الصراع السعودي الإماراتي عجّل بعودة القوات الأميركية إلى الخليج

أعلن المتحدث باسم الأسطول الخامس تيموثي هالكنز بتاريخ 8/8/2023 عن وصول قوات من 3000 جندي أميركي مع حاملتي طائرات للتواجد في البحر الأحمر والخليج العربي بشكل دائم. 

الولايات المتحدة قالت إن هذا التواجد لتعزيز الاستقرار وأمن الملاحة ضد التهديدات الإيرانية ولكن الهدف الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. فانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة أدى إلى تقارب بين دول المنطقة ونهاية الصراع الطائفي التقليدي بين دول الخليج وإيران. الأمر الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. 

من بين الأهداف غير المعلنة هو تحقيق رغبة السعودية بالحماية الأميركية الدائمة وكشرط أساسي لعودة العلاقات بين المملكة وواشنطن بعد أن مرت بفترة برود طويلة. 

هناك سبب آخر يتمثل بتفكك دول الخليج والتنافس بينها بسبب الفراغ الذي تركته واشنطن في سعي هذه الدول لتحصين نفسها في عالم متعدد الأقطاب يشهد صعود الصين وروسيا في العالم. 

هناك علامات لتراجع السعودية خلال الأسبوع الماضي عن الدعم الاستثنائي لروسيا من خلال استضافة أكثر من ثلاثين دولة بما فيها الرئيس الأوكراني (باستثناء روسيا) لمناقشة السلام ونهاية الحرب في أوكرانيا. رسالة غير مريحة لموسكو خصوصا وأن الصين والولايات المتحدة حاضرتان في القمة السعودية. 

المشكلة الأساسية هو خشية إسرائيل من تفاقم الصراع السعودي الإماراتي بعد حالة الفراغ الأميركي. فقد شهدت الفترة الماضية حالة من التنافس بين دول الخليج للتقارب مع طهران وعقد صفقات معها بغض النظر عن العقوبات الأميركية. 

إن نهاية الصراع في الخليج قضية لا تخدم المصالح الاميركية وتهدد اسرائيل وجوديا فلا أهمية للتطبيع في غياب العداء العربي لإيران. 

من أهم أجراس الإنذار  هي الصراع بين أهم حليفين للولايات المتحدة في المنطقة: السعودية والإمارات. 

كل منهما تسعى إلى قيادة المنطقة وكل منهما حققت نوعا من إعادة بناء الهوية الوطنية بعيدا عن الدين في حملة كبيرة كانت الغاية منها الاستعداد للنظام العالمي الجديد. 

السعودية تبعد نفسها عن الهوية الوهابية والانتماء العابر للحدود كالقومية والإسلام وتسمح للمرأة بقيادة السيارة والسفر دون محرم وكذلك تم تفكيك الشرطة الأخلاقية أو ما يسمى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" كذلك تم فتح دور السينما واستقبال الفرق الموسيقية ومعاقبة الأمراء من العائلة المالكة بتهم الفساد للحد من نفوذهم. كذلك زجّ رجال الدين الوهابيين في السجون إضافة الى تغيير مناهج التعليم لاستيعاب الهوية السعودية الجديدة عند أجيال المستقبل في مجتمع يشكل الشباب فيه 60% . السعودية تهتم بالمؤسسة العسكرية والتسليح والمناسبات الوطنية لتعزيز سلطة الدولة في هوية وطنية جديدة لها ملامح مختلفة عن التاريخ الوهابي. وفي الخارج تنطلق السعودية لشراء الأندية الرياضية والشركات السياحية والمحلات التجارية للتأثير في الرأي العام العالمي وتغيير الصورة النمطية للمملكة. الهدف توحيد البلاد بيد حكم استبدادي يتماشى مع الحقيقة المتمثلة بصعود نظام عالمي جديد تبدو ملامحه واضحة في كل القارات. 

الأمر نفسه قامت به الإمارات لتوحيد دولة تتشكل من سبع مشيخات تأسست حديثا لا هوية جامعة لها وتحتاج إعادة صياغة لهويتها بعيدا عن القبيلة والدين. 

الصراع الإماراتي السعودي يهدد بانهيار التنسيق الذي يخدم الولايات المتحدة ويؤدي في النهاية إلى خروج إيران من العزلة التي تفرضها أميركا بحجة الحماية والخطر الشيعي.

فما هو الصراع السعودي الإماراتي الذي يعتبر السبب الرئيسي لعودة الولايات المتحدة إلى المنطقة لغرض إعادة الصراع العربي الإيراني مرة أخرى تحت مظلة واحدة هي الخوف من إيران؟. 

في ديسمبر الماضي جمع الأمير محمد بن سلمان الصحفيين السعوديين وقال لهم إن الإمارات "طعنت السعودية في الظهر" و"سيرون ما سأفعل بهم". 

هناك تصدع في العلاقات بسبب التنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين الدولتين اللتين تسعيان إلى قيادة العالم العربي. في منطقة تشهد تراجع الدور الإميركي، فيتحول الصراع على القيادة الى عداء شخصي بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. 

أحد مستشاري الرئيس بايدن ذكر أن البلدين الطموحين واللاعبين الأساسيين في المنطقة لم يعد أحدهما يشعر بالارتياح تجاه الآخر ولم يعد بإمكانهما الاستمرار بالتعاون وأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة اندلاع صراع بين السعودية والإمارات. 

محمد بن زايد (63 عاما) ومحمد بن سلمان (37 عاما) لم يتحدثا إلى بعضهما البعض خلال الستة أشهر الأخيرة إلى درجة أن الخلاف انكشف للقاصي والداني. 

الإمارات ترى أن سياسة السعودية في زيادة أسعار النفط يؤدي الى تفكك منظمة أوبك التي تدير 40٪؜ من احتياج العالم للبترول وتقودها المملكة العربية السعودية. 

محمد بن سلمان بدأ يجبر الشركات العالمية على فتح مكاتبها الإقليمية الرئيسية في العاصمة السعودية الرياض أو أنه سيوقف التعاون معها وأول الشركات الخاضعة لهذا القرار كانت شركة آبل العملاقة، ابن سلمان يريد السعودية مركزا للشركات التكنولوجية وكذلك مركزا سياحيا، كما نرى الاتفاقات مع الصين لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة وازدياد عدد الدول التي تستطيع دخول السعودية بالفيزا الإلكترونية وتأسيس شركة طيران مدني لأسطول ضخم لمنافسة  "الاتحاد" الشركة الإماراتية. كل هذه الخطوات تهدد موقع  دبي المدينة الساحلية العالمية التي لن تكون مركزا للتجارة والسياحة العالمية في الشرق الأوسط إذا استمر ابن سلمان بمشروعه هذا. 

 اشترت السعودية نادي نبوكاسل  الانگليزي لكرة القدم عام 2021 وكذلك الاستثمار في النجوم الرياضية العالمية لمنافسة الإمارات التي اشترت نادي مانشستر ستي.

محمد بن سلمان يرى أن المملكة دولة كبيرة وهي عضو في مجموعة العشرين G20 ولا يمكن أن تقبل هيمنة دولة صغيرة عليها في موضوع اليمن وأسعار النفط، وقد ذكر ابن سلمان للصحافيين السعوديين أنه أرسل إلى الإمارات قائمة شروط إذا لم تلتزم بها فإنه سيحاصرها بعقوبات أقسى من تلك العقوبات على قطر سنة 2017.

منذ ديسمبر الماضي قامت السعودية بخطوات ملموسة منها اللجوء إلى الصين للتوسط في مصالحة مع إيران ودعوة الرئيس بشار الأسد للمشاركة في قمة الجامعة العربية التي انعقدت في جدة (القمة التي لم يحضرها محمد بن زايد طبعا)

محمد بن سلمان يقود الدبلوماسية العربية لإنهاء الحرب في السودان بينما الإمارات تقف خلف التمرد وتدعم الدعم السريع للانقلاب على الجيش. 

محمد بن زايد من جهته يرى أن السعودية تدخل مغامرة محفوفة المخاطر بالتحالف مع روسيا في سياستها النفطية ورفع الأسعار وعقد مصالحة مفاجئة مع إيران دون مشاورة الإمارات التي تهمّش دورها في المنطقة. 

لم يحضر محمد بن زايد  قمة الرياض على شرف الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارته التاريخية للسعودية وكذلك لم يحضر قمة الجامعة العربية في جدة لتطبيع العلاقات مع بشار الأسد.

الأمور ستزداد سوءا بين البلدين مع الوقت لأننا أمام دولتين واثقتين ومتأكدتين من نفوذهما السياسي. 

الخلاف قديم، فالملك فيصل لم يعترف بحدود الإمارات التي تأسست 1971 بعد انسحاب الانگليز. وعام 2009 الإمارات أفشلت مشروع السعودية بتأسيس البنك المركزي الخليجي الذي مركزه الرياض. 

تعاونت الإمارات مع السعودية في ملفات كثيرة مثل اليمن، وتمكين عبدالفتاح السيسي من الحكم المطلق بمصر وتسليح ليبيا لإحداث انقسام قوي شرق البلاد وحصار قطر بحجة علاقتها بإيران والإخوان المسلمين. كلا البلدين اليوم يحاولان الخروج من هذه الصراعات بسرعة وقد أفلتت الإمارات تاركة السعودية بمستنقع اليمن، الأمر الذي جعل ابن سلمان يتهم الإمارات بتوريطها. 

الإمارات خالفت اتفاق أوبك وبدأت بتصدير 4 ملايين برميل يوميا ثم 5 ملايين  الأمر الذي أثار حفيظة السعودية فحصّتها ثلاثة ملايين برميل فقط وأجبرتها على الامتثال مما سبّب خسارة بمئات المليارات من الدولارات للإمارات. الأخيرة أخبرت الولايات المتحدة بأنها جاهزة للانسحاب من منظمة أوبك لكن الولايات المتحدة رفضت الفكرة. 

 انتصارات أنصار الله الغيبية العجيبة في اليمن جعلت الإمارات تنسحب من القتال وتدعم الانفصاليين جنوب اليمن، ودعمت الانفصاليين لقتال الحكومة المدعومة من السعودية وإجبارها على توقيع اتفاقية تعطي الإمارات حق الاستثمار في الموانئ اليمنية، الأمر الذي رأته السعودية مدمراً لاستراتيجياتها. 

بالمقابل السعودية لديها طموح للالتفاف على مضيق هرمز ومد أنبوب بترول إلى حضرموت نحو سواحل المكلا على بحر العرب ولكن القوات الانفصالية التابعة للإمارات دمّرت هذا المشروع وطردت القائمين عليه. 

الدبلوماسيون السعوديون أخبروا الإيرانيين أنه إذا انسحبت السعودية من اليمن فسيأخذ أنصار الله الشمال وتأخذ الإمارات الجنوب بينما تخرج المملكة التي خسرت 8 مليارات دولار شهريًا في حرب استمرت لثماني سنوات صفر اليدين. الإيرانيون قالوا للسعوديين إن الحل الوحيد أمامكم هو التفاهم مع أنصار الله.

محمد بن سلمان ينتظر عقود الشركات العالمية تنتهي خلال عام أو عامين ولن يجدد لها إذا لم تترك الإمارات وتفتح مركزها الرئيسي في الرياض.

طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي قام بستِّ رحلات إلى السعودية محاولاً اللقاء بمحمد بن سلمان لإنقاذ الإمارات دون جدوى، فلجأ إلى واشنطن التي تدخلت لعقد لقاء بينه وبين ابن سلمان في 7/5/2023 ومع هذا لم يسفر اللقاء عن حل للمشكلة. 

الولايات المتحدة أدركت أن انسحابها سيؤدي إلى تآكل العقوبات على طهران وخروج إيران دولة عظمى في المنطقة وفي نفس الوقت يتفكك التحالف الاميركي الخليجي ضد إيران وتدبّ بينهم الصراعات المميتة. وهذا هو سبب عودة القوات الأميركية لخلق صراعات تخدم إسرائيل والمصالح الأميركية ولكنها لا تخدم الخليج ولا المنطقة.

#شبكة_انفو_بلس