لعنة سماء "طَبَس" على الأمريكان
في 24 أبريل 1980، انهارت العملية الأمريكية السريّة في إيران التي كانت تهدف إلى إنقاذ 53 رهينة محتجزين في السفارة الأمريكية بطهران
في 24 أبريل 1980، انهارت العملية الأمريكية السريّة في إيران التي كانت تهدف إلى إنقاذ 53 رهينة محتجزين في السفارة الأمريكية بطهران، لتنتهي بكارثة على مهبط طائرات مؤقت وسط الصحراء الإيرانية، وكان الفشل العلني المُحرِج لهذه الغارة التي أُطلِق عليها اسم عملية (مخلب النسر) وصمة عار لإدارة كارتر ولقواته المسلحة أيضاً التي كانت لاتزال تناضل للنهوض على قدميها مجدداً في أعقاب الهزيمة النكراء التي لحقت بها في فيتنام قبل ذلك بخمس سنوات فقط.
فبعد احتلال السفارة الأمريكية من قبل الطلاب الإيرانيين حاولت أمريكا بمختلف السُبل دفع إيران للتراجع عن موقفها، فقامت، ومن يدور في فُلكها، بفرض الحصار الاقتصادي والسياسي رسمياً على إيران، وابتدأت الجماهير مرحلة مواجهة الحصار الاقتصادي والسياسي، مستلهمةً بيانات وتوجيهات الإمام الخميني، دون أن تفكر في الاستسلام.
وقد فشلت عملية إطلاق سراح الرهائن الأمريكان بعد تحطم الطائرات الأمريكية في صحراء طَبَس، في حادثة إعجازية مُدهشة.
ففي الرابع والعشرين من نيسان 1980م قامت ست طائرات سمتية بالهبوط في إحدى القواعد الأمريكية السابقة في صحراء طَبَس شرقي إيران، وقد وقعت هذه الحادثة خلال رئاسة "أبو الحسن بني صدر".
وكان مقرراً أن تقوم الطائرات ـ بعد التزود بالوقود والتحاق ثماني سمتيات ميدانية ـ بالتوجه إلى طهران، لقصف منزل الإمام الخميني والمراكز الهامة الأخرى بالتعاون مع بعض العملاء لإطلاق سراح الرهائن، غير أن عاصفة مفاجئة هبّت في الصحراء فارتطمت إحداهما بأخرى فانفجرت جراء ذلك مروحية من طراز (آر إتش – 53) تابعة لمشاة البحرية، وطائرة حربية من طراز (إي سي – 130) تابعة لسلاح الجو على الأرض، مما أجبر الطائرات المتبقية إلى الهبوط الاضطراري في الصحراء نتيجة لهذا الحادث ولسوء الأحوال الجوية.
وبتنفيذ هذه الغارة، أُتيح للعالم أيضاً إلقاء نظرته الأولى على قوة العمليات الخاصة الأميركية التي كانت مُحاطة بأقصى درجات السريّة وعلى قائدها المؤسِّس الاسطوري الكولونيل تشارلي بيكويث، المحارب المخضرم من الوحدات الخاصة والفرقة المجوقلة 101 والذي خدم لفترتين متعاقبتين في فيتنام.
أعلن كارتر بنفسه عن فشل العملية وتحمل المسؤولية كاملةً، كما كان ينبغي له أن يفعل.
وكان كارتر قد أدار العملية بكل تفاصيلها من البيت الأبيض وانحنى أمام الضغوط من فروع القوات المسلحة كافة للقيام بعمل جسور يمجّد أمريكا.
تعهد سلاح الجو بنقل الجنود الى منطقة الانطلاق وإعادة التزوّد بالوقود وسط الصحراء الإيرانية على متن طائرتي نقل ذات محركات مروحية طوربينية من طراز (سي – 130)، في حين كُلِّفت مروحيات من سلاح مشاة البحرية (المارينز) بنقل جنود قوة العمليات الخاصة (دلتا) من المهبط الجوي المؤقت في الصحراء إلى طهران، ودخلت هذه المروحيات الأجواء الإيرانية قادمةً من البحر. واضطر المشرفون على العملية إلى تجميع طواقم المروحيات على عجالة وبطريقة خرقاء مستخدمين طيارين من المارينز والأسطول البحري وسلاح الجو بعد أن اكتشفوا في الدقيقة الأخيرة أن بعض طياري المارينز يفتقرون إلى المهارات اللازمة للقيام بمثل هذه المهمة.
وكان عدد من عناصر وعملاء القوة (دلتا) قد تسلّلوا إلى داخل الاراضي الإيرانية للمساعدة في تنفيذ الهجوم لإنقاذ الرهائن الأميركيين الـ 53 وجميعهم من الدبلوماسيين والحراس المارينز - الذين احتُجِزوا عندما استولى حشد من الإيرانيين على السفارة الأمريكية في طهران في 4 نوفمبر 1979.
ونظم بيكويث ومؤيدوه في البنتاغون، حملة ضغط للقيام بمهمة إنقاذ خاصة ينفذها خبراء من قوة دلتا متخصصون في مهام تحرير الرهائن، وكان قد بدأ بالتخطيط لعملية الإنقاذ بعد ساعات من احتجاز الرهائن الأمريكيين.
لكن كل ذلك التخطيط انهار بصورة كارثية في موقع الإنزال بالصحراء الإيرانية، وأمام مشهد اشتعال الطائرتين المتصادمتين على المهبط السرّي، ولم يكن أمام الجنود وطواقم الملاحة سوى حزم معداتهم والخروج بأسرع ما يمكن على متن طائرات (سي – 130) المتبقية.
وأُصدِرت لهم الأوامر بتدمير المروحيات المتبقية على المهبط، لكن وسط حالة الإرباك الشديدة لم يتم تنفيذ هذه الأوامر.
ووقعت الخطط السريّة في أيدي الإيرانيين، وبالكاد استطاع العملاء المتعاونون مع الولايات المتحدة في طهران الفرار.
وفي النهاية قام الإيرانيون بتحرير الرهائن في يوم تقليد ريغان مراسيم السلطة بعد مُضي 444 يوماً على احتجازهم، ولم تمضِ فترة طويلة بعد ذلك حتى تقاعد بيكويث بهدوء من الجيش.
ومات بيكويث، وهو على قناعة بأن الجزء الأكبر من اللوم يقع على التنافس الداخلي بين فروع القوات المسلحة المختلفة.
وُولِد من ثنايا هذا الفشل تصميم تام من قبل بعض الأعضاء المتنفذين في الكونغرس، إلى جانب أولئك الذين كانوا يمنحون ثقتهم ودعمهم من دون تردد لوحدات العمليات الخاصة الصغيرة، تصميم على أن ما حدث لن يتكرر، وإصرار على ضرورة إيجاد قيادة مصممة لضمان نجاح مثل هذه المهام السريّة، على أن تكون تلك القيادة مكتفية ذاتياً في كل شيء بما في ذلك احتياجاتها من الطائرات والمروحيات والطيارين.
أحد الصحفيين الأمريكان يروي قصة الحادثة وهو في العاصمة طهران.
قال أحد الموظفين من حاملي الجنسية الأمريكية والعاملين في أرامكو، إنه إبّان الأزمة الأمريكية الإيرانية (أي أيام احتجاز الأمريكان) كان الأمريكيون يكرهون الشيعة، وكان أحدهم موجود في بناية الأكسبك في الظهران يُعلن ذلك على الملأ.
ذهب هذا الرجل إلى إجازة وفي حينها حصلت واقعة طَبَس.
عندما عاد أخذ يقبّل أيادي الشيعة ويعتذر عمّا بدر منه تجاههم. فقالوا له لماذا؟ فقال، إن صديقتي صحفية وكانت من ضمن البعثة المرافقة لفك أسر الرهائن.
قالت له، رأيتُ بأمّ عيني بلحظات قبل قيام القيامة شيخ يلبس العمامة السوداء يدعو بين السماء والأرض، ولم تكن إلا لحظة وانقلب السحر على الساحر.