الكيان الإسرائيلي يخفي الأعداد الحقيقية لقتلاه خلال الحرب على غزة.. تعرف على أساليب الإخفاء ودوافع التكتم على عدد القتلى
انفوبلس/..
يخضع الإعلان عن أي قتلى إسرائيليين، أو عمليات من جانب المقاومة ضد الاحتلال، إلى مقص الرقابة العسكرية أو منع من النشر في الكيان الإسرائيلي، وهو قرار ملزم يتم بموجبه منع نشر أي معلومات عن القتلى سواء من وسائل الإعلام، أو من المؤسسات الرسمية، أو من المستوطنين.
كما يمنع الاحتلال، وسائل الإعلام الإسرائيلية من تداول ما تنشره فصائل المقاومة من مقاطع مصوّرة، تظهر استهداف الجيش وتكبيده الخسائر.
في 10 كانون الأول 2023، خالفت صحيفة يديعوت أحرونوت هذه السياسة، ونشرت تقريرا صادما عن خسائر جيش الاحتلال في الحرب على غزة، وقالت فيه إن "عدد الجنود الجرحى بلغ نحو 5 آلاف، من بينهم ألفان على الأقل أصبحوا في عداد المعاقين"، لكن الصحيفة ما لبثت أن سحبت تقريرها، ونشرت أعدادا أقل من ذلك بكثير.
وفي اليوم ذاته، كشفت صحيفة "هآرتس" أن "ثمة فجوة كبيرة بين عدد الجنود الجرحى الذي يعلنه الجيش الإسرائيلي، وما تظهره سجلات المستشفيات"، مشيرة إلى أن "العدد الذي أعلن عنه الجيش خلال الحرب على غزة، هو 1600 جريح، بينما تظهر القوائم التي أعلنت عنها المستشفيات أنها استقبلت 4591 جريحا خلال الفترة نفسها".
وفي تأكيد لهذه المعلومات، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خسائر فادحة تفوق هذه الأرقام بكثير، وقالت إن المستشفيات تكتظ بالجرحى من العسكريين، وإن المقابر تستقبل أعدادا هائلة من الجثث.
طرق الإخفاء وأسباب التكتم
يعتمد جيش الاحتلال سياسة ضبابية في الإعلان عن خسائره البشرية في غزة، لذا نجد تفاوتا كبيرا لدى البيانات المتوفر عن خسائره، مما يؤدي إلى التشكيك في الأعداد، وهذه عدة طرق يتمكن خلالها من تحقيق هذا الهدف، أبرزها إخضاع الإعلانات عن أي قتلى أو عمليات المقاومة إلى مقص الرقابة العسكرية أو منع من النشر.
ويخدع الجيش الجمهور بقوله، إنه لا يتم الإبلاغ عن العدد إلا بعد إخبار عوائل القتلى، لأن الإعلان عن العدد لا يقتضي ذكر الأسماء، وتستثني قوائم القتلى التي تصدرها المؤسسة العسكرية شرائح عديدة من القتلى.
ويعرض جيش الاحتلال أموالا على عائلات بعض القتلى، خصوصا من اليهود الشرقيين والروس وبعض الدروز والبدو، مقابل التكتم على خسائرهم، فيما لا يعلن جيش الاحتلال عن القتلى من المرتزقة الذين يقاتلون في صفوفه.
ويخفي العدو "المجندون اللقطاء"، وعادة ما يتم الزج بهم في مقدمة القوات المقتحمة، وهم جنود إسرائيليون، لكن دون كشوف مدنية، وليس لهم سجل مدني مرتبط بعائلات، وهذا شائع في المجتمع الإسرائيلي، وهؤلاء لهم أسماء مثل ليفي وكـوهين وديفيد، لكن العدو لا يتعامل معهم إلا كأرقام، ويدفنهم في مدافن خاصة بهم، وفي العادة يتم الزج بهم في مقدمة الصفوف.
أسباب التكتم على القتلى
ويتكتّم جيش الاحتلال بصورة كبيرة على خسائره، وتحديدا البشرية، في المعارك الدائرة في قطاع غزة، لعدة أسباب، أهمها: الحفاظ على معنويات الجنود على خط المواجهة من الانهيار، وتخفيف وقع الصدمة على الجمهور الإسرائيلي، وعدم إثارة الرأي العام ضد القيادة السياسية والأمنية.
وتضع سلطات الاحتلال في أولوياتها، التحسب من توليد ضغط سياسي وشعبي لإنهاء الحرب، فيما تتكتم على عدد القتلى كجزء من الحرب النفسية التي يخوضها ضد المقاومة، فإن الإعلان الحقيقي عن أعداد القتلى، تأثيره إيجابي على الروح المعنوية والقتالية للمقاومين.
ويسعى الاحتلال الى المحافظة على السمعة التي بناها عن نفسه داخل "إسرائيل" وحول العالم المساند له، وعدم كسر للصورة النمطية عن "أحد أقوى جيوش العالم، بالإضافة الى ترسيخ الثقة إقليميا ودوليا بالأسلحة ومعدات الجيش التي تؤمن له الحماية، سواء الآليات أو البرامج التقنية.
ويعترف ببعض الخسائر الثقيلة، لأنه مضطر لذلك، لطبيعة القتلى من أبناء العائلات والضباط وغيرهم، ممن لا يمكن إخفاء حقيقة مقتلهم.
توثيق المقاومة الفلسطينية لكثير من عملياتها ضد جيش الاحتلال، وضعت مصداقيته أمام جمهوره على المحك، لذا لا بد من الإعلان ولو عن بعض الخسائر.
اما كشوف المستشفيات ومراكز الجرحى والتأهيل والطب النفسي والمقابر، فهي لا تستطيع أن تخفي أعداد ما يصلها من القتلى والجرحى، وأحيانا تكشف حالات سقوط قتلى في صفوف جيش الاحتلال من خلالهم.
وتلعب الاعترافات التي يقدمها الجنود عن مقتل زملاء لهم في المعارك، دوراً في الكشف عن تلك الاعداد التي تفضح سياسة التكتم التي يتبعها الاحتلال، بالإضافة الى بعض التحقيقات الميدانية، التي جعلت من الصعوبة إمكانية إخفاء أعدادهم.
وتدعي السلطات الإسرائيلية، أنها "الديمقراطية الوحيدة في غرب آسيا"، في الوقت الذي يفرض جيشها رقابة عسكرية مشددة على ما يُسمح لصحافتها بنشره فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي، بما في ذلك إصابات الجنود ووفياتهم.
حوادث كثيرة
ويقول حسن عبده، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، إن الخسائر البشرية التي تعلنها المؤسسة الأمنية عادة ما تكون ملزمة لمئات المؤسسات الإعلامية، وحصيلة القتلى تأتي دائماً من مصدر واحد، ولا أحد يشكك في ذلك".
ويعزو عبده ذلك إلى الحرص على الحفاظ على صورة "الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، ولا يقع ضحية خصم ضعيف"، إذ أن هذا "أحد الركائز الأساسية للمشروع الصهيوني القائم على ثلاثية الأمن والهجرة والاستيطان".
وحتى قبل اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول - أكتوبر، يُسجّل في الكيان الإسرائيلي، منحى غريب لموت الجنود في "حوادث" بالتزامن مع فترات تصاعد الصراع مع المقاومة الفلسطينية، بما فيها حوادث السير، وتحطم الطائرات، والانتحار، وتسرب الغاز، وحتى السقوط من الشرفات.
لكن هذه الصورة التي لا تقهر، تحطمت في 7 تشرين الأول - أكتوبر، عندما انطلقت حماس وجماعات المقاومة الفلسطينية الأخرى من قطاع غزة لمهاجمة القواعد العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات (الكيبوتسات) التي فرضت حصاراً وحشياً دام 17 عاماً على هذا الجيب الصغير والفقير.
خلال عملية طوفان الأقصى، قتلت حماس 41 جنديا من كتيبة غولاني التابعة للمقدم غرينبرغ وحدها، في معارك في قاعدتي رعيم ونحال عوز العسكريتين.
وتزعم "إسرائيل" أن حماس نفذت مذبحة في مهرجان نوفا الموسيقي، على بعد بضعة كيلومترات فقط من قاعدة رعيم. إلا أن الواقع أن معركة كبيرة وقعت هناك أيضاً. فقد قُتل في نوفا 58 شرطياً إسرائيلياً، من بينهم عناصر من وحدات النخبة القتالية لمكافحة الإرهاب التابعة لشرطة الحدود، المعروفة باسم "يمام"، والتي كانت أول من رد على الهجوم.
ووفقاً لتحقيق الشرطة الإسرائيلية في أحداث نوفا، فإنه "لو لم يكن هناك انتشار كبير للشرطة في ياد مردخاي، على بعد حوالي 30 كيلومتراً إلى الشمال، لكان المقاومين في طريقهم إلى تل أبيب في غضون 40 دقيقة".
وأصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى بالنسبة لإسرائيل، أن تخفي حجم خسائرها، سواء في المعركة ضد حماس في غزة، أو في الشمال في المعركة مع حزب الله، من أجل استعادة هالة القوة التي فقدتها في السابع من تشرين الأول - أكتوبر.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 9 كانون الأول - ديسمبر، أنه "في كل يوم، يستقبل قسم إعادة التأهيل حوالي 60 جريحًا"، وأن "الأعداد التراكمية منذ 7 تشرين الأول - أكتوبر فلكية: أكثر من 2000 جندي وشرطي ومن عناصر الأجهزة الأمنية تم الاعتراف رسمياً بأنهم أصيبوا بعاهات مستديمة".
وأوضحت ليمور لوريا، رئيسة قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع: "لم نمر قط بأي شيء مماثل، أكثر من 58 في المئة من الجرحى الذين نستقبلهم يعانون من إصابات خطيرة في الذراعين والساقين، بما في ذلك تلك التي تتطلب عمليات بتر، حوالي 12 في المئة عبارة عن إصابات داخلية - الطحال والكلى وتمزق الأعضاء الداخلية، وهناك أيضًا إصابات في الرأس والعين".
وأشارت الصحيفة إلى أنه إضافة إلى آلاف الإصابات الجسدية المروعة، تواجه إسرائيل أيضا "تسونامي من الاصابات بالصدمات النفسية". وأضافت لوريا: "جلست مع مقاتل أصيب بثلاث رصاصات. كان شخصًا ممزقًا جسديًا، وأصيب بجروح خطيرة للغاية، لكن صراعه الرئيسي هو مع المشاهد التي رآها".
وروى أحد الجنود، ويدعى إليشا مادان، أمام حشد من الناس كيف قُتل زملاؤه الجنود أمام عينيه. «عدت من الموت وحدي. مات كل عناصر مجموعتي وكنت على حافة الموت. نجوت بفضل صلواتكم"، قال مادان وهو جالس على كرسيه المتحرك.
تعديل حصيلة قتلى
وعدلت السلطات الإسرائيلية، في 11 تشرين الثاني 2023، حصيلة القتلى على أراضيها جراء الهجوم الذي شنته حماس في السابع من 7 أكتوبر.
وقالت السلطات الإسرائيلية، انها "خفضت عدد القتلى من 1400 الى 1200"، وفق ما أفاد متحدث باسم وزارة الخارجية، فيما تأتي هذه المعطيات وسط اتهامات للدولة العبرية بإخفاء حقيقة عدد قتلاها الحقيقيين في العملية البرية، وقال المتحدث ليور هايات إن "الحصيلة الجديدة هي تقدير محدّث".
وكانت السلطات الإسرائيلية، قد أعلنت في السابق مقتل 1400 شخص جراء الهجوم الذي نفّذه مقاتلو المقاومة الفلسطينية، على جنوب الأراضي المحتلة، انطلاقا من قطاع غزة، معظمهم قضوا في اليوم الأول للهجوم غير المسبوق منذ إقامة كيان "إسرائيل" في العام 1948.
لكن في بيان صدر لاحقاً، ولم يكن على علاقة مباشرة بالهجوم، قال هايات في معرض انتقاده منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، إن حماس قتلت "نحو 1200 شخص".
وكانت مصادر من الدولة العبرية تحدثت عن تمكن مقاتلي حماس من أسر 240 رهينة رغم ان معطيات تشير الى ان العدد أكبر من ذلك.