انسداد سياسي أم أزمة سياسية؟
هل ما يحصل الآن "إنسداد سياسي" أم "أزمة السياسية"؟ عن مدى خطورة الأحداث في ضل الوضع السياسي الراهن بين نتائج الإنتخابات و تشكيل الحكومة القادمة، وضرورة وضع الحلول اللّازمة لحل الأزمة كتب ضياء المحسن مقالاً بعنوان (انسداد سياسي أم أزمة سياسية؟)
ضياء المحسن
في عالم السياسة لا يمكن أن تجد شيئاً ثابتاً، كل المواقف متحركة خاصة عندما تتعلق بمصلحة القواعد الجماهيرية لهذا الحزب أو ذاك، كون قيادات الحزب تأخذ بنظر الاعتبار مصالح جماهيرها، من خلال مجسات تعمل على أخذ آراء المواطنين باستطلاعات تجريها وحدات داخل الأحزاب، إلا في العراق فإنك لا تجد هكذا شيء، فالمواقف تؤخذ بناءً على رأي رئيس الحزب ووجهة نظره؛ حتى وإن كانت لا تتماشى مع تطلعات الجماهير عموماً وجمهور الحزب خاصة.
مفردة (الانسداد) التي يتم تداولها جراء الأزمة السياسية الحالية بين الكتل السياسية، لا تعبر عن واقع الحال الذي نعيشه. تعني مفردة (انسداد) لغويا انغلاق مجرى أو انسداد طريق، وقد يتسبب انسداد الشريان التاجي في توقف قلب الإنسان ووفاته، وهذا لا ينطبق على السياسة.
المنظومة السياسية في العراق مع مرور أكثر من 19 عاما على التغيير لا تزال تعيش تحت طائلة التفكير المعارض للسلطة بما يمنعها من التعايش مع فكرة استلامها للسلطة، لذلك نجد الكثير من تصرفاتها وقراراتها انفعالية غير مدروسة بناءً على قراءات للواقع العام والتغيرات السياسية الإقليمية والدولية التي ترافق الأحداث الداخلية.
اللاعبون الدوليين الكبار (روسيا وأمريكا ودول الناتو) هم اليوم أعداء بالعلن بعد أن كانت تلك العداوة لا تظهر الى السطح، وقد تذهب العداوة الى كسر العظم بينهم، خاصة مع تعرض مصالحهم الاقتصادية للضرر الكبير الذي قد لا تستطيع معالجته بسهولة، لأنه يحتاج الى عملية تداخل جراحي مركبة، هذه العملية الجراحية يمكن أن تؤدي الى التخلي عن بعض الأعضاء لعدم الاستفادة منها.
وفي ظل هذا الوضع الدولي المتشنج بين روسيا من جهة وأمريكا والناتو من جهة أخرى، تسعى أمريكا وحلفاؤها لدعم بعض الأطراف السياسية العراقية بهدف الذهاب إلى حرب بين الإخوة، وهي حرب إن حصلت فإن النار لن تستثني أحداً، بل أن الضرر سيبلغ أقصى مداه ليطال الأطراف التي سعت لبث الفرقة بين الإخوة.
مما تقدم نجد ضرورة أن تعي الأطراف السياسية خطورة الأحداث وضرورة أن يتم حل الأزمة السياسية وليس (الانسداد السياسي) داخل الإطار الوطني، وأن تؤخذ بنظر الاعتبار مصالح البلد العليا في المرتبة الأولى، لأن التشنج في العمل السياسي والسعي لإقصاء كتل سياسية بعينها هو أمر ليس في مصلحة أي كتلة سياسية، لأن الجميع يعلم أن الكتل السياسية التي يراد إقصاؤها وتهميشها في العملية السياسية التي نشهد أزمتها المتصاعدة تملك ثقلا سياسيا وجماهيريا يمنحها الحق في المشاركة بالقرار السياسي.
لقد نجحت الكتل السياسية التي حاول البعض تهميشها في توضيح رؤيتها مما يجري على الساحة السياسية، وما نراه اليوم من تقارب كبير بينها وبين الكتل الأخرى هو دليل على أهمية دورها في العملية السياسية، ولا نجد ضيراً في أن نقول للآخرين بأن السياسة هي فن الممكن وأن الممكنات كثيرة بين جميع الأطراف، وان الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، طالما أن الجميع يبحث عن مصلحة المواطن وهي المقدمة على جميع المصالح الأخرى.