حول اغتيال الحضارة في الكوفة
كان ينبغي أن يكون مقر الخليفة والخلافة في المدينة المنورة، كما هو معتاد منذ وفاة الرسول، أو في مكة المكرمة في أقصى تقدير، لكن انتقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الكوفة.
كتب / سلام عادل
الأيام الثلاثة التي شهدت جرح الإمام أثناء صلاة الفجر في المسجد، ومن ثم معاناته واستشهاده يوم 21 رمضان سنة 40 هجرية، كانت الأيام الأصعب التي مرت على الحضارة الإسلامية الأولى، التي تأسست في الكوفة بإرادة ربانية لم يكن أحد قد خطط لها، وهو ما ورد تأكيده في كتاب نهج البلاغة على لسان الإمام خلال حديثه عن رحلته من الحجاز إلى العراق، حيث قال "أما والله ما أتيتكم اختيارا، ولكن جئت إليكم سَوقا".
وكان ينبغي أن يكون مقر الخليفة والخلافة في المدينة المنورة، كما هو معتاد منذ وفاة الرسول، أو في مكة المكرمة في أقصى تقدير، لكن انتقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الكوفة، وقيامه بنقله السلطة الدينية والدنيويه معه، أدخل المسلمين فعلياً في مرحلة جديدة تمثلت بتأسيس الدولة، التي لم تكن قد تأسست بعد بصيغتها القائمة على الهياكل والدوائر وتعدد الأدوار لتلبية حاجات السكان ومتطلبات الحكم.
ومن الواضح أن رحلة الإمام باتجاه العراق كان الهدف منها استيعاب المشهد العالمي، والمتمثل بالاقتراب والتعايش مع بقايا الحضارات الرافدينية آنذاك، وهي سلالات متعددة بنت بعضها وتطورت بمرور الزمن، وكانت لها منجزات وقواعد واتساق فرضت أنظمة مدينية، يشمل ذلك إمكانية التواصل مع مختلف أشكال الديانات التاريخية، بغض النظر عن الديانات السماوية المعروفة.
ولهذا حين نتتبع منجزات الإمام خلال فترة تولّيه قيادة الأمة في الكوفة، وخصوصاً في ظل الفترة القليلة التي حكم فيها، وهي خمس سنوات كانت مليئة بالتحديات والمحن، ولكن مع ذلك أسس لنظام مالي يعتبر الأول من نوعه في الإسلام، وقام بتنظيم جهاز الشرطة، وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة الناس مثل دار المظالم، والذي يعتبر مؤسسة عدالة اجتماعية تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ، فضلاً عن ازدهار التعليم والعلم من خلال بناء المدارس التخصصية على نحو واسع،
وبشكل عام تعتبر الخلافة العلوية في الكوفة، بنظر المؤرخين بالطبع، الممهد الأساسي لسلسلة الحضارات الإسلامية المتعاقبة في التاريخ، ومن هنا تعتبر رحلة الإمام من الحجاز إلى العراق رحلة قد تمت بتقديرات ربانية، بما فيها استشهاد الإمام على يد أشقى الأولين والآخرين، بحسب الحديث النبوي، وهو اغتيال كان مصدره ودوافعه التطرف الأعمى والهمجية، التي لم تستوعب حركة التطور مادفع أتباعها إلى اغتيال الإمام الذي سعى إلى بناء الحضارة.