بداية الهجرة العكسية للعراقيين
يمكن تصنيف تواجد العراقيين في الخارج على نوعين، الأول هم المهاجرون الذين قرروا الاستيطان نهائياً في دول أخرى، وهؤلاء ليست لديهم رغبة بالعودة، والثانية هم المغتربون الذين يترقبون استتباب الأوضاع في الداخل العراقي للعودة
كتب / سلام عادل
لا توجد إحصائية شاملة ودقيقة للعراقيين في المهجر، على الرغم من كون غالبيتهم يحملون جنسية مزدوجة، إلا أن قاعدة البيانات مازالت فقيرة وتفتقد لرقم معين يمكن اعتماده كحصيلة نهائية، ولكن مع ذلك تذهب أغلب التوقعات إلى تقدير نسبي، ربما يحدد بموجبه عدد من هاجر إلى خارج البلاد بنحو خمسة ملايين، يقيمون في مختلف الدول ابتداءً من سنوات السبعينيات ولاحقاً، على خلفية مواسم سياسية واقتصادية متقلبة فرضت على العوائل والأفراد الهجرة وطلب اللجوء.
ويمكن تصنيف تواجد العراقيين في الخارج على نوعين، الأول هم المهاجرون الذين قرروا الاستيطان نهائياً في دول أخرى، وهؤلاء ليست لديهم رغبة بالعودة، والثانية هم المغتربون الذين يترقبون استتباب الأوضاع في الداخل العراقي للعودة، حتى ولو بالحد المعقول من الأمن والخدمات والظروف الاقتصادية التي تتيح المستوى المعقول من العيش الحضري، مع كون غالبيتهم من مزدوجي الجنسية إلا أنهم يتعاملون مع الجنسية المكتسبة بكونها مجرد جواز سفر يتيح لهم التنقل بين الدول بسهولة.
وكانت الهجرة إلى الخارج تُعد بمثابة حلم بالنسبة للعراقيين، إلا أن ظروف دول المهجر، وخصوصاً الأوروبية، صارت في الأونة الأخيرة عبارة عن بيئات طاردة للمهاجرين، وتحديداً بعد شيوع ظاهرة التيارات الراديكالية المتطرفة، والمتمثلة بقوى اليمين، وهي في الغالب حركات سياسية معارضة للوجود الأجنبي وتعدد الثقافات والأعراق والأديان، وأخذت في السنوات الأخيرة تجتاح السباقات الانتخابية بنحو متزايد، ما جعلها تتولى مقاليد السلطة في أكثر من بلد.
وعلى خلفية السياسات النيوليبرالية المفرطة، فيما يتعلق بالاقتصاد تحديداً، والتي انتعشت في ظلها الرأسمالية حتى باتت تتحرك بلا حدود وضوابط، وهو مسار أناني جعل البنوك الكبرى والشركات تبتلع جميع أشكال المكتسبات التي ناضلت من أجلها الشعوب، والمتمثلة بالدور الأبوي للدولة الذي يتيح للشرائح والطبقات الفقيرة الحصول ضمانات اجتماعية وطبية ومساعدات بمختلف العناوين، كان بموجبه يوجد حظور فاعل للعدالة قبل أن تسود الأنانية كما هو حاصل الآن.
ولعل الظروف الاقتصادية والسياسية ليست لوحدها باتت ضاغطاً على العراقيين المغتربين، لكون المخاوف الاجتماعية المتزايدة جراء شيوع (الشذوذ) بأشكاله المختلفة صار هو الآخر كابوساً يهدد العوائل، ومن هنا يُتوقع أن يشهد العراق هجرة معاكسة لمواطنيه الذين غادروا في السابق، وما يشجع على هذه العودة ظروف المعيشة التي أصبحت تتحسن يوماً بعد آخر في عموم المحافظات، مما يفرض على الحكومة أن تضع بالاعتبار عودة مواطنيها من الشتات وما تتطلبه هذه العودة من دعم ومساندة.