العراق والأردن يتفقان على إنجاز خط نفط البصرة – العقبة.. مراجعة شاملة للمشروع "سيئ الصيت"
انفوبلس/ تقارير
رغم الانتقادات والرفض الشعبي وحتى السياسي، عاد إلى الواجهة مجدداً مشروع خط نفط البصرة- العقبة، ليُعيد الجدل حول دوافعه السياسية وجدواه الاقتصادية، خاصة مع الكُلف الكبيرة لإنجازه، والتي تتراوح وفق تقديرات متضاربة بين ثمانية و28 مليار دولار. فماذا قال الخبراء عنه؟ وكيف سيخدم الأردن لا العراق؟ وهل فعلا سيكون "أنبوب التطبيع"؟ إليك كامل تفاصيل هذا الملف منذ التخطيط حتى التوقيع.
اتفاق عراقي - أردني
أول أمس الخميس، اتفق رئيسا البرلمان العراقي محمود المشهداني والأردني أحمد الصفدي، على ضرورة إنجاز أنبوب النفط بين البلدين.
جاء ذلك في بيان مشترك عقب المباحثات الرسمية التي أُجريت بين المشهداني والصفدي بحضور أعضاء المكتب الدائم في مجلس النواب ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية ورئيس لجنة الأخوة البرلمانية الأردنية العراقية، وأعضاء في مجلس النواب العراقي يمثلون رؤساء وأعضاء لجان وكتل برلمانية.
جدل سياسي واقتصادي
يثير خط أنابيب النفط المزمع مدُّه من حقول البصرة إلى ميناء العقبة بالأردن جدلاً في الأوساط السياسية والاقتصادية العراقية بين مرحب بالمشروع ومناوئ له، وتعتمد آراء كلا الطرفين على حسابات الجدوى أو ما يترتب عليه من أضرار.
وخلُصت المباحثات إلى توقيع بيان مشترك أكد “تعزيز التنسيق بين الأردن والعراق، لمواجهة التحديات التي تفرضها ظروف المنطقة، ودعم الأشقاء في سوريا واحترام إرادتهم وضرورة حماية أمن سوريا ومواطنيها، والحفاظ على وحدة أراضيهم وضمان تمثيل مكوناتهم كافة في العملية السياسية، ودعم مخرجات الاجتماعات التي استضافتها مدينة العقبة الأردنية بشأن الأوضاع في سوريا".
كما أشار البيان الذي تلقته شبكة انفوبلس، إلى “تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي الأردني العراقي، وتذليل أي عقبات تحول دون ذلك، وتنظيم زيارات متبادلة للجان البرلمانية، وغرف الصناعة والتجارة في كلا البلدين، بما يسهم في فتح نوافذ استثمارية في مختلف المجالات، والعمل على إقامة اتفاقيات تعاون ثقافية وتعليمية، والاستفادة من الخبرات المتبادلة في قطاعات الزراعة والطاقة والإنشاءات".
وأكد البيان العراقي الأردني، “أهمية إنجاز مشروع مد أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة، والذي يعتبر شريان نقل اقتصادي مهم لصالح البلدين، والعمل على تدعيم مختلف المشاريع المشتركة الثنائية، والثلاثية مع الأشقاء في مصر".
وأعلن عن دعم كل الجهود الرامية إلى “وقف العدوان الغاشم على قطاع غزة، ورفض محاولات تهجير الأشقاء في القطاع والضفة، والعمل على مضاعفة جهود إيصال المواد الإغاثية للقطاع، ورفض كل أشكال الأعمال المتطرفة للمستوطنين ضد الأشقاء في مختلف الأراضي الفلسطينية ورفض الإنتهاكات التي تُمارس بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
وأشار الى “تنسيق المواقف البرلمانية المشتركة بين مجلسي النواب الأردني والعراقي، استناداً لتاريخ طويل وممتد من العلاقة الأخوية الراسخة بين البلدين والشعبين الشقيين، بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة والدفاع عن قضايا الأمة".
ومنذ أكثر من 40 عاما والعراق يزود الأردن بالنفط الخام بـ”أسعار تفضيلية”، رغم الخسائر المستمرة التي يتكبدها جراء الاتفاقية المبرمة بين البلدين والمقدرة بأكثر من 57 مليون دولار سنويا، والتي كان بإمكانه الاستفادة منها في حال بيع النفط وفق الأسعار العالمية للبترول.
ويستورد الأردن النفط الخام العراقي تنفيذا لمذكرة التفاهم لتجهيز النفط الخام الموقعة بين حكومة المملكة الأردنية الهاشمية وحكومة جمهورية العراق بتاريخ 4 أيار 2023، بحسب الخرابشة.
وبموجب المذكرة، يقوم الجانب الأردني بشراء النفط الخام العراقي، على أساس معدل خام نفط برنت الشهري ناقصا 16 دولارا للبرميل الواحد لتغطية فرق النوعية وأجور النقل، وذلك لتلبية 7% من احتياجات المملكة من النفط الخام، على ما أشار وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردنية.
ملاحظات حول الجدوى الاقتصادية
يؤكد خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، أن “مشروع أنبوب البصرة – العقبة تعترضه ملاحظات كثيرة حول الجدوى الاقتصادية، فكل المعطيات تشير إلى انه لا جدوى اقتصادية ولا فائدة ملموسة للعراق من هذا المشروع الذي سيكلف قرابة الـ28 مليون دولار، لكلفة الأنبوب والمحطات في طريقه”.
ويقول شيرواني في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن “هذه الكُلف كلها ستنتقل بعد سنوات إلى الأردن، كما أن النفط الذي يُنقل عبر هذا الأنبوب سيُباع جزء منه أقل بمقدار 17 دولارا من سعره الرسمي إلى عمان، كما أن الأخيرة ستستوفي أجورا جراء مرور الأنبوب وكذلك مصر، وإذا ما فاض عن حاجة البلدين وصدر عبر قناة السويس سيتم استيفاء أجور أخرى أيضا".
وأضاف، إن “تنويع المنافذ التصديرية للعراق أمر جيد، لكن هذا المشروع سيواجه انتقادات واعتراضات كثيرة لأن الجدوى الاقتصادية ضعيفة، وهو يظهر كنوع من الدعم الاقتصادي والسياسي للأردن ومصر تحديدا".
أنبوب التطبيع
في 30 حزيران من العام الجاري، أصدرت تنسيقية المقاومة بيانا جاء فيه، "اجتمعت تنسيقية المقاومة العراقية إثر تهديدات العدو الصهيوأمريكي بشن حرب شاملة على لبنان ومقاومته الباسلة، وقررت التنسيقية إنه إذا ما نفذ الصهاينة تهديدهم، فإن وتيرة ونوعية العمليات سوف تتصاعد ضدهم، وستكون مصالح العدو الأمريكي الإجرامي في العراق والمنطقة أهدافا مشروعة لرجال المقاومة".
وأضافت التنسيقية، إن "ما يتعرض له أهلنا في فلسطين من مجازر وإبادة جماعية، يوجب اتخاذ مواقف حازمة تجاه دول التطبيع، لا أن تُدعم بنفط العراق وأمواله، ولعل خط أنبوب نفط العقبة-البصرة الذي يستنزف العراق بمبالغ طائلة، دون جدوى اقتصادية للبلاد، يُعد نقطة البداية لإدخال العراق -بلد علي والحسين والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) - إلى مشروع خبيث يمهد للتطبيع مع الكيان الصهيوني".
بعد أقل من اسبوع على بيان التنسيقية آنف الذكر، وبالتحديد بتاريخ 4 تموز، أكد المسؤول الامني لكتائب حزب الله أبو علي العسكري، أن قرار تنسيقية المقاومة العراقية برفض مد انبوب البصرة _ العقبة الذي سيخدم دول التطبيع والكيان ينبغي تحويله الى مصداق عملي سواء في الفعاليات الشعبية أو مواقف النواب المخلصين لإجهاض هذا المشروع الخبيث.
وفي 9 أيار مايو الماضي، كشف النائب مصطفى سند، عن تضمين موازنة 2024 مشروع خط انبوب (بصرة- حديثة) الذي تكفلت به الحكومة العراقية من خزينة الدولة حتى مدخل الحدود الأردنية، لغرض إيصاله إلى العقبة، مبينا أن الكلفة 4.9 مليارات دولار، أي ما تعادل 6.4 ترليونات دينار، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا في البلاد عن جدواه الاقتصادية وأهدافه، خصوصا مع حديث البعض عن دخول أطراف دينية وسياسية على الخط ووصفه بأنبوب التطبيع مع إسرائيل.
لكن الحكومة العراقية، قالت إن المشروع يصل إلى مدينة حديثة فقط وأن هذا المشروع يمثل العمود الفقري لكامل منظومة التصدير الشمالية ويمنح العراق منافذ تصدير جديدة، بالإضافة إلى توفير آلاف فرص العمل، فضلا عن كونه مشروعا مكملا لمشروع طريق التنمية.
فائدة كبيرة للأردن لا العراق
وبحسب القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن، التي احتضنت بغداد إحدى جولاتها في حزيران يونيو 2021، فإنه سيتم مد أنبوب نفط البصرة- العقبة في الأردن، وصولا الى الموانئ المصرية، حيث سيتم استخراج المشتقات النفطية فيها وإعادتها للعراق، لاسيما وأن وزير البترول المصري طارق الملا، زار بغداد في تشرين الأول أكتوبر الماضي، وذلك بعد أيام من توقف إمداد شركة أرامكو السعودية لمصر بنحو 700 ألف طن من المواد البترولية، في إطار اتفاقٍ طويل الأجل بين الرياض والقاهرة، التي تشهد العلاقات بينهما توترا منذ شهور على خلفية قضايا ثنائية وإقليمية.
ويعتبر المشروع، وفق تصريحات سابقة لخبراء، ذا فائدة كبيرة للأردن، إذ إنه سيُسهم في تأمين النفط للأردن على مدار العام، بالإضافة إلى أن مروره عبر الأراضي الأردنية سيدرّ على الأردن دخلا من خلال رسوم التمرير والعبور وبدلات استئجار الأراضي، كما أنه سيوفر فرص عمل جديدةـ كما ستحصل الأردن من خلال الخط على كميات نفط بأسعار تفضيلية وبأقل كلفة.
يشار إلى أن إندبندنت البريطانية نشرت في عددها الصادر في 1 تموز يوليو 2021 تقريراً اقتصادياً مفصلاً عن هذا المشروع بعنوان (العراق يصر على تنفيذ أنبوب “البصرة ـ العقبة” النفطي رغم الانتقادات) خلصت فيه إلى أنه “لا قيمة تجارية له على الإطلاق، لأن كُلفة نقل البرميل الواحد فيه قد تصل إلى تسعة دولارات إضافية مقابل ستين سنتاً عن طريق موانئ البصرة”.