آلام وانتقام
ما لا تعرفه حبيبة أيضاً أنها تقف اليوم لجمع المواقف التي ستغدو الذكريات للغد. ستكبر.. وسوف تقلّب الصور المؤرشفة في عقلها فتعوّض ما لم يظهر عليها من الغضب المستحَق عندما كانت صغيرة هنا.
الآلام ستجعل (حبيبة) اليوم (دلال) الغد،
تقف الطفلة حبيبة بحال مزرية قبالة جثة في إحدى مستشفيات غزة، غير مدركة تماماً كل الذي يجري حولها ولذلك لا يبدو عليها الكثير من الاكتراث النابع من الوعي عادة.
ما لا تعرفه حبيبة أيضاً أنها تقف اليوم لجمع المواقف التي ستغدو الذكريات للغد.
ستكبر.. وسوف تقلّب الصور المؤرشفة في عقلها فتعوّض ما لم يظهر عليها من الغضب المستحَق عندما كانت صغيرة هنا.
هذه الصور ذاتها جمعها الأطفال أيام الألم الفلسطيني أيام النكبة ثم النكسة وهي التي صنعت الأساطير لاحقاً. ولو بحثنا في تاريخ النضال الفلسطيني لوجدنا رموزه هم أبناء القهر الذين كانت طفولتهم صراخاً وجوعاً وخوفاً وتشريداً وإذلالاً وفواجع برؤية الأب والأم والإخوة مجزّرين.
ودونك (دلال المغربي) ابنة يافا التي ولدت في مخيم صبرا بلبنان. فتحت عينيها وأذنيها على مشاهد وحكايات الأسى والتعاسة والحسرة والكدر واللوعة.
عاشت دلال الظلم والقصف والإرغام والخذلان فكانت تنمو فيها روح الفدائية التي دفعتها نحو معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية حين بلغت أوج نشاطها في السبعينيات.
دلال الممرضة اختيرت لتقود مجموعة الثأر لثلاثة قادة اغتيلوا في بيروت ومعها ثمانية فدائيين آخرين، فاقترن اسم الفدائية الشابة التي لم تبلغ يومها عشرين ربيعاً من العمر بعملية (الشهيد كمال عدوان) التي أسفرت عن تحييد سبعة وثلاثين إسرائيلياً كانت حصة دلال وحدها ثمانية منهم قبل أن يرتقي أفراد المجموعة التسعة شهداء وكان ذلك عام 1978.
تأثير الأحداث على الإنسان لا يتغير بتقادم الزمن. تماماً كتأثير العناصر والمركبات في الكيمياء ثابت في نظريات لا تتغير.
فهذا الإجرام الذي يبطش جماعات جماعات بالآمنين اليوم إنما يعدّ الناجين ليكونوا كواسر تنتقم بشراسة غداً
غداً عندما تصير كل حبيبة دلال..