البنك المركزي يصنف "مشاهير السوشيال ميديا" ضمن فئة العملاء مرتفعي المخاطر المالية
شفافية مالية إلزامية
انفوبلس..
أثار قرار البنك المركزي العراقي بتصنيف مشاهير السوشيال ميديا ضمن فئة "العملاء مرتفعي المخاطر" تساؤلات واسعة في الأوساط المالية والقانونية، عقب تعميم رسمي وصل إلى جميع المصارف ومزوّدي خدمات الدفع.
ويُلزم التعميم المؤسسات المالية بتشديد إجراءات العناية الواجبة عند فتح حسابات أو متابعة التحويلات التي تخص المؤثرين، نظراً لتعدد مصادر دخلهم وخضوع بعض تعاملاتهم لاحتمالات غسل الأموال والتمويل غير المشروع.
ويأتي هذا الإجراء في ظل تزايد تأثير منصات التواصل، واتساع النشاط التجاري والإعلاني المرتبط بها في العراق.
خلفية القرار ودوافعه
وأصدر البنك المركزي العراقي تعميماً جديداً صنّف فيه مشاهير السوشيال ميديا ضمن فئة "العملاء ذوي المخاطر المرتفعة"، في خطوة وصفت بأنها الأكثر شمولاً منذ بدء تزايد النشاط التجاري للمؤثرين على الإنترنت.
ويشير التعميم، الموجّه إلى جميع المصارف ومزوّدي خدمات الدفع الإلكتروني، إلى أن التأثير المتسارع لمحتوى السوشيال ميديا في العراق، وتحوّل المؤثرين إلى شخصيات تحقق دخلاً كبيراً من الإعلانات وعقود التسويق والبث المباشر، أوجد مساحة مالية غير منظّمة يمكن أن تُستغل في أنشطة غير قانونية، في ظل غياب تشريعات دقيقة تضبط هذا القطاع.
ويؤكد البنك أن اتساع مصادر دخل المشاهير، وتنوعها، وصعوبة تتبع بعض عقودهم أو تحويلاتهم، يجعلهم فئة حسّاسة من حيث المخاطر، خصوصاً عندما تكون التحويلات غير مبررة أو عندما لا تتناسب الأرباح مع حجم المتابعة أو النشاط المعلن.
تصنيف جديد للمخاطر.. لماذا المؤثرون؟
يستند القرار إلى ما يسمى توصيات مجموعة العمل المالي (FATF) والمتطلبات الدولية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبحسب الوثيقة الرسمية، فإن المؤثرين باتوا فئة ذات قابلية عالية لاستخدام أسمائهم أو صفحاتهم كغطاء لنشاطات مالية مشبوهة، سواء كانت إعلانات وهمية، أو تحويلات غير مبررة، أو عقود رعاية بلا مقابل فعلي.
عادة تُصنَّف الفئات عالية المخاطر بناءً على عدة معايير، منها: تعدد مصادر الدخل، التعامل بالنقد بشكل مبالغ فيه، العمل في بيئات مالية غير منظمة، أو وجود صلات محتملة بجهات خارجية أو كيانات غير خاضعة للرقابة. ويرى البنك المركزي أن قطاع السوشيال ميديا في العراق يحقق جزءاً كبيراً من هذه المؤشرات، سواء نتيجة نشاطات البث المباشر، أو جمع التبرعات، أو العقود الرقمية التي يصعب التحقق من مشروعيتها.
التعليمات الملزمة للمصارف والمؤسسات المالية
ألزم البنك المركزي المصارف باتباع سلسلة إجراءات تفصيلية عند التعامل مع المؤثرين. وتشمل الخطوات ما يأتي:
1- إدراج المؤثرين ضمن الأنظمة الرقمية الخاصة بتصنيف المخاطر
يجب إدراج هذه الفئة تلقائياً في خانة "مرتفعي المخاطر" ضمن أنظمة المصارف، سواء عند فتح حساب جديد أو تحديث البيانات، مع مراعاة تعدد مصادر الدخل وحجم التفاعل الرقمي.
2- الإفصاح الكامل عن مصادر الدخل الرقمية
تُلزم المصارف المؤثرين بتقديم عقود الإعلانات والرعاية، وبيانات الدخل المرتبطة بها، إضافة إلى أي مستندات تثبت مصدر الأموال، خصوصاً العوائد المتحصلة من البث المباشر أو الإعلانات المدفوعة.
3- تقديم مستندات رقمية حديثة
يجب على المؤثر عند فتح حساب أو محفظة رقمية تقديم:
- رابط حسابه الرسمي على المنصات.
- صورة حديثة وموثقة لعدد المتابعين.
- ما يثبت عائدية الحساب إليه.
وهذه الإجراءات تهدف إلى الحدّ من انتحال الهوية، والتأكد من أن الحسابات المرتبطة بالتحويلات تعود إلى الشخص نفسه.
4- مراقبة التحويلات المالية
يطلب البنك المركزي من المصارف إخضاع التحويلات المتأتية من نشاطات المؤثرين، مثل البث أو جمع التبرعات، إلى تدقيق معمّق. وتخضع التحويلات غير المبررة أو غير المتناسبة مع الدخل المعلن إلى إجراءات إضافية قد تشمل الإبلاغ الفوري لمكتب مكافحة غسل الأموال.
5- الفحص الرقمي عبر منصات عالمية
تشمل التعليمات إجراء بحث عبر منصات مختصة ببيانات المؤثرين مثل Social Blade وHype Auditor للتحقق من مصداقية أعداد المتابعين والدخل المحتمل.
المؤشرات الاسترشادية للاشتباه المالي
حدد البنك المركزي قائمة موسّعة من المؤشرات التي يجب على المصارف مراقبتها عند التعامل مع المؤثرين، وتشمل:
أولاً: مؤشرات مرتبطة بغسل الأموال
- عدم التناسب بين الدخل المعلن وحجم المتابعة.
- كبر حجم الإيرادات مقارنة بعقود الإعلانات الفعلية.
- تضارب الإفصاحات بين ما يقدمه المؤثر للمصرف وما يصرّح به إعلامياً.
- الحصول على تحويلات من مصادر مجهولة أو من دول عالية المخاطر.
- استخدام حسابات باسم أفراد العائلة لتلقي الأموال.
ثانياً: المؤشرات المرتبطة بالعمليات المالية المشبوهة
- الإصرار على التعامل بالنقد رغم أن الدخل رقمي.
- رفض تقديم مستندات رسمية.
- تنفيذ إيداعات متكررة بأوقات قصيرة وبمبالغ قريبة من حدود الإبلاغ.
- شراء أصول فاخرة لا تتناسب مع طبيعة العمل.
- تحويلات إلى دول تخضع لعقوبات أو رقابة دولية.
ثالثاً: مؤشرات تتعلق بإخفاء هوية المستفيد الحقيقي
- فتح حسابات متعددة بأسماء مختلفة.
- تغيير أسماء الصفحات الرقمية بعد جمع تبرعات.
- التعاون بين عدة مؤثرين لتمرير أموال بطرق مركّبة.
- تلقي دعم من جهات مدرجة على قوائم الحظر.
تأثير القرار على المشهد الرقمي والقطاع المصرفي
من المتوقع أن يؤدي القرار إلى إعادة تنظيم واسعة للنشاط المالي المرتبط بالسوشيال ميديا في العراق، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من المؤثرين يميلون إلى التعامل بنقد غير مراقَب أو تحويلات سريعة غير موثقة.
ويعتقد خبراء أن تشديد الرقابة سيُجبر المؤثرين على الالتزام بالمعايير المالية الرسمية، مثل تسجيل دخلهم بشكل واضح، والابتعاد عن أي تعاملات غير موثّقة. كما قد يسهم القرار في تحصين المصارف من عمليات الاستغلال، ومنع مرور تحويلات مرتبطة بغسل الأموال عبر قنوات رقمية غير محكومة.
