ألف عام من عمر الحوزة العلمية في النجف الأشرف

وُلد الدكتور الجبوري في مدينة الكوفة المشرفة في عام 1949، وقد نشأ فيها وترعرع، وأتمّ تحصيله الأولي عند الكتاتيب المنتشرة آنذاك، وبالتحديد عند مسلم بن الشيخ محمد الدجيلي
مُنجز شيعي آخر يُضاف إلى المكتبة الإسلامية، بخمسة وسبعين مجلداً، تُزيح حوزة النجف الأشرف الستار عن (موسوعة وثائق الحوزة العلمية في النجف الأشرف)، لمؤلفها الباحث والمؤرخ الدكتور كامل سلمان الجبوري دامت توفيقاته.
وُلد الدكتور الجبوري في مدينة الكوفة المشرفة في عام 1949، وقد نشأ فيها وترعرع، وأتمّ تحصيله الأولي عند الكتاتيب المنتشرة آنذاك، وبالتحديد عند مسلم بن الشيخ محمد الدجيلي، وحسن الحاج عبد، فتعلّم القراءة ورسم الخط القرآني، ثم أكمل المرحلتين الابتدائية والمتوسطة فيها وتخرج من المركز المهني للهندسة عام 1971 في بغداد.
وبرغبة واندفاع شديدَين وبالقدر الذي أسس له قدراته الكتابية فيما بعد والتي أثمرت عن إنتاج العشرات من الكتب والمؤلفات تاركةً لمسات واضحة جليّة في المكتبة العربية، لا بل أضحت تلكُم المؤلفات مرحّباً بها وموثوقة من لدُن الباحثين وطلاب الدراسات العليا في مجال الأدب والتأريخ والتراث والأنساب وغيرها. من جمع تراثهم الشعري الشعبي القديم والحديث بمؤلف من (15) مجلداً.
لقد بدأ الجبوري الكتابة والنشر مبكراً بعد أن جرّب ذلك في النشرات المدرسية، ففي السادسة عشر من عمره كتب محاولته الأولى عام 1962 فنشر كتيباً صغيراً تحت عنوان (صوموا تصحّوا)، وأخذ ينشر المقالات في مجلة التضامن الإسلامي التي كانت تصدر في الناصرية، فكان أول موضوع نشره فيها هو العلم والإيمان عام 1965.
ثم ارتقى بكتاباته وتوسع مدى النشر مع بداية سبعينيات القرن الماضي لتشمل معظم الصحف العراقية حينذاك (العدل النجفية، المجتمع الكربلائية) إلى جانب المجلات (آفاق عربية) وغيرها الكثير.
بعد إنهائه الدراسة المتوسطة في الكوفة عام 1969 التحق بمركز التدريب العسكري في بغداد الذي منحه شهادة (دبلوم هندسة عامة) المُعادِلة للشهادة الإعدادية.
وبعد تخرجه من هذا المركز أخذ يمارس عمله في بغداد نهاراً ليلتحق بثانوية الزوراء المسائية (الفرع الأدبي) ومن ثم الحصول على شهادة (الإعدادية) البكالوريا.
ولقد نشط الجبوري في تلك الفترة بعد أن تحسّن وضعه الاقتصادي واستطاع طباعة مجموعة من مؤلفاته وبعض الكتب المحققة.
ولعل أبرز تلك المؤلفات هو كتاب تأريخ الكوفة الحديث، (وصفحات من ثورة العشرين، وكتاب عن مساجد الكوفة)، ثم قدّم كتاب (قلائد الذهب في معرفة أنساب العرب) وعلّق عليه، وكتاب عن الإمام علي (ع) وغيرها.
وفي هذه الأثناء بدأ نشاطاً واضحاً متميزاً في جمع كل ما استطاع جمعه من كتابات تخص ثورة العشرين من خلال تجواله المُضني في مناطق الفرات الأوسط ومدنها وقراها لتسجيل أحاديث مع مَن بقي حياً من ثوارها وأولادهم وأحفادهم فاستطاع توثيق أهم الأحداث التي خُفيت على الكثير من المؤرخين الذين سبقوه في هذا المجال. ثم سعى لجمع مجموعة من الأسلحة التي كان يستعملها الثوار في حربهم مع الإنكليز وما غنموه من المحتل. كما استطاع الحصول على كم هائل من الوثائق والمخطوطات والمراسلات والآثار الأخرى التي كانت مهددة بالضياع أو التلف.
وفي الفترة التي أمضاها في إدارة المتحف كان يقطع الطريق الى بغداد يوميأ بعد انتهاء دوامه في المتحف إذ التحق بالجامعة المستنصرية / كلية الآداب الفرع المسائي، وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ عام 1984. وفي هذه الكلية توفرت له فرصة التتلمذ على أيدي كبار أساتذة التاريخ منهم رشيد عبد الله الجميلي ومحمد مظفر الأدهمي وعبد الكريم إبراهيم الأمين وفوزي رشيد وآخرين، مما شجعه على متابعة دراسة الكتب التأريخية التي تهتم بتفاصيل أحداث ثورة العشرين ضد الإحتلال البريطاني.
اقتصر نشاطه في هذه الفترة على كتابة المذكرات والسير الذاتية لشخصيات عراقية مهمة مثل (السيد حسين كمال الدين، السيد سعد صالح إجريو، السيد كاطع العوادي، السيد محمد علي كمال الدين، الشيخ محمد رضا الشبيبي) وكتب أيضاً مذكرات الكابتن مان الحاكم السياسي لمنطقة الشامية.
وكتب أيضاً السير الذاتية لبعض المراجع الدينية منهم السيد أبو الحسن الأصفهاني 3مجلدات، ومحمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والعلامة الشيخ موسى العصامي.
ثم قام بتحقيق نوادر الكتب، هاجر إلى لبنان واستقر فيها إذ أسس مؤسسة المواهب للطباعة والنشر عام 1999، ومن ثم أكمل دراسة الماجستير في الجامعة الإسلامية في بيروت في عام 2005 عاد الى بيروت والتحق بكلية التاريخ والاستشراق في جامعة الحضارة الإسلامية ببيروت فنال الماجستير بدرجة امتياز في التاريخ الوثائقي عن رسالته الموسومة (النجف الأشرف والثورة العراقية الكبرى). ولقد أثار الجبوري اهتمام أساتذته الذين شجعوه وشدوا على يديه للتقدم والحصول على شهادة الدكتوراه لما قدّمه من وثائق وشهادات وصور فوتوغرافية وغيرها. وقد تم له ذلك إذ حصل على شهادة (دكتوراه دولة) وبدرجة امتياز أيضاً في موضوع التاريخ الوثائقي بأطروحته الموسومة (وثائق الثورة العراقية الكبرى ومقدماتها ونتائجها) شملت 819 وثيقة.
لقد كرّس الجبوري سنوات عمره المديدة في الدراسة والمتابعة، وبذل جهوداً كبيرة في جمع الكتب والمصادر والوثائق النادرة والتي ملأت كل الخزانات في غرفة مكتبته، وعندما امتلأت أرضية هذه الغرفة والمناضد فيها بالكتب والمصادر اضطر الى تخصيص الطابق العلوي من داره بكل غُرَفه وأروقته لحفظها بعد أن رتّبها وبوّبها.
واليوم يُطلُّ علينا بموسوعة فريدة من نوعها إذ وثّق للنجف الأشرف وحوزتها العلمية المباركة
الجبوري وخلال إزاحة الستار عن موسوعته التي ضمّت ألف عام من تاريخ هذه الحوزة ورجالاتها وبـ75 مجلداً، تراه ذلك العالم المتواضع المتفاني في خدمة العلم والمعرفة، رجل تفرّد بعلوم كثيرة وبرز في التراث وتحقيق المخطوطات حتى صار مرجعاً علمياً وسادناً لثراث المذهب.