكون لديك خمسون الف عدو في هذه المدينة قبل غروب الشمس"، ولكن بريمر كان يرى أنه قد تلقى أمرًا من واشنطن، وكانت وظيفته محصورة فقط في تنفيذه.
في السادس عشر من مايو وقع بريمر أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم واحد، كما بدا أن مسودة الأمر الأخرى الخاصة بحل الجيش العراقي، مبررة لبريمر وسلوكومب وفيث في ضوء الواقع على الأرض.
رأى بريمر أنه على الرغم من أن بعض الوزارات المدنية العراقية لا تزال تعمل، إلا أن أجهزتها الأمنية والعسكرية والأمن الداخلي وقوات الاستخبارات كانت مسألة مختلفة.
لقد ثبت أن الآمال المبكرة بأن الجيش العراقي قد يساعد في إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية كانت جوفاء، وان ما حصل هو ذوبان الجيش وتدمير ونهب معداته ومنشأته؛ قال سلوكومب: "لم تطرح مسألة الحفاظ على الجيش العراقي أبدًا، وبلغة البنتاغون لقد قام افراده بتسريح أنفسهم بانفسهم".
حتى الآن، بدا لبريمر أنه سيكون من الصعب إعادة تشكيل الجيش العراقي القديم بقدر صعوبة البدء من الصفر، لكن البداية الجديدة ستتجنب إثقال كاهل القوة بأعباء غير ضرورية من العلاقات مع صدام والتسلسل الهرمي الطائفي.
شرح فيث كيف تغير تفكيره وتفكير الآخرين بالمقارنة مع موقفهم تجاه الجيش الذي كانوا قد توصلوا اليه في الشتاء: "كل الحجج المؤيدة للاحتفاظ بالجيش اختفت، لقد كانت هناك حقائق جديدة على الأرض ".
يجادل مشاركون آخرون في أن الجيش العراقي ذاب بالفعل إلى الأبد؛ يشير ميلر إلى أن الأمريكيين ألقوا ووزعوا منشورات تشجع الجنود العراقيين على العودة إلى ديارهم وانتظار الأوامر بالعودة إلى قواعدهم "قلنا فيها لكل عنصر من الجيش، ارحل وسنعاود الاتصال بك ".
بدأ الجيش الأمريكي بالفعل محادثات مع ضباط عراقيين ودودين بشأن إعادة تشكيل القوة.
كان أحد مساعدي غارنر، وهو كولونيل يُدعى بول هيوز، يعمل بجد في الاتصال بالوحدات القديمة ويقول غارنر "كان لدينا حوالي أربعين ألف جندي على استعداد للعودة".
لكن قرار بريمر سيقطع تلك المناقشات ويخلق في نهاية المطاف مرارة دائمة بين الضباط العراقيين السابقين.
مثل أمر اجتثاث البعث، قوبلت فكرة حل الجيش العراقي بمقاومة على الأرض في العراق؛ لقد شعر غارنر وفريقه أن ذلك سيؤدي إلى القضاء على كل شيء كانوا يعملون عليه.
يتذكر مايكل بارون، الذي كان وقتها كولونيلًا في الجيش وعمل كمستشار أول لسلطة الائتلاف المؤقتة "كانت هناك قيادة عراقية جديدة ظهرت قائلة: نحن على استعداد للعمل معكم، ونحن كنا نتطلع إلى إعادة تلك القوات الأمنية (الجيش والشرطة) تحت قيادة جديدة تعمل مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن امر سلطة الائتلاف الثاني سحب البساط من تحت كل ذلك ".
فضل غارنر، إلى جانب سيدل وبعض الأفراد العسكريين الأمريكيين، إشراك جنرالات عراقيين ودودين في القوة الجديدة، لكن بريمر وسلوكومب خلصوا إلى أن القيام بذلك غير عملي، لانه من وجهة نظرهم، فإن المجندين الشيعة المضطهدين الذين عادوا إلى منازلهم بسعادة أثناء الغزو لن يلتفوا لاستدعاء مجموعة من كبار الضباط السُنة المرتبطين بالنظام القديم.
على الرغم من عدم وجود عملية رسمية مشتركة بين الوكالات للموافقة على أمر سلطة الائتلاف المؤقتة الثاني، تذكر سلوكومب انه قام بإبلاغ كل شخص ضروري في كل من واشنطن وبغداد بخطة حل الجيش.
كانت تكنولوجيا الاتصالات في العراق عام 2003 لا تزال صعبة، ولكن تم إرسال مسودة امر حل الجيش العراقي إلى البنتاغون، وقال سلوكومب إنه اجرى العديد من المكالمات الهاتفية من القصر الجمهوري في بغداد حيث كانت سلطة الائتلاف المؤقتة تؤسس مقرها، ويستمع إلى التغييرات النهائية على المستند.
قال مستخدماً اللغة البيروقراطية لإجراء تعديلات طفيفة: "يمكنني أن أتذكر بوضوح الوقوف في الخارج في حرارة تصل إلى 120 درجة فهرنهايت، واجري عبر رابط اتصال غير مستقر لقمر صناعي "التغييرات السعيدة" مع المعنيين في البنتاغون" مضيفًا "تمت الموافقة على مسودة الأمر في بغداد، بما في ذلك من قبل القيادة العسكرية العليا؛ إن مجرد أن يقول أحدهم: "أنا أتفق معك"، لا يعني أنه يعتقد أنها فكرة جيدة، لكن لا يمكنهم القول إنهم لم يعرفوا شيئًا عنها ".
كان كبار القادة المدنيين في البنتاغون، الذين حصلوا على الموافقة الرئاسية مرة أخرى في مارس للحفاظ على الجيش سليمًا، متفقين مع رؤية بريمر الجديدة، وتقبلوا نفس الحجج التي قدمها بشأن الظروف المتغيرة على الارض.
يتذكر جرينير محادثة اجراها مع موظف في مكتب لوتي اظهرت ان القرار نهائي: "إذا أعدنا قيادة الجيش العراقي، فسيكون من اجل اطلاق النار عليها فقط"، ويتذكر سلوكومب النص الذي كان يدور بين مكاتب سلطة الائتلاف المؤقتة لمدة أسبوع تقريبًا قبل أن يدفع بريمر فريقه لوضع اللمسات الأخيرة عليه ولا يبدو أنهم قد شاركوا الوثيقة مطلقًا مع المسؤولين خارج البنتاغون.
عندما أعلن بريمر الأمر في مؤتمر عبر الفيديو مع فريق الأمن القومي في البيت الأبيض، أذهل الكشف قادة آخرين في الإدارة.
أوضح ميللر: "لا أحد حول الطاولة - باستثناء دون رامسفيلد ودوغ فيث وربما نائب الرئيس - عرف ما كان يجري" مضيفًا "تم تقديم هذا إلى حكومة الحرب على أنه: هذا ما سنفعله، وحتى الرئيس بدا متفاجئًا، وبعد عشر ثوانٍ من الصمت، قال بوش لبريمر: جيري، أنت الرجل على الأرض".
بالنسبة لفيث، كانت لحظة حاسمة في الحرب، مؤشر رئيسي على كيفية تطور المرحلة التالية من الاحتلال؛ لقد أراد كل من رامسفيلد وبوش إعطاء بريمر مساحة لاتخاذ القرارات، خاصة وأنه كان قد بدأ للتو.
ذكر فيث أن رامسفيلد كان في بعض النواحي شخصًا يتدخل في ادق التفاصيل، لكن ميل وزير الدفاع توقف عند حافة المحيط، وكان يميل إلى التأجيل للأشخاص الذين يديرون عمليات على الجانب الآخر من العالم.
قال فيث، "لقد أراد حماية جيري بريمر من الأشخاص الذين يمارسون التدخل من واشنطن".
بالنظر إلى الوراء، قال بريمر إن أسفه بشأن أمر سلطة الائتلاف المؤقتة الثاني ينبع في المقام الأول من عدم إعداد ما اعتبره المرحلة الثانية من الأمر: خطة لدفع ثمن الجيش الذي تم حله.
لم يقصد هو وسلوكومب أبدا طرد جنود الجيش العراقي بأكمله إلى الشوارع ولكنه تصور إصدار شكل من أشكال راتب للجنود السابقين، وكما قال سلوكومب، "نحن نعلم أنه إذا لم تدفع للجيش، فسيفعل ذلك شخص آخر"، ولكن وسط فوضى ما بعد الغزو، لم تكن آليات القيام بذلك موجودة بعد، حيث كان كل من بريمر وسلوكومب أول من اعترف بهذه الحقيقة.
لم يكن لدى سلطة الائتلاف المؤقتة سجلات موثوقة لرتب الجيش، ولم تكن إيرادات النفط تتدفق بعد لدفع رواتب للجيش، كما زاد التضخم الجامح للدينار العراقي من تعقيد أي أجر أو معاشات تقاعدية أو رواتب قد ترغب سلطة الائتلاف المؤقتة في فرضها؛ بالإضافة إلى ذلك، قال سلوكومب، إنه كان من المحرج سياسيا دفع رواتب جنود النظام السابقين قبل أن يكون هناك أي نوع من الاليات لتعويض ضحاياهم.
بعد وقت قصير من إصدار المرسوم، احتج الجنود الذين تم حلهم في جميع أنحاء البلاد على الأجور.
وراء الكواليس، سارعت سلطة الائتلاف المؤقتة لتجميع الجيش العراقي، وقال بريمر إنه يتذكر اللحظة ذاتها في منتصف يونيو عندما دخل أحد مساعديه ميغان أوسوليفان، إلى مكتبه مع جدول بيانات عملاق يحدد أخيرا الجيش العراقي، وهي الخطوة الأولى في بدء المدفوعات للجنود السابقين، والتي تأخرت في نهاية المطاف عن أمر سلطة الائتلاف المؤقتة الثاني بأكثر من شهر.
وقال بريمر: "كان أحد الامور المؤسفة هو أننا لم نعلن في نفس الوقت عن خطة لمنح معاشات تقاعدية لكل هؤلاء الأشخاص.. لقد أجلنا الإعلان عن الراتب، لأننا لم يكن لدينا المال وكان ذلك خطأ"، وأشار إلى أنه عندما بدأت المدفوعات، سرعان ما هدأت احتجاجات الجنود.
واجه أمر سلطة التحالف المؤقتة رقم واحد مشاكل التنفيذ الخاصة به.
في الأشهر التي تلت صدوره، أثبت اجتثاث البعث أنه أكثر تطرفا وإشكالية مما دعا إليه نص الأمر.
سيطر الجلبي وحلفاؤه على العملية، وهي عملية لم تضع الولايات المتحدة مبادئ توجيهية واضحة لها، وبحلول أبريل 2004، اعترف بريمر نفسه علنا بأن الأمر "سيء التنفيذ" وتم تطبيقه "بشكل غير متساو وغير عادل".
اعترف سلوكومب بأنه والآخرون فوجئوا بكيفية فرض اجتثاث البعث، وقال: "من الناحية العملية، تم إساءة استخدامه من خلال استخدامه كجهاز للتخلص من الناس، مثل مشرفي المدارس في المدن متوسطة الحجم" مضيفًا "لقد فشلنا في إدراك أنه في أي مجتمع، سيكون هناك قدر كبير من التسوية" لكن سلوكومب يؤكد ان كل شيء متعلق بالقرار كان خطئا "لم يقل أحد إن حل الحزب النازي كان خطأ فادحًا".
يمثل أمرا بريمر نقطة تحول في مغامرة إدارة بوش في العراق.
لقد ولت أي أوهام لعملية سريعة في هذا البلد، وقد أشارت الأوامر إلى أن الولايات المتحدة ستبقى لاحتلال طويل يهدف إلى إعادة تشكيل العراق بشكل أساسي.
تم استبدال التسليم السريع بعملية اعادة بناء مفتوحة للعراق، وقال ميلر: "إن المفارقة في امري سلطة الائتلاف المؤقتة واحد واثنين هي أن بريمر قلب رؤية الرئيس بوش للعراق تماما" مضيفًا "لا أعرف ما إذا كنا سنتمكن من الدخول الى العراق والخروج منه بسرعة، ولكن لم تتح لنا الفرصة أبدا للمحاولة".
ومع ذلك، كانت الحرب السريعة والسهلة غير واقعية منذ البداية.
أشار العديد من أولئك الذين شاركوا في عملية صنع السياسات في ذلك الوقت إلى أن التأثير الفعلي لأمري سلطة الائتلاف المؤقتة 1 و 2 قد تم المبالغة فيه.
لم تكن الأوامر نفسها هي المشكلة الحقيقية؛ بل كانت أحد أعراض الافتقار التام إلى التخطيط الشامل في فترة ما قبل الغزو وعدم وجود عملية صنع قرار واضحة بعد ذلك.
يتذكر غارنر: "تم تصميم كل شيء من قبل أشخاص في واشنطن لم يذهبوا إلى العراق من قبل"، لقد كانت "سلسلة من الأوامر سيئة التخطيط والمدروسة بشكل سيء".
كانت الأوامر في الواقع أيضا أعراضا لمشكلة أكبر: التحدي شبه المستحيل الذي واجهته الولايات المتحدة في اختيار غزو العراق.
تطلب انهيار نظام صدام نوعا من البديل، وستشمل عملية ابتكار بديل حتما خيارات صعبة لا نهاية لها وعقبات غير متوقعة وعواقب غير مقصودة، بغض النظر عن مقدار التخطيط الذي قامت به واشنطن.
فعلى الرغم من أن التخطيط الصاخب والبصمة العسكرية الأمريكية الصغيرة الحجم لم تترك بالتأكيد أي هامش للخطأ، إلا أن القرارات الأكثر حكمة ربما لم تكن كافية.
من المستحيل إثبات حقيقة مضادة، ولكن على الرغم من أن خطة اجتثاث البعث المحدودة والجهود المتضافرة لإنقاذ الجيش العراقي ربما كانت سياسات من الافضل اتباعها في هذا البلد، إلا أنها بالتأكيد لم تكن ضمانة للسلام في العراق.
كان الأمران أول ما سينتهي به المطاف إلى مائة امر من هذا القبيل من سلطة الائتلاف المؤقتة، استمرت على مدى أربعة عشر شهرا حتى يونيو 2004، عندما تم تسليم السلطة أخيرا إلى حكومة عراقية مؤقتة.
بحلول خريف عام 2003، كان التمرد - الذي جمع عناصر من النظام السابق والجنود الذين تم تسريحهم، قد تحول الى حقيقة واقعة متكاملة على الارض، وما جاء بعده اصبح جزءا من التاريخ: فضيحة أبو غريب وغيرها من الكشف عن جرائم الحرب الأمريكية، وزيادة القوات الأمريكية، والانسحاب الأمريكي، وصعود الدولة الإسلامية، كل ذلك على خلفية عدم الاستقرار السياسي المستمر والعنف والتأثير المتزايد لإيران، الخصم الأمريكي الرائد في المنطقة.
من الأفضل ألا ينظر إلى أمري سلطة الائتلاف المؤقتة 1 و 2 على أنها أخطاء كان من الممكن، إذا تم تجنبها، أن تنقذ العراق، بل يجب النظر اليها كمؤشرات مبكرة على أن رؤى إدارة بوش الكبرى للبلاد كانت مجرد رغبات افتراضية على الورق، بعيدا عن واقع ما بعد الغزو.
كانت الجذور الغامضة للأوامر رمزية لعملية صنع السياسات الفوضوية التي أدت إلى حرب لا داعي لها وغير مخطط لها بشكل جيد.
في الحقيقة، كانت حرب العراق محكوم عليها بالفشل قبل أن يعبر أول جندي أمريكي الحدود الى داخل العراق.