(نواب العراق) .. نحو (بيضة قبان) سياسية جديدة
تُعد مشاركة نواب من كافة المكونات الاجتماعية في جلسة السبت، كسْراً لقاعدة التخندقات الطائفية السياسية، وخروجاً على ما يُعرف بمركزية (زعماء الكتل)، ويتمثل ذلك بمشاركة نواب اثنين من المكون المسيحي، فضلاً عن نواب اثنين من المكون السني، إلى جانب نواب التيار.
كتب / سلام عادل
ثبّـت قرابة 82 نائباً عراقياً، موقفاً في جلسة البرلمان التي عُقدت يوم أمس السبت 10/ شباط 2024، والتي خُصصت لتداول تداعيات العدوان الأمريكي المتواصل على الأراضي العراقية، انتهت بالتوصية على تشريع قانون يقضي دون السماح لأي قوات عسكرية أجنبية بالبقاء داخل العراق، وكان من بين هؤلاء النواب رئيس البرلمان بالنيابة محسن المندلاوي، وبتأييد النائب سالم العيساوي الذي يعتبر المرشح الأكثر حظوظاً لتولي رئاسة الدورة الحالية حتى نهايتها، إلى جانب نواب مستقلين، وآخرين ينتمون إلى كتل سياسية صغيرة متعددة وأحزاب ناشئة.
وتُعد مشاركة نواب من كافة المكونات الاجتماعية في جلسة السبت، كسْراً لقاعدة التخندقات الطائفية السياسية، وخروجاً على ما يُعرف بمركزية (زعماء الكتل)، ويتمثل ذلك بمشاركة نواب اثنين من المكون المسيحي، فضلاً عن نواب اثنين من المكون السني، إلى جانب نواب التيار الإسلامي الكردستاني، وهي تُعد مؤشرات على إمكانية تشكيل ائتلاف عابر للكانتونات المعتادة، بل والذهاب أبعد من ذلك نحو ائتلاف يلعب دور (بيضة القبان)، وهو مشهد يقترب من دور الكتلة الصدرية التي لطالما اتخذت لنفسها زاوية خاصة داخل المربع السياسي، الأمر الذي كان دائما ما يجعلها مؤثرة للغاية.
وتبدو قوى (الإطار التنسيقي)، التي تُعد الطرف الأكبر في ائتلاف إدارة الدولة، ملتزمة بالنسق السياسي الذي سارت عليه البلاد بحسب التأسيسات الأمريكية، فيما صارت الحاجة ملحّة لبلورة مسار سياسي معارض بهدف تغيير اتجاهات السياسة العراقية، وفق بوصلة تتجه شرقاً بعد أن ثبت فشل الاتجاه غرباً على مدار 20 سنة الماضية، والذي كانت فيها البلاد ولازالت تتخبط في تقدير الأولويات ورسم سياسات خارجية واقتصادية وأمنية مفيدة، وحتى تتناسب مع الواقع الجيوسياسي المؤثر الذي يتميز به العراق، باعتباره دولة تتربع في قلب الشرق الأوسط على مفترق طرق ترتبط قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، يُضاف لها تعدد الموارد البشرية والطبيعية.
وفي العادة تتشكل الائتلافات والتحالفات السياسية على هدف، أو فكرة ونقطة جامعة تكون سبباً للتوافق، مثلما حصل مع بداية الفصل التشريعي، حين تكوّنت نواة لمجموعة نيابية تركت أثراً فاعلاً في عملية مناقشة وتدقيق الموازنة الاتحادية للسنوات الثلاث القادمة، وهي المجموعة التي صار يُطلق عليها في وسائل الإعلام بـ(فرسان اللجنة المالية)، وهم سبعة أعضاء، وتم فيما بعد البناء على هذا المجموعة لتكوين جهد ضاغط لعب دوراً في عرقلة جلسة انتخاب (شعلان الكريم) كبديل للحلبوسي.
ولعل من الملاحظ بوضوح أن الاعتزال السياسي الصدري ترك مساحات فراغ هائلة جعلت العمل السياسي يقتصر على لون واحد، على الرغم من تعدد عناوين المساهمين فيها، سواء بعناوينهم الطائفية او الاجتماعية، لكونها في المحصلة تتحرك جميعها في حدود البراغماتية الأمريكية، والتي تستهدف تحقيق مصالح ضيقة تصب في صالح بعض الفئات وليس المجتمع بشكل عام، وهو ما صار يقود إلى اتساع حجم المقاطعة الانتخابية دورة بعد أخرى، وصارت السلطة بسببه تعيش عزلة وسط محيطها الشعبي الرافض والمنزعج والناقم.
ومن هنا تحولت عملية تسويف إخراج القوات الأمريكية والناتو، بعد أن قررت الكتل الكبيرة مقاطعة جلسة يوم السبت 10/ شباط، إلى حافز لتشكيل ائتلاف جديد، وقد بدأت خطوات هذا الائتلاف بالتشكل فعلياً من خلال تجمع (نواب العراق)، الذي سيظهر للعلن قريباً على شكل تكتل نيابي، وقد يعتبر بمثابة حجر الأساس لبناء (ائتلاف المحور)، والذي ربما سيكون خيار الناخبين في الانتخابات القادمة، وبعد أن تصل هذه الدورة وحكومتها إلى النهاية بيدَين فارغتَين ليس فيهما غير وعود لم يتحقق منها شيء، وبمزيد من الخيبات على رأسها بقاء القوات الأمريكية والناتو تسرح وتمرح في طول البلاد وعرضها.
وفي الختام .. لا ينبغي التغافل وتغطية الرأس عن سماع تحذيرات مبكرة جاءت على لسان بعض النواب، من كون أي جلسة ستُعقد بهدف تعديل الموازنة سوف لن تُمرَّر، ومن كون انتخاب أي رئيس جديد للبرلمان سوف لن يمر من دون موافقة نواب (بيضة القبان).