عن السياسي الذي تاجر بالثقافة العراقية نصف قرن
بحسب مذكرات من شهد حقبة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، أن فخري كريم قام بإنشاء إمبراطورية خاصة به من أموال خزينة الحزب الشيوعي، ثم عمل على توسعتها في العراقي الجديد من خلال نسج علاقات ممتدة بين حكومة المركز وحكومة الاقليم.
كتب / سلام عادل
يروي المثقفون العراقيون، الذين عاصروا السبعينيات منهم تحديدا، الكثير من المفارقات السياسية التي كان أبطالها شخوص مازال بعضهم على قيد الحياة، من بينهم (فخري كريم)، باعتباره كان يعمل في مكتب مجاور لمكتب صدام حسين داخل القصر الجمهوري، لكونه كان يمثل الشيوعيين في جبهة سياسية مع البعثيين آنذاك، جرى بموجبها حكم البلاد وتقاسم سلطاته وقراراتها، وحتى ثروته النفطية، بين الحزبين الشموليين اللذين لا يؤمنان بالديمقراطية.
وبحسب مذكرات من شهد حقبة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، أن فخري كريم قام بإنشاء إمبراطورية خاصة به من أموال خزينة الحزب الشيوعي، ثم عمل على توسعتها في العراقي الجديد من خلال نسج علاقات ممتدة بين حكومة المركز وحكومة الاقليم، بما فيها استغلال وظيفته الرفيعة بصفة كبير مستشاري رئيس الجمهورية، وهي الدرجة التي حصل عليها خلال فترة الرئيس الراحل جلال الطالباني، مع كونه لم يُكمل تعليمه الابتدائي.
ولهذا يبدو فخري كريم ملتصقاً على الدوام بالقصور الرئاسية، بما فيها قصور العواصم الاقليمية التي عاش فيها، مثل دمشق وبيروت، ومن خلالهما اتسعت دائرة أعماله ليتحول إلى ناشر وصاحب دار كتب، ومن بعد صارت لديه مؤسسة باسم المدى للثقافة والإعلام والفنون، وهي الواجهة التي سمحت له بإدارة نشاطات ومقاولات، والاستحواذ على عقارات بحجة الاستثمار، من بينها مبانٍ مملوكة للدولة، مثلما حصل حين استولى على مكتب الخطوط الجوية العراقية في القاهرة ليحوله إلى فرع للمدى هناك.
ومن ضمن أعمال فخري كريم في العراق الجديدة، المتاجرة بالوثائق لغرض الابتزاز، وهي دجاجة تبيض ذهباً وقعت بين يديه عقب سقوط النظام مباشرة، وذلك حين استحوذ على وثائق مهمة مرتبطة بكوبونات النفط، التي كان صدام حسين يمنحها لشريحة المثقفين والإعلاميين العرب المتعاونين معه، وكان (مصطفى كاظمي) أداة فخري كريم في الحصول على هذا النوع من الوثائق من داخل مؤسسة الذاكرة التي أسسها الأمريكان.
ولعل هذا النوع من الابتزاز يكشف سر التخادم المستمر منذ 20 سنة بين (كاظمي) وفخري كريم، وهو مدخل لكشف السمسرة الثقافية التي دعمت مواسم الفوضى والعبث السياسي، التي شهدتها البلاد على شكل تظاهرات واحتجاجات، ابتداءً من شباط 2011 وحتى تموز 2016 ووصولاً إلى تشرين 2019، وهي محطات كان فخري كريم يلعب فيها بالخفاء دور المحرّض ودور المفوض حتى يصل إلى دور البائع للمواقف والقضايا.
وباختصار .. لا يمكن حصر سيرة فخري كريم بهذه المقالة، في ظل الحصيلة الكبيرة التي تركها المثقفون العراقيون، والكثير منهم ضحايا فخري كريم، وليس آخرها محاولة الاغتيال المفبركة التي ادعى أنه تعرض لها في بغداد على خلفية الفشل التجاري، وهي مقدمة للعب على صراعات بغداد - أربيل، وهي اكثر الأدوار التي يجيدها فخري كريم، من دون أي اكتراث بما تتركه من نتائج على المستوى الوطني، فهو في المحصلة النهائية (سياسي) يتاجر بالثقافة العراقية منذ نصف قرن.
#شبكة_انفو_بلس