جدلية الحماية بين العراق وأمريكا
لا يُتوقع قيام الإدارة الأمريكية بتوفير أي شيء للعراق يدعم ترسانته العسكرية الدفاعية، فضلاً عن الهجومية، وفي ذلك سلسلة شواهد لا تعد ولا تحصى، على رأسها طائرات (إف 16) المدلّلة
كتب / سلام عادل
لم تلتزم الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ببنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقّعة بين بغداد وواشنطن في عام 2008، مثلما التزمت الحكومات العراقية المتعاقبة بهذه الاتفاقية، والأمر لا يقتصر على التفاهمات الأمنية، بل حتى بقية القطاعات الأخرى، وربما تحولت هذه الاتفاقية إلى أشبه بورقة لشرعنة الهيمنة على الشأن العراقي في بعض الأحيان، نرى ذلك بوضوح في السياسة المالية والخارجية والعسكرية.
ولعل الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن يوماً مهتمة بحماية العراق مثلما إسرائيل، والدليل ما حصل حين كسرت واشنطن حدود العراق وتركته مرتعاً لمختلف أشكال الجماعات الإرهابية، بالتزامن مع قيامها لحظة الاحتلال في 2003 بحل وتفكيك المنظومة العسكرية العراقية بالكامل، وجميع أشكال المؤسسات الامنية، بما في ذلك فرق الدفاع المدني وشرطة المرور.
ويتضح ذلك أكثر بالفيتو الأمريكي، الذي يحول دون امتلاك العراق منظومة دفاع جوي قادرة على حماية سماء البلاد، وهو ما يطيح بكل الادعاءات الأمريكية، التي صاغها بريمر حين أسس الجيش العراقي الجديد تحت شرط (جيش دفاعي وليس هجوميا)، وذلك حين جرى منع امتلاك هذا الجيش قدرات الدفاع الأساسية منذ 21 سنة.
ولهذا لا يُتوقع قيام الادارة الامريكية بتوفير أي شيء للعراق يدعم ترسانته العسكرية الدفاعية، فضلاً عن الهجومية، وفي ذلك سلسلة شواهد لا تعد ولا تحصى، على رأسها طائرات (إف 16) المدلّلة، التي اشتراها العراق بمليارات الدولارات دون أن يتمكن من استخدامها بمعزل عن الموافقات الأمريكية، والتي حددت مهامها بقصف الدواعش فقط، وفي مناطق محددة داخل الرقعة الجغرافية العراقية.
وحتى ما يخص الحرب على الارهاب ومكافحة داعش، كانت واشنطن وراء تأخير حسم هذه المخاطر بوقت مبكر، وكان ذلك ممكناً بدافع من فتوى النجف والدعم الإيراني، مع الإشارة إلى أن أمريكا كانت آخر من انضمّ للتحالف الدولي ضد داعش، الذي تأسس في باريس بمبادرة من الرئاسة الفرنسية، وليست الامريكية، وبموجبه نفذت طائرات (رافال) الفرنسية ضربات موجعة على الدواعش قبل أن تدخل طائرات (إف 16) المدللة.
وبالتالي لا شك من كون البيت الأبيض غير معني او مشغول بالأمن القومي العراقي، ولا حتى أمن الشرق الأوسط، بقدر انشغاله بأمن إسرائيل، ويتحدث عن ذلك باعتباره أمن قومي أمريكي يوجب توفير كل ما يلزم من سلاح ومال وجنود امريكيين، وإلا كيف نفهم قيام واشنطن بتزويد إسرائيل بكافة أنواع الأسلحة الخطرة، مثل طائرات (اف 35)، ومنظومات (ثاد)، ومختلف أنواع الدعم اللوجستي والاستخباري، مع أن الكيان بات خارجاً على النظام الدولي بارتكابه جرائم حرب وإبادات جماعية للمدنيين، وسط اعتداءات مستمرة على دول المنطقة بما فيها العراق.