قمة الدوحة : البيان الذي يجب أن يُكتب بدماء غزة لا بحبر المكاتب
مرة أخرى، يجتمع العرب والمسلمون على طاولة قمة طارئة، ومرة أخرى، يتكرر السؤال: هل سنخرج ببيان يعكس حجم المأساة، أم نكتفي ببلاغة إنشائية تذروها الرياح؟
كتب / سلام عادل
مشهد مختلف، ولو ظاهرياً، وهو ما يميّز قمة الدوحة هذه المرة، ليس فقط توقيتها المتزامن مع أشد الهجمات الإسرائيلية وحشيةً على غزة، بل أيضًا تركيبتها. فإلى جانب الدول العربية والإسلامية، ستحضر إيران والعراق، وهما بلدان يتحدثان بلغة صريحة: دعم المقاومة، ورفض أي مساومة مع حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهذه الصراحة تصطدم بروايات دول التطبيع، التي وعدت شعوبها بأن “السلام” مع إسرائيل سيحمي المنطقة، فإذا بالدمار يكشف زيف تلك الوعود.
وبالتالي، هل يمكن أن نقول؛ إن وهم التطبيع قد سقط ؟ وذلك بعد سنوات من المعاهدات والاتفاقات، من كامب ديفيد إلى أبراهام، والتي لم تمنع إسرائيل من أن تكون أكثر شراسة وعدواناً تحت حكم نتنياهو، الذي يترأس حكومة يمينية متطرفة، لم تحترم حتى الحد الأدنى من التزامات “السلام”، بل تعاملت مع التطبيع كـ”شيك على بياض” لمزيد من الاستيطان والقمع، وهذه الحقيقة وحدها تكفي لأن يكون البيان الختامي لقمة الدوحة مختلفًا، لا مجرد نسخة أخرى من بيانات الشجب.
ولهذا إذا أرادت القمة أن تحترم دماء الأطفال تحت الركام في غزة، فعليها أن تكتب بيانها بلغة أفعال لا وعود:
1. إدانة صريحة للعدوان الإسرائيلي، ووصفه بجرائم حرب تستوجب الملاحقة أمام المحاكم الدولية.
2. إعلان فشل مشروع التطبيع، وربط أي علاقة مستقبلية مع إسرائيل بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان.
3. تأسيس صندوق عاجل لإغاثة غزة، بموارد مالية مفتوحة، لا مجرد تعهدات مؤجلة.
4. تشكيل آلية ضغط سياسية واقتصادية، تشمل تنسيق المواقف في الأمم المتحدة، ودراسة خيارات المقاطعة الرياضية والثقافية والاقتصادية.
5. إعادة الاعتبار لخيار المقاومة كجزء من منظومة الردع، بدل الاكتفاء بتجريمها في خطابات رسمية لا تخدم سوى إسرائيل.
ومن هنا يمكن أن تنتقل هذه القمة من الكلام إلى الفعل، وهو اختبار للنخب الحاكمة: هل ستظل أسيرة لعبة البيانات الدبلوماسية، التي لا تغير شيئًا؟ أم ستتجرأ على اتخاذ خطوات عملية تجعل إسرائيل تدرك أن للعرب والمسلمين كلمة نافذة؟
إن الشعوب لم تعد تصدق لغة “القلق” و”الدعوة إلى التهدئة”، الشعوب تريد أن ترى أثرًا ملموسًا: سفيراً يُستدعى، اتفاقية تُجمَّد، أو مقاطعة تُعلن، وهذا ما يجعل من قمة الدوحة فرصة لا تُعوَّض.
وفي كلمة أخيرة: إذا خرجت القمة ببيان ضعيف آخر، فإنها ستضيف صفحة جديدة إلى أرشيف الخيبة، أما إذا التقطت اللحظة التاريخية، وأعلنت موقفاً جريئا يجمع بين الدبلوماسية النشطة والردع العملي، فستكون بحق نقطة تحول.
القضية الفلسطينية اليوم لم تعد اختباراً لمصداقية العرب وحدهم، بل لاختبار معنى الانتماء الإسلامي والإنساني، والدوحة أمام خيار تاريخي: إما أن تُكتب قمتها بمدادٍ من قوة، أو تُنسى كما نُسيت عشرات القمم قبلها، وهو ما يتطلب كتابة بيان بلُغة المقاومة وليس بلُغة التطبيع، بيان يُكتب بدماء غزة، أو لا داعي لهذه القمة.
#شبكة_انفو_بلس